سرُّ الإقناع: كيف تبني عروضاً تقديميةً لا تُنسى؟
اكتشف كيفيّة تحويل الأفكار المعقّدة إلى رسائل مقنعةٍ من خلال التّركيز على الفكرة الرّئيسيّة واستثمار قوّة العناوين المؤثّرة
تخيّل أن يكونَ بإمكانكَ إقناعُ أيّ شخصٍ بأيّ فكرةٍ، تخيّل أن تكونَ قادراً على تحويل خصومكَ إلى حلفاء وأن تُؤثّرَ في قراراتهم! هذا ليس حُلماً، بل حقيقةً يُمكن تحقيقها. واليوم، سأشارككم سرّاً بسيطاً غيّر طريقةَ تفكيري بالعروض التقديمية المُقنعةِ، وأنا على يقينٍ من أنّه سيغيّرُ طريقة تفكيركم أيضاً.
تنصُّ القاعدةُ الأساسيّةُ على أنّ الدّماغَ البشريّ يميلُ إلى استيعابِ المعنى الكُلّيّ للمعلومة قبل التّفاصيل الدّقيقةِ، فوفقاً للباحثِ جون ميدينا عندما لا يفهمُ المستمعون السّياقَ العامّ لما تُقدّمه، فمن النّادر أن يُركّزوا على الجوانب التّفصيليّة، ويُشبِّهُ ميدينا ذلك ببناء هرمٍ، إذ يجبُ أن تكونَ الفكرةُ الرّئيسيّةُ هي القاعدةُ التي تُبنى عليها التّفاصيلُ الأصغرُ، إذ قال: "بدلاً من الخوضِ في التّفاصيل، دعنا نتحدّثُ عن النتائج التي ستحقّقها بفضل هذا المنتج".
تخيّل أن لديكَ استوديو تحرير فيديو احترافيٍّ بين يديكَ، يُمكنكَ تقديم العرض على الشّكل التّالي: تطبيقنا يمنحكَ الحريّةَ لإطلاق العنان لإبداعكَ بصورةٍ سهلةٍ وسلسةٍ، وبفضل مجموعةٍ واسعةٍ من الأدوات المُتقدّمة، مثل: خاصّية التّصوير بالحركة البطيئة والرّسوم المُتحرّكة الذّكيّة وإزالة الخلفيّات، يُمكنكَ تحويل أفكاركَ إلى واقعٍ ملموسٍ دون الحاجة إلى خبرةٍ سابقةٍ في مجال التّحريرِ.
وكمثالٍ آخر، انظر إلى وصفِ التّطبيقات في متجر غوغل بلاي، حيث يُركّزُ الوصفُ على الفكرة الأساسيّة في كلّ تطبيقٍ ثم تأتي التّفاصيل، إذ جاء في وصف تطبيق Canva: تتحوّل أفكاركَ إلى واقعٍ مع Canva، كلّ ما تحتاجه لتصميم صورٍ مذهلةٍ وفيديوهاتٍ احترافيّةٍ في متناول يدكَ، كما كُتب في وصف تطبيق Duolingo: استمتع برحلة تعلّم اللّغات مع Duolingo الطّريقة الأكثر متعةً وفعاليّةً لإتقان لغةٍ جديدةٍ، وعلى نفسِ المبدأ جاء وصف تطبيق Khan Academy: اكتشف عالماً من المعرفة مجّاناً مع خان أكاديمي، تعلّم أيّ شيءٍ في أيّ وقتٍ وفي أيّ مكانٍ.
جميع التّطبيقات تم التّركيز فيها على النّتائج الّتي تُحقّقها قبل شرح التّفاصيل المُعقّدة، إذ يُعتبرُ العنوان بمثابة واجهة العرضِ، وقد أظهرت دراسةُ عناوين محاضرات TED أنّ العناوينَ الفعّالة هي تلك الّتي تجمع بين الإيجاز والوضوح والقدرة على إثارة الفضولِ، فعناوينٌ مثل "قوّة الانطوائيّين" أو " كيف تتحدّثُ حتّى يستمع النّاس إليكَ؟" تُمثّل مثالاً حيّاً على كيفيّة تحويل فكرةٍ مُعقّدةٍ إلى عنوانٍ جذّابٍ ومثيرٍ للاهتمام، حيث تهدفُ العناوين إلى جذب انتباهكَ بسرعةٍ وإثارة فضولكَ لمعرفة المزيدِ.
لا تقتصرُ العروض التقديمية التّجاريّة النّاجحة على سرد التّفاصيل الفنيّة والميّزات، بل يجبُ أن تبدأَ برؤيةٍ شاملةٍ وملهمةٍ للمُستقبل، فالعروضُ التّقديميّة الفعّالة تسعى إلى جذب انتباه الجمهور من خلال تقديم صورةٍ واضحةٍ وكبيرةٍ عن القيمة الّتي سيحصلون عليها من المنتج أو الخدمة، فعندما أعلنَ ستيف جوبز عن أوّل هاتف آيفون، لم يُركّز فقط على المواصفات التّقنيّة، مثل: حجم الشّاشة أو قدرة البطاريّة، بل رسم صورةً مستقبليّةً لكيفيّة تفاعل النّاس مع أجهزتهم بطريقةٍ طبيعيّةٍ وبديهيّةٍ، باستخدام أصابعهم بدلاً من الأدوات التّقليديّة حيث قال: اليوم ستعيدُ شركةُ آبل اختراعَ الهاتف". نعم، لقد قدّم لنا رؤيةً حول كيفيّة تغيير الهواتف الذّكيّة لحياتنا اليومية، وكيف ستصبح جزءاً لا يتجزّأ منها.
بالإضافة إلى ذلك، سلّط جوبز الضّوء على مجموعةٍ واسعةٍ من الميّزات الّتي ستجعلُ الآيفون جهازاً متكاملاً، مثل: المُتصفّح والمُشغّل الموسيقيّ وما إلى ذلك. هذه الرّؤية الشّاملة والملهمة هي الّتي جعلت إطلاق الآيفون حدثاً تاريخيّاً، وأثّرت بشكلٍ كبيرٍ على صناعة الهواتف الذّكيّة.
أشار الباحثُ التّعليميّ البارز جون برانسفورد إلى فارقٍ جوهريٍّ بين المعلّمين المبتدئين والخبراء، يتمثّلُ في كيفيّة تنظيمهم للمعرفة، فبينما يميلُ المُبتدئون إلى تقديم المعلومات بشكلٍ مُتسلسلٍ، كقائمةٍ من الحقائق والقواعد، فإنّ الخبراء يبنون معرفتهم حول مجموعةٍ مُحدّدةٍ من المفاهيم الرّئيسيّة أو الأفكار الكبرى، فهذه الأفكارُ تعملُ كمرساةٍ ذهنيّةٍ، تُوجّه تفكير الخبير في المجال وتساعدهُ على الرّبط بين مختلف جوانب المعرفةِ.
هذا الاكتشافُ لبرانسفورد يجدُ صداهُ في عالم العروض التقديمية، فغالباً ما يكون الهدفُ من العرضِ هو نقلُ معلوماتٍ جديدةٍ بطريقةٍ تُثيرُ الحماسَ والفضولَ لدى الجمهور، وهنا تأتي أهمّيةُ نصيحةِ الباحث المعرفيّ جون ميدينا، والّتي تتوافقُ مع ملاحظات برانسفورد، فبدلاً من البدء بتقديم التّفاصيل الدّقيقة والمُجزّأة، ينصحُ ميدينا ببدء العرض بالفكرة الرّئيسيّة الكبيرة، فهذه الفكرةُ تعملُ كخريطة طريقٍ ذهنيّةٍ للجمهور، تساعدهم على فهم السّياق العامّ للمعلومات قبل الغوص في التّفاصيل، وبعد ذلك يُمكن للمقدّم أن يبدأ بتقديم التّفاصيل الدّقيقة، ولكن بشكلٍ هرميٍّ، بمعنى الانتقال من الأفكار العامّة إلى الأفكار الأكثر تحديداً.