سر الخطوات: كيف يُعزّز المشي ذاكرتك، تركيزك، ويُقلّل توترك؟
نشاطٌ بسيطٌ ذو تأثيراتٍ سحريّةٍ على الصّحّة الجسديّة والنّفسيّة
في خضّمِ زحمةِ الحياةِ، باتَ البحثُ عن طرُقٍ لتحسينِ وظائف الدماغ وتقليلِ التّوترِ أمراً بالغ الأهميّة، وما قد يبدو مُفاجئاً هو أن أبحاثَ علم الأعصاب اكتشفت نشاطاً بسيطاً وفعّالاً يُمكنه تحسينُ الذّاكرةِ، وزيادةُ التّركيزِ، وخفضِ مستويّاتِ التّوترِ بشكلٍ ملحوظٍ، وهذا النّشاط لا يتطلّبُ معدّاتٍ خاصّةٍ، ويُمكنُ ممارستهُ في أيّ مكانٍ تقريباً، وهو متاحٌ لجميع الأعمار ومستويّاتِ اللّياقةِ البدنيّةِ؛ السّرّ يكمن في: المشي. [1]
العلم وراء الخطوات
كشفت دراساتُ علمِ الأعصابِ عن التّأثيرِ العميقِ للمشي على الدّماغِ، فالمشي ليس مجرّد نشاطٍ بدنيٍّ بسيطٍ، بل يُفعّل عدّة مناطق في الدّماغ، ويُحرّكُ سلسلةً من الفوائد العصبيّة.
تعزيز الذاكرة
يُعدّ تأثيرُ المشي على الذاكرة من أبرزِ الفوائدِ، فقد نشرت دراسةٌ في المجلّة الأكاديميّة الوطنيّة للعلوم (Proceedings of the National Academy of Sciences) أنّ المشي المُنتظمَ يزيدُ من حجمِ الحُصينِ، وهي منطقةٌ حيويّةٌ في الدّماغ لتشكيلِ الذّاكرةِ والملاحةِ المكانيّةِ، فالمشاركون الّذين مشوا بسرعةٍ لمدّة 40 دقيقةً ثلاث مرّاتٍ في الأسبوع أظهروا زيادةً بنسبة 2% في حجمِ الحُصين خلال سنةٍ، ممّا يُعادل عكس فقدان الذاكرة المُرتبط بالعمرِ لمدّة سنةٍ إلى سنتين.
تحسين التركيز
بالنّسبة لرجلِ الأعمالِ المشغولِ، يُمكن حتّى للمشي القصيرِ مع زميلٍ أن يكونَ له تأثيرٌ كبيرٌ، إذ أظهرتِ الأبحاثُ أنّ التّمارينَ الخفيفةَ، مثل المشي في منتصف اليوم، تُحفّزُ اتّصالاتٍ جديدةً بين خلايا الدّماغٍ، وتُعزّزُ نموّ الخلايا العصبيّة، ممّا يزيدُ من قوّة الدّماغ بشكلٍ عامٍّ.
في دراسةٍ طويلةِ الأمدِ نُشرت في مجلة "Neurology"، حافظ المشاركون الّذين مشوا أكثرَ كلّ أسبوعٍ على كميّةٍ أكبر من المادةِ الرّماديّةِ، الّتي تدعمُ الوظائف الإدراكيّة، مقارنًة بأولئكَ الّذين كانوا أقلّ نشاطاً.
وأظهرت أبحاثٌ من جامعة إلينوي (University of Illinois)، نُشرت في مجلة "Cognition"، أنّ أخذَ فتراتِ راحةٍ قصيرةٍ، مثل المشي، يُمكن أن يُساعدَ بشكلٍ كبيرٍ في تحسينٍ التّركيزِ خلال جلسات العمل المُكثّفةِ. وهذه الفتراتُ مهمّةٌ لمنعِ الدّماغ من التّعودِ على المهامّ والحفاظِ على الإنتاجيّة والوضوحِ العقليّ.
تقليل التوتر
ربّما يكون أحد أكثر الفوائد ترحيباً للمشي هو تأثيرهُ في تقليلِ التّوترِ، إذ أظهرت دراسةٌ نُشرت في مجلة "Environment and Behavior" أنّ المشي في الطّبيعةِ يُؤثّرُ بشكلٍ إيجابيٍّ على المزاجِ والتّوتر بين طلّابِ الجامعاتِ.
قسّمَ الباحثون المشاركين إلى ثلاثِ مجموعاتٍ: المشي في الطّبيعة، مشاهدة الطّبيعة على التّلفاز، أو المشي على جهاز الجري داخلَ الصّالةِ الرّياضيّة، فتبيّن أنّ المشي في الطّبيعة يُخفّضُ مستويات التّوتر، ويُقلّلُ من مستوياتِ الكورتيزول -هرمون التّوتر الرّئيسيّ في الجسمِ- أكثر من الأنشطةِ الأُخرى. بالإضافةِ إلى ذلك، عزّزَ المزاج بشكلٍ أفضل من مجرّد مشاهدةِ مشاهدِ الطّبيعة~.
كيفية الاستفادة القصوى من المشي
تكمنُ جماليّةُ المشي كمُعزّزٍ معرفيٍّ في بساطتهِ وسهولةِ الوصولِ إليه، إذ يُمكنُ لمعظمِ النّاس القيام به في أيّ مكانٍ تقريباً، وإليك بعضُ النّصائح لتعظيمِ فوائدِ المشي على الدّماغِ:
- جدولة وقت للمشي: عامل المشي كموعدٍ مهمٍّ، خصّص وقتاً في جدولكَ اليوميّ، سواء كان نزهةً صباحيّةً، أو مشياً خلال استراحةِ الغداءِ، أو تجوّلاً في المساءِ.
- الحفاظ على الاستمراريّةِ: حاول دمج 30 دقيقةً على الأقلّ من المشي السّريع في روتينكَ اليوميّ، ويُمكن تقسيمها إلى جلساتٍ أقصر خلال اليومِ إذا لزم الأمر.
- تنويع البيئة: التّبديل بين البيئات الحضريّة والطّبيعيّة يُمكن أن يُوفّر محفّزاتٍ مختلفةً للدّماغِ، ممّا يُعزّزُ المرونةَ المعرفيّةَ.
- المشي الواعي: اجعل نزهتكَ واعيةً، أي انتبهِ إلى محيطكَ، واشعر بقدميكَ عند ملامسةِ الأرضِ.
- المشي الاجتماعيّ: المشي مع صديقٍ أو الانضمام إلى مجموعة مشيٍ، يُمكن أن يُضيفَ بُعداً اجتماعيّاً، والّذي له فوائدهُ المعرفيّة الخاصّة.
- اجتماعات المشي: إذا كان لديك اجتماعٌ، اقترح أن يكونَ اجتماعاً أثناء المشي، ممّا قد يجعلُ المناقشاتِ أكثر حيويّةً ويُعزّز الإبداعِ.
الخلاصة
بينما نواصلُ البحثَ عن طرقٍ لتعزيزِ قدراتنا العقليّةِ وإدارةِ التّوتر في العملِ، من المُطمئن معرفةُ أنّ أحد أقوى الأدواتِ المُتاحةِ لنا هو أيضاً من أبسطها. في المرّةِ القادمةِ الّتي تشعرُ فيها بالتّوترِ، أو تكافحُ من أجلِ التّركيزِ، أو تأملُ في تعزيزِ ذاكرتكَ، فكّر في أخذِ نزهةٍ، فقد تكونُ هذه الخطوةُ البسيطةُ هي أذكى قرارٍ تتّخذهُ طوال اليوم.