سحر التكنولوجيا: كيف تؤثر التقنيات الحديثة على سوق العقارات؟

تتحوّل صناعة العقارات بفضلِ التّقدّم التّكنولوجيّ، لا سيما وقد اعتبرت سابقاً مجالاً قائماً على العلاقاتِ الشّخصيّةِ والحدسِ، إذ يقودُ الذكاء الاصطناعي (AI) والبيانات الضخمة والتعلم الآلي (ML) هذا التّحوّل، ممّا يُعيدُ تشكيلَ الطّريقة الّتي يتّخذُ بها المستثمرون القراراتِ، ويكتشفون الفرص ويديرون المخاطرَ، وبالتّالي يُبّشرُ هذا التّكامل للتكنولوجيا في الاستثمار العقاري بعصرٍ جديدٍ من الكفاءةِ والاستراتيجيّاتِ القائمةِ على البياناتِ.

الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي: التّنبؤ باتّجاهات السّوق بدقّةٍ

لقد أثبتَ الذكاء الاصطناعي والتَعلم الآلَي أنّهما يُغيّران قواعدَ اللّعبةِ في تفسيرِ بيانات السّوق. واليوم، يُمكن للمستثمرين استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي الّتي تُحلّل كمياتٍ هائلةً من المعلومات، مثل: الاتّجاهات التّاريخيّة والمُؤشّرات الاقتصاديّة والتّركيبة السّكانيّة، فهذه القدرةُ تسمحُ لهم بتوقّع تحرّكات السّوقِ بشكلٍ أكثر دقّةً من أيّ وقتٍ مضى.

على سبيل المثال، تستخدمُ شركاتٌ، مثل Zillow وRedfin، التّحليلاتِ التّنبؤيّة لتقديم تقديراتٍ لقيمِ المُمتلكات، وتُسمّي Zillow هذا التّقدير بمسمّى "Zestimates"، حيث تُحسب هذه التّقديرات بواسطةِ خوارزميّاتٍ، تُعالج ملايين نقاط البيانات لمساعدة المُستثمرين على تقييمِ الاستثماراتِ المُحتملةِ بسرعةٍ.

كما وأظهرت أبحاث Zillow أنّ تقديراتها "Zestimates" تمتلكُ معدّلَ خطأٍ متوسّطاً ومنخفضاً يصلُ إلى 1.9% للمنازلِ المعروضةِ في السّوق، وبالتّالي يسلّطُ هذا المُستوى من الدّقة الضّوءَ على إمكانيّةِ استخدام خوارزميّات التّعلّم الآليّ؛ لتحديدِ أسعار العقارات بشكلٍ أكثر فعاليّةً وكفاءةً من الطّرق التّقليديّة.

البيانات الضخمة: اكتشاف الفرص الخفيّة

يُشيرُ مصطلحُ "البيانات الضخمة" إلى كمّيةٍ هائلةٍ من المعلوماتِ الّتي يُمكن معالجتها؛ لاكتشافِ الأنماطِ والاتّجاهاتِ الّتي لم تكن مرئيّةً من قبل. ويتضمّنُ ذلكَ في مجالِ العقاراتِ، جمع البياناتِ من مصادرَ مُتعدّدةٍ، بما في ذلك صور الأقمار الصناعيّة وأجهزة إنترنت الأشياء داخل المباني الذّكيّة، والمنصّات الإلكترونيّة.

وتستخدمُ شركةُ Orbital Insight، على سبيل المثال التّحليلات الجغرافيّة المكانيّة لمساعدةِ المُستثمرين على تحليلِ حركةِ الأقدامِ، وهو مؤشّرٌ على الرّبحيّة المُحتملةِ للعقاراتِ. كما ومن خلالِ مراجعةِ موقع الهواتفِ المحمولةِ المجهولةِ وبياناتِ الأقمارِ الصّناعيّة، فإنّه يُوفّرُ نظرةً ثاقبةً لشعبيّة وأداء المساحات التّجاريّة، وبالتّالي يُساعد المستثمرين على تحديدِ الفرصِ الخفيّةِ.

وفي مجالِ العقارات التجارية، تُوفّر منصّةُ Reonomy بياناتٍ مُجمّعةً حول العقاراتِ للمستثمرين، ممّا يسمحُ لهم بتحديد الاتّجاهات واتّخاذ قراراتٍ أكثر استنارةً حول متى وأين يستثمرون.

التكنولوجيا للحدِّ من المخاطر

الحدُّ من المخاطرِ هو مجالٌ آخر، حيث يكونُ للتكنولوجيا تأثيرٌ كبيرٌ. إذ باستخدام أدواتِ النّمذجةِ المُتقدّمةِ المدعومةِ بالذكاء الاصطناعي، يُمكن للمستثمرين محاكاة السّيناريوهات الاقتصاديّة المُختلفة وتأثيراتها المُتوقّعة على سوقِ العقاراتِ، كما تأخذُ هذه المحاكاة في الاعتبارِ، احتمالات التّغيرات في أسعارِ الفائدةِ، والأسواق المحليّة البطيئة، والتّغيرات التّنظيميّة، ممّا يمنح المستثمرين صورةً أوضح للمخاطر التي يُواجهونها.

تستخدمُ شركةُ Katerra، وهي شركةٌ تقنيّةٌ في مجالِ البناءِ، البيانات لإحداث ثورةٍ في تصميم وتشيّيد المباني. ومن خلال دمجِ الهندسةِ المعماريّة والبناء عبر عمليّةٍ شاملةٍ تعتمدُ على التّكنولوجيا، وتهدفُ Katerra إلى تقليلِ مخاطر تجاوز التّكاليف والتّأخيرات، الّتي تعدّ مخاطرَ شائعةً في التّطوير العقاريّ.

تكنولوجيا البلوكتشين: مستقبل التداول

تقنية البلوكتشين هي التّكنولوجيا التي تكتسبُ زخماً سريعاً في قطّاع العقارات، وهذا يَعدُ بجعلِ المُعاملاتِ أكثر أماناً وشفافيّةً وكفاءةً. على سبيل المثال، تسمحُ شركةُ Meridio للمستثمرين بشراء وبيع حصص الملكيّات العقاريّة باستخدامِ تقنيةِ بلوكتشين، ممّا يُسهّل إدارةَ ونقلَ حصص الملكيّةِ دون الحاجةِ إلى وسطاء تقليديّين.

كما تقودُ تقنية بلوكتشين نموّ رقمنة العقاراتِ، حيث يتمّ تمثيل حصّة مُلكيّة العقاراتِ عبر الرّموزِ الرّقميّةِ، وهذا يُقلّلُ من الحواجزِ أمام الدّخولِ، ممّا يسمحُ بملكيّةٍ جزئيّةٍ وقاعدةِ مستثمرين أكثر تنوّعاً.

الواقع الافتراضي: طريقةٌ جديدةٌ لتجربة العقارات

تُوفّر تقنيّات الواقعِ الافتراضيّ (VR) والواقعِ المُعزّز (AR) للمستثمرين منظوراً جديداً للاستثماراتِ العقاريّةِ المُحتملةِ. إذ يُمكن للمستثمرين القيامَ بجولةٍ في العقاراتِ من أيّ مكانٍ في العالمِ، دون الالتزامِ بالقيودِ الجغرافيّةِ. وشركةُ Matterport واحدةٌ من الشّركاتِ الّتي تدفعُ حدودَ هذا القطّاعِ، حيث تُوفّرُ أدواتٍ ثلاثيّة الأبعاد، تسمحُ بجولاتٍ افتراضيّةٍ للمساحاتِ.

لا تخدمُ هذه التّجارب الغامرةُ المُشترين عن بعدٍ فحسب، بل تُساعدُ أيضاً المطوّرين والمُستثمرين على تصوّرِ التّجديدات والتّغييراتِ المعماريّةِ قبل تخصيصِ الأموالِ، ممّا يُقلّلُ من مخاطر الأخطاءِ المُكلفةِ.

تحديات واعتبارات التّكامل

لا تزالُ هناك تحديّاتٌ بارزةٌ، على الرّغمِ من هذه التّطورات التّكنولوجيّة. إذ يُمكن أن يكونَ دمج التّقنيات الجديدةِ في الأنظمةِ الحاليّةِ مُعقّداً ويستغرقُ وقتاً طويلاً. بالإضافة إلى تباطُؤ صناعةِ العقاراتِ في اعتمادِ التّقنيات الجديدةِ مُقارنةً بالقطّاعات الأُخرى؛ بسببِ البيئةِ التّنظيميّةِ والحجمِ الكبيرِ للمُعاملاتِ.

بالإضافةِ إلى ذلكِ، يُثير الاعتمادُ على البياناتِ والتّكنولوجيا أسئلةً مهمّةً حول الخصوصيّةِ وأمن البياناتِ والاستخدامِ الأخلاقيّ للذكاء الاصطناعي، حيث يحتاجُ المستثمرون والشّركات إلى معالجةِ هذه المُخاوفِ بحكمةٍ؛ لبناءِ الثّقةِ وضمانِ الامتثالِ للوائح الحاليّةِ والمُستقبليّةِ.

الخاتمة

مع استمرارِ تطوّر الذّكاء الاصطناعيّ والبياناتِ الضّخمة والتّعلّم الآليّ، فإنّها ستُحدِثُ ثورةً في الاستثمار العقاريّ من خلال تقديم رؤىً أعمق وكشفِ فرصٍ جديدةٍ مع تقليلِ المخاطرِ، وتعكسُ القصصُ والدّراساتُ المذكورةُ فقط بدايةَ هذا التّحوّلِ. إذ يُمكن للمستثمرين الذين يستخدمون هذه التّقنياتِ اتّخاذ قراراتٍ أكثر استنارةً مدعومةً ببياناتٍ قويّةٍ، وليس فقط بالاعتمادِ على الحدسِ.

يبدو المستقبلُ واعداً، لكنّنا بحاجةٍ إلى التّنقلِ بعنايةٍ في هذهِ البيئة القائمةِ على التّكنولوجيا مع وضع تحديّاتِ التّكاملِ والاعتباراتِ الأخلاقيّة في الحُسبان. لا يُمكن للأشخاصِ النّاجحين إعادةَ هيكلةِ استراتيجيّاتهم فحسب، بل يُمكنهم أيضاً إعادة تعريف طبيعةِ العقاراتِ لاستثمارِ أنفسهم لعقودٍ قادمةٍ.

يمثّلُ تكاملُ التّكنولوجيا والاستثمارُ العقاريّ صورةً لمستقبلٍ ديناميكيٍّ، تُصبحُ فيه القراراتُ والاستراتيجيّاتُ الأكثر ذكاءً، والمدعومة بقوّةِ الابتكارِ، هي القاعدةُ الجديدةُ. وهنا سيجدُ المستثمرون الذين يتبنّون هذا التّغيير أنفسهم في طليعةِ سوٍق أكثر شفافيّةً وسهولةً وكفاءةً وجاهزيّةً لجني الفوائدِ الّتي تُوفّرها هذه التّقنياتُ المتطوّرةُ.