شركات الأشخاص: جوهر التعاون وأساس النجاح في عالم الأعمال

ما يجعلُ شراكة الأشخاص مهمَّةً بالفعل، هو أنَّها تتيح للشُّركاء الاستفادة من خبرات بعضهم البعض ومن معارفهم ومهاراتهم، كما تساعدُ على سدِّ الفجوات الموجودة في العمليَّات الفرديَّة، وأيّاً يكن نوعها، فإنَّ الشَّراكة أمرٌ بالغ الأهمّيَّة لنموّ أيّ مشروعٍ تجاريٍّ، وهو المبدأ الذي استفاد منه التُّجَّار على مرِّ الزَّمن.

لضمان نجاح فكرة شركة الأشخاص، يجب تحديد الشُّروط الأساسيَّة للعمل منذ البداية، ومهما كان الرَّابط الاجتماعيُّ أو العائليُّ الذي قد يجمعُ بين الشُّركاء، يجبُ عدم التَّخلّي عن وجود عقدٍ مكتوبٍ واضحِ المعالم والتَّفاصيل، وتلك النَّصيحة التي لا تُقدَّر بثمنٍ لكلِّ الرَّاغبين بخوض شراكةٍ من نوعٍ ما مع أيٍّ من أصدقائهم أو أقربائهم.

تعريف شركات الأشخاص

شركةُ الأشخاص هي اتفاقٌ رسميٌّ بين طرفين أو عدَّة أطرافٍ، لإدارة وتشغيل الأعمال التّجاريَّة، ضمن شروطٍ واضحةٍ تتضمَّن تقاسم الأرباح والخسائر بالتَّساوي، وفي بعض الأحيان يكون لبعض الشُّركاء مسؤوليَّة محدودة، وأيضاً هناك ما يدعى بالشَّريك الصَّامت، الذي لا يشارك في العمليَّات اليوميَّة للشَّركة.

بالعموم شركة الأشخاص هي واحدةٌ من الشَّركات التي تلعبُ فيها العلاقات الشَّخصيَّة بين الشُّركاء دوراً بارزاً، لكونها تعتمدُ بشكلٍ كبيرٍ على شخصيَّاتهم وقدراتهم الفرديَّة. ^[1]  

أنواع شركات الأشخاص

لا يُمكن تخيُّل العالم بدون وجود أحد أنواع شركات الأشخاص، التي تشملُ: التَّضامن، والتَّوصية البسيطة والمحاصة، فشركاتُ الأشخاص برزت مع تطوُّر البشريَّة كحاجةٍ ملحَّةٍ للتُّجَّار التي تُلبِّي لهم احتياجاتٍ مؤقَّتةً أو دائمةً. ^[2]  

شركة التضامن

شركة التَّضامن أسهل وأرخص أنواع شركات الأشخاص التي قد يتمُّ تشكيلها، ويمتلكها شريكان رئيسيَّان أو أكثر، يتقاسمان المسؤوليَّات القانونيَّة عن جميع الدُّيون والالتزامات، حيث يديران الأعمال ويسيطران عليها بشكلٍ مشتركٍ.

كما أنَّ شركة التَّضامن يُمكن أن تبدأَ على الفور بمجرَّد اتّخاذ الشُّركاء قرارهما القيام بالأعمال التّجارية معاً، حتَّى بدون وجود عقدٍ مكتوبٍ، وهذا ما يُمكن أن يؤدِّي إلى مشاكل كبيرةٍ قد تحدثُ بحال وقوع نزاعاتٍ بين الشُّركاء، لم يستطيعوا حلَّها ودّيّاً.

حلُّ هذا النَّوع من الشَّراكة سهلٌ جدّاً، على سبيل المثال بحال قرَّر أحد من الشُّركاء المغادرة، أو أعلن إفلاسه أو حتَّى توفِّي، فإنَّ حلَّ الشَّراكة يكون مختلفاً تبعاً لقوانين البلد الذي تسجِّل به الشَّركة، وغالباً ما يتمُّ اللُّجوء إلى القضاء؛ ليتمَّ تقديم بدائل للشُّركاء المتبقِّين الذين يريدون مواصلة العمل.

كما قلنا سابقاً، تختلف القوانينُ النَّاظمة لشركة التَّضامن باختلاف البلد الذي تقع فيه الشَّركة، لكن بالعموم تتطلَّب تسجيلاً تجاريّاً، والإبلاغ بانتظامٍ عن الدَّخل ودفع الضَّرائب.

ويُعدُّ هذا النَّوع أبسط أنواع شركات الأشخاص، ويأخذ الشُّركاء الأرباح بناءً على رأس المال الذي وضعوه بالشَّركة، أمّا في حالة الخسارة، فإنَّهم يدفعون الدُّيون من أموالهم الخاصَّة.

شركة التوصية البسيطة

شركة التَّوصية البسيطة هي نوعٌ من أنواع شركات الأشخاص التي تَحدُّ من المسؤوليَّة القانونيَّة عن الدُّيون والالتزامات لبعض الشُّركاء، حيث يكون هناك شريكٌ محدودٌ واحدٌ على الأقلّ مساهمٌ بالمال والأصول.

توفِّر شركة التَّوصية البسيطة للمساهمين طريقة استثمارٍ جيِّدةٍ دون تحمُّل المسؤوليَّات القانونيَّة، وغالباً ما تُعدُّ كياناً قانونيّاً منفصلاً يمتلك القدرة على إبرام العقود وتحمُّل الالتزامات. والشَّريك الذي يتمتَّع بمسؤوليَّةٍ قانونيَّةٍ غير محدودةٍ في شركة التَّوصية البسيطة، يكون مسؤولاً عن إدارة الأعمال والتّحكُّم بها.

عند بدء هذا النَّوع من الشَّركات أو عند حلّه، يجب التَّسجيل لدى السُّلطات المحلّيَّة وتقديم تقريرٍ لها، وغالباً ما يكون أكثر كلفةً وتعقيداً من تشكيل أو حلّ شركة التَّضامن. وعند إنشاء شركة التَّوصية البسيطة، يجب تسجيل اسمها وتفاصيل الشُّركاء العاملين فيها لدى السُّلطات المحلّيَّة، وعند حلِّها يُقدِّم الشُّركاء مستنداً يسمَّى بيان الحل أو بيان الإلغاء.

وبخلاف النَّوع السَّابق الذي لا يقتضي كتابة عقدٍ عند إنشاء الشَّركة، فإنَّ التَّوصية البسيطة تتطلَّب وجود عقدٍ مكتوبٍ يُغطِّي حقوق الشُّركاء ومسؤوليَّاتهم مع حماية مساهمات الشَّريك المحدود إن وجد. وفي بعض المناطق، يُطلب إلى الشُّركاء المحدودين تقديم تقارير معلومات بشكلٍ منتظمٍ إلى السُّلطات المحلِّيَّة، بينما لا تُلزم الأخيرة الشُّركاء بعقد اجتماعٍ عامٍّ سنويّاً ما لم ينصَّ ذلك بشكلٍ واضحٍ في اتّفاقيَّة الشَّراكة.

الشَّركة وشركاؤها مسؤولان عن الإبلاغ بشكلٍ منتظمٍ عن دخل الشَّركة ودفع الضَّرائب التي تدفع من قبل الشُّركاء وليس من خلال الشَّركة.

شركة المحاصة

شركة المحاصة ليست شركةً بالمعنى الحرفيّ، ويمكن القول إنَّها عبارةٌ عن إجراءٍ سرّيٍّ مؤقَّتٍ لا يعلم بها سوى الشُّركاء الذين يُقرّرون القيام بشراكةٍ تجاريَّةٍ لفترةٍ من الزَّمن، ويحتاجون لهيكلٍ ما يساعدهم على تنظيم الإنفاق وتقاسم الإيرادات فيما بينهم.

وفي هذا النَّوع لا يرهن الشُّركاء أملاكهم الشَّخصيَّة لتسديد الدُّيون بحال خسارة الشَّركة، كما أنَّ شركة المحاصة لا يتمُّ تسجيلها قانونيّاً، إذ إنَّ الغرض منها مؤقَّتٌ، كأن تُبرَمَ لغرض استيراد بضاعةٍ ما، ثمَّ تُحلَّ بعد وصول البضاعة.

شاهد أيضاً: 3 نصائح لمساعدة الشركات على الابتكار المفيد

خصائص شركات الأشخاص

تبدو خصائص شركات الأشخاص متشابهةً تقريباً لكلِّ الأنواع، وتشمل: ^[3]  

• الاتّفاق: الشُّركاء الذين يتَّفقون على بدء شركة أشخاصٍ، يتعيَّن عليهم إبرام عقدٍ رسميٍّ، وغالباً ما يتمُّ كتابة هذه الاتّفاقيَّة وفقاً لقوانين البلد الموجودة فيه، هذه الخاصّيَّة قد لا تشمل نوع شركة التَّضامن.
• عدد الشُّركاء: لا يوجد عددُ شركاءٍ معيَّنٍ لأيّ نوعٍ من الأنواع الثّلاثة غالباً، لكن في بعض البلدان قد يخضع الأمر لقوانين مختلفةٍ تُحدِّد عدد الشُّركاء، كما في الهند التي لا يسمح القانون فيها بأكثر من 10 شركاء في شركات الأشخاص المصرفيَّة، ويرتفع إلى 20 شخصاً بالنّسبة لباقي القطاعات الأخرى.
• حصَّة الرّبح: من خصائص شركات الأشخاص، أنَّ الشُّركاء يتقاسمون الأرباح فيما بينهم وفقاً للنّسب المتَّفق عليها عادةً، وفي حال لم يتمّ ذكر بندٍ متعلّقٍ بهذا الأمر في الاتّفاقية، فإنَّ الأرباح توزَّع بالتَّساوي.
• الالتزامات: يخضع جميع الشُّركاء للالتزامات، بمعنى أنَّهم جميعاً مسؤولون بشكلٍ جماعيٍّ عن استرداد ديونِ الشَّركة، حتّى إن اضطرُّوا للدَّفع من أموالهم الشَّخصيَّة، باستثناء الشُّركاء في نوع شركة المحاصة.
• عدم القدرة على نقل المصلحة: لا تُوجد أيَّةُ وسيلةٍ تتيح لأحد الشُّركاء نقل مصلحته إلى شركاتٍ أخرى، وغالباً ما توجد قيودٌ صارمةٌ على إدراج الشُّركاء وانسحابهم، وحتَّى التَّغيير الطَّفيف في ملكيَّة الشَّركة يجب أن يتمَّ بموافقة جميع الشُّركاء الآخرين في الشَّركة.

الخصائص الذي يتمتَّع بها هذا النَّوع من الشَّركات، تجعل منه فريداً في عالم الأعمال، ومن الممكن أنَّه لا يقارن بالتَّوجُّه العام نحو ريادة الأعمال، إلَّا أنَّ شركة الأشخاص تعدُّ ذات مكانةٍ بارزةٍ لدى العديد من الاقتصاديِّين، وعلى رأسهم التُّجَّار.

مميزات وعيوب شركات الأشخاص

في حال الموازنة بين مميِّزات وعيوب شركات الأشخاص، ترجحُ الكفَّة لصالح المميّزات غالباً، ففوائدها أكبر بكثيرٍ من عيوبها ويمكن تجاوز الأخيرة، في حال تمَّ إبرام عقدٍ موثَّقٍ وواضحٍ.

تشمل مميّزات شركات الأشخاص: ^[3]

• سهولة البدء: حيث يكفي وجود اتفاقيَّةٍ شفهيَّةٍ أو مكتوبةٍ لبدء شركة الأشخاص.
• المرونة: هناك مجالٌ كبيرٌ لإجراء التَّغييرات في مختلف العمليَّات والاستراتيجيَّات التّجاريَّة بحال كانت ضروريَّةً للنُّموّ.
• موارد ماليَّةٍ كبيرةٍ: على اعتبار أنَّ شركة الأشخاص تشمل مساهمةً ماليّةً من كلّ الشُّركاء، فإنَّ هذا يعني المزيد من الأموال.
• المخاطرة بالتَّساوي: حيث يتمُّ تقسيم جميع الإيرادات والخسائر أيضاً بين الشُّركاء، ما يعني تضييق مخاطر خسارة الأموال أو التَّخلُّف عن السَّداد.
• المهارات المشتركة: فشركة الأشخاص تجمع شركاءً بمهاراتٍ فريدةٍ يمتلكون خبرةً واسعةً في مجال تخصُّصهم.

شاهد أيضاً: 9 طرق فعّالة لتعزيز مهارات الكتابة بالذكاء الاصطناعي

أما عيوبها، فيبدو أنَّها ناتجةٌ بالدَّرجة الأولى من عدم وجود قواعد صارمةٍ تلزم الشُّركاء بوجودٍ عقدٍ مكتوبٍ كما في حالة شركة التَّضامن، وبالعُموم من عيوبِ شركة الأشخاص: ^[3]

• يمكن أن يؤدِّي الخلاف بين الشُّركاء حول الأفكار والقرارات، إلى إضاعة فرصِ النُّمو والرِّبح.
• ربَّما تكون رؤية الشَّركة من حقِّ المؤسِّس فقط، ومع ذلك لا يلتزم الشَّريك نفس الرُّؤية.
• الخروج من الشَّركة بعد سحب الأرباح التي يتمُّ الحصول عليها.
• عدم وجود تعاونٍ كافٍ بين الشُّركاء في معظم الأحيان.

كأيّ نوعٍ آخر من الشَّراكات، يعتمدُ تجاوز العيوب على مدى مرونة الشُّركاء وتفضيلهم مصلحة العمل فوق أيّ اعتباراتٍ شخصيَّةٍ قد تحدث.

قانون شركات الأشخاص

يختلفُ قانون شركات الأشخاص من بلدٍ إلى آخر، ربَّما لا تشملُ الاختلافات الجوهر، بقدر ما تمَّ وضعها لتكون ملائمةً للبيئات الاستثماريَّة والمجتمع في البلدان.

على سبيل المثال، في المملكة المتَّحدة، يُمكن تشكيل شركة أشخاصٍ حين يجتمعُ شخصان أو أكثر معاً في العمل بهدف تقاسم الأرباح، ونظراً للطَّبيعة غير الرَّسميَّة أحياناً لتلك الشَّركات ربَّما لا يُوجَدُ دائماً اتّفاقٌ مكتوبٌ، ما قد يصبح مشكلةً حقيقيَّةً عند نشوب خلافاتٍ بين الشُّركاء، وحين يحدثُ هذا، سيتمُّ تطبيق قانون الشَّراكة الذي تترتَّبُ عليه عواقب معيَّنة غير متوقَّعةٍ. ^[4]  

كيف يتمُّ تصفية شركات الأشخاص؟

يتمُّ تصفية شركات الأشخاص للعديد من الأسباب، كالخسائر المتتاليّة أو المشاكل المستمرَّة وغيرها، وغالباً تتضمَّن خطوات حلّ الشَّراكة الأمور التَّالية: ^[5]  

• مراجعة اتّفاقية التَّأسيس مع الشُّركاء، والاحتكام إليها لحلّ أيّ خلافٍ مفترضٍ.
• تهيئة الشُّركاء والجلوس معهم لمناقشة وضع العمل الحاليّ وأسباب حلِّ الشَّركة.
• تحضير وثيقة التَّصفية بالاعتماد على محامٍ مُتخصِّصٍ لضمان حقوق الجميع.
• إغلاق كافَّة الحسابات المشتركة وتسوية الشُّؤون الماليَّة وتسديد الدُّيون بحال وجدت.
• إبلاغ قرار التَّصفية لكلِّ العملاء والموردين وزبائن الشَّركة.
• لا يمكن الحديث عن قوانين حلّ وتصفية شركة الأشخاص لكونها تختلفُ من بلدٍ لآخر، وبالعموم فهي تشبه فضَّ كلّ أنواع الشَّركات الأخرى، بحيث يتمُّ حفظ حقوق الشُّركاء والعملاء والموظَّفين بالدَّرجة الممكنة.

ومن المُهمّ جدّاً الأخذ بعين الاعتبار عدَّة نواحٍ، كأن تكون متحضّراً بينما تنهي شراكةً مع أشخاصٍ عملت معهم لفترةٍ طويلةٍ، ومحاولة الخروج من الشَّراكة دون إثارة الغبن أو الغضب؛ لتستطيع تأسيس عملك الجديد وأنت خالٍ من أيّ تبعاتٍ سلبيَّةٍ.

الفرق بين شركات الأموال وشركات الأشخاص

الفرق بين شركات الأموال وشركات الأشخاص يشمل العديد من البنود الأساسيَّة، فكلا النَّوعين مختلفٌ تماماً، ويُمكن تلخيص الفوارق بما يلي: ^[6] 

• تركِّز شركات الأشخاص على الاعتبارات الشَّخصيَّة للشُّركاء، في حين تعتمدُ شركات الأموال على شخصيَّةٍ رئيسيَّةٍ واحدةٍ.
• يرتفعُ منسوب المخاطرة برأس المال في شركات الأشخاص وينخفض جداً لدى شركات الأموال.
• ​بينما يوصف إنشاء شركة أشخاصٍ بالسَّهل وغير المعقَّد، لا يبدو الأمر كذلك بالنّسبة لشركة الأموال التي يُكلِّف إنشاؤها تكاليفَ أكبرَ وعقداً معقَّداً.
• لا تسمح شركة الأموال للشُّركاء بالإدارة التَّامَّة أو التَّأثير بالقرارات، بخلاف شركة الأشخاص.
• ​تزدادُ ثقة العملاء بشركات الأشخاص وتنخفضُ بشركات الأموال.

مهما كان النَّوع الذي اخترته للدُّخول في شراكة تجاريَّة مع أحد الأشخاص أو مجموعةٍ منهم، حاول أن تجعلَ من هذه التِّجربة فرصةً للتّعلُّم؛ لتكون جاهزاً بالكامل حين تبدأ مشروعكَ أو شركتكَ الخاصَّة.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال

انضم الآن