طلب زيادة الراتب: كيف تحمي حقوقكَ الماليّة؟

لا شكَّ أنَّ طلب زيادة الراتب من أكثر الأمورِ المُحرجة والمُزعجة الَّتي يتعرَّض لها الموظَّفون على مستوى العالم، بل إنَّ بعضهم وخصوصاً من النِّساء يُمكن أن يقضي كلَّ حياته المهنيَّة، دون أن يطلبَ زيادةً نتيجة الخجل، أو بسبب عدم العثور على فرصةٍ مناسبةٍ لطرح الأمر، أو يخافون من المبالغة في تقدير قيمتهم الذَّاتيَّة، وبالتَّالي ينتظرون دائماً أن تأتي مبادرةُ الزّيادة من صاحب العمل نفسهِ.

ولكن في الواقع، فإنَّ طلبَ الزيادة في الراتب الشَّهريّ من الأمور الطبيعيَّة للغاية، ومن متطلَّبات الوظيفة أيضاً، ولكن كيف تُقدِّم طلبكَ باحترافيَّةٍ، دون أن تبدو جشعاً أو أنانيّاً وأيضاً، دون أن تبخسَ نفسكَ حقها، وتفرِّط في زيادةٍ مستحقَّةٍ؟ وكيف ينتهي بك الأمر إلى زيادةٍ مؤكَّدةٍ في دخلكَ؟ كلُّ هذا وأكثر سوف نتعرَّض له في الأسطر المُقبلة.

طريقة طلب زيادة راتب باحترافية

تسبَّبت جائحة كوفيد-19 وما تلاها من حروبٍ في اضطراباتٍ هائلةٍ في النُّظم الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة على مستوى العالم، ونتيجةً لذلك فإنَّ الزِّيادات في الأجور والرَّواتب لم تتزامن مع ارتفاع تكاليف العيش، ومع دخول الذكاء الاصطناعي في الصُّورة وارتفاع معدَّل تسريح العمَّال، فإنَّ الباقين في أماكنهم قد لا يجرؤون في التَّفكير في طرح موضوع أيّ زيادةٍ. ولكنَّ الحصول على عمالةٍ ماهرةٍ في جميع المجالات أصبح من التَّحديَّات أيضاً أمام أصحاب العمل، فإذا كُنتَ تشعر بالحاجة للتَّحدُّث في أمر الرَّاتب، عليكَ اتّباع الإرشادات التَّالية:

اختر الوقت المناسب للسّؤال بعنايةٍ

ليس من غير المألوف أن ترغبَ في زيادة الراتب خصوصاً إذا كانت الرَّواتب في الصِّناعة عموماً مرتفعةً عمَّا تحصل عليه في الشَّركة بالفعل، ولكن هناك توقيتاتٌ أفضل من غيرها حاول تحرِّيها مثل:

• الوضع الماليُّ للشَّركة: اختر الوقت الَّذي حقَّقت به الشَّركة أرباح، وابتعد تماماً عن أوقات خفض الإنفاق أو تسريح العمالة، فإذا كانت التَّقارير الماليَّة للشَّركة جيدةٌ يمكنك التَّشجع لطلب زيادة الراتب.
• حالة المدير أو صاحب الشَّركة: حاول اختيار الأوقات الَّتي لا تتسم بالكثير من ضغوط العمل على المدير، مثل إنهاء السَّنة الماليَّة أو الجرد أو خطّ إنتاجٍ جديدٍ أو غيرها من مهامٍ تستنفذُ طاقته في الأساس، فلا يكون لديه أيُّ جهدٍ لمناقشة هذه الأمور.
• أداؤك خلال الأشهر الماضية: إذا التزمت بتأدية جميع مهامكَ المطلوبة، وكانت المراجعة الرُّبع السَّنويَّة في صالحك تماماً دون انتقاداتٍ، فمن حقِّكَ التَّلميح إلى الحاجة لمكافأةٍ أو زيادة الراتب، وهو الأمر الَّذي سوف يكون متوقَّعاً بشدَّةٍ.

تعرَّف على نظام زيادات الراتب في الشَّركة عموماً، فهناك شركاتٌ تتبَّع نظام الزّيادة السَّنويَّة في وقتٍ محدَّدٍ كلَّ عامٍ، فحاول السُّؤال عن هذا الموعد بعد عملك في الشَّركة بفترةٍ كافيةٍ، سواءً كان في الذّكرى السَّنويَّة لتأسيس الشَّركة أو عند حساب الأرباح أو غيرها من أوقات مع التَّعرُّف على الزِّيادة الَّتي تكون متوقَّعةً عادةً، أو هل هناك نظام لزيادات الراتب في الأساس أم أنَّ الأمرَ يعتمد أكثر على مكافآتٍ واختلافاتٍ فرديَّةٍ.

تحديد المبلغ الذي ترغب في زيادته

كلُّ وظيفةٍ لها قيمةٌ سوقيَّةٌ، ولكن يجبُ أن تضعَ في اعتباركَ عندما تطلبُ تعديل الرَّاتب مستوى خبرتكَ، والمكافآت الأُخرى الَّتي تحصل عليها، ومدى الانتظام أيضاً في دفع الرَّواتب وغيرها من اعتباراتٍ، فلا تقارن فقط نفسكَ بشركاتٍ أُخرى قد تدفع رواتب شديدة الارتفاع، لكنَّها غير مستقرَّةٍ أو لديها معدَّل دوران موظَّفين مرتفعٌ أو غيرها من سلبيَّاتٍ، فلا تستفيد فعليّاً من تلك المقارنة.

تحديد موعد للاجتماع مع المدير

فلا يجبُ على الإطلاق أن تذهبَ إليه فجأةً لتطلب منه زيادة الراتب، بل يجب الاستئذان في تحديد موعدٍ للاجتماع به سواءً شخصيّاً أو عبر مكالمة فيديو إذا كان العمل عن بعد، كما يجبُ أن يكونَ الأمر شخصيّاً تماماً بينك وبينه، وليس في اجتماعٍ عامٍ للموظَّفين فتطرحُ الموضوع لمحاولة جسِّ النَّبض أو التَّخلُّص من إحراج المواجهة الفرديَّة.

ويمكن تخطِّي تحديد موعدٍ للاجتماع في حالةٍ كان لديك اجتماعٌ بالفعل مع المدير لمراجعة الأداء العامّ، وهنا يجبُ أن تنتظرَ نتيجة الأداء لتُعبِّر عن رغبتكَ في الزِّيادة في حالة لم يطرحها بنفسه.

الاستعداد الجيّد للاجتماع

يجبُ أن تُحضِّر العبارات والكلمات الَّتي ستناقشُ بها مع مديركَ، سواء عرض إنجازاتكَ أو سنوات خبرتكَ أو الإسهامات الَّتي قدَّمتها للشَّركة وغيرها، مع العلم أنّ مشاعرَ الخوف والقلق في هذا الموقف طبيعيَّةٌ للغاية، وقد تنسى معها ما ترغبُ في مناقشته؛ لذا اكتب ما تقولهُ وراجعهُ أكثر من مرَّةٍ مع التَّدريب لعدَّة أيَّامٍ، حتَّى يختفي التَّوتُّر تماماً، وابدأ بالطَّبع بشكر المدير على ملاحظاته وتقييماته ومساعدته للجميع وادخل في الموضوع مباشرةً، قائلاً: "أرغب في مناقشة وضع راتبي" دون تلميحاتٍ أو تسويفاتٍ دفعاً للملل وإهدار وقتكَ ووقته، مع تجنُّب الكلمات الَّتي تدلُّ على عدم اليقين أو انعدام الثِّقة في نفسكَ مثل "أشعر أنَّ من حقِّي زيادةً في الرّاتب" أو "قد يكون من المناسب زيادة الراتب بمقدار كذا" أو تكرار كلمة "فقط" كثيراً أو تكرار الكلمات نفسها عموماً كثيراً، فإذا لم تكن أنت نفسكَ مقتنعاً بأحقيِّتكَ في زيادة الرَّاتب، فقد يصلُ هذا الشُّعور للمدير، ويكون أيضاً غير متأكّدٍ من أحقيَّتكَ.

استعدّ لأسئلة المدير

توقَّع مناقشةً من المدير بشأن إنجازاتكَ السَّابقة أو تفاصيل عمليَّاتك الأخيرة أو أيضاً أيُّ مشكلاتٍ شخصيَّةٍ تكون وقعت لكَ في الفترة الأخيرة أو خلال وجودكَ في العمل، كما استعدّ للسُّؤال عن سبب الرَّغبة في زيادة الرَّاتب، فهل هي لأمورٍ شخصيَّةٍ لديكَ أو نتيجة استحقاقٍ فعليٍّ أو بسبب التَّضخُّم أو نتيجة المقارنة مع شركاتٍ أُخرى في المستوى نفسه، فهذا كلُّه يُوضِّح وجهة نظركَ في المكان الَّذي تعملُ به ومدى رضائكَ عن التَّواجد.

اشكر مديركَ

بصرف النَّظر عن الطَّريقة الَّتي سارت بها مناقشة زيادة الرَّاتب، يجبُ أن تُقدِّم الشُّكر لمديركَ على وقته، مع إمكانيَّة إرسال رسالةٍ على البريد الإلكتروني تُلخِّص بها أسباب رغبتكَ في الزِّيادة، مع إمكانيَّة طرح الموضوع مرَّةً ثانيةً بعد عدَّة أشهرٍ في حالة الرَّفض أو التَّأجيل دون تحديد موعدٍ مُحدَّد لزيادة الرَّاتب.

شاهد أيضاً: السعادة قبل الراتب: استراتيجيات لتحقيق أعلى إنتاجية ممكنة

أمور يجب وضعها في الاعتبار عند طلب زيادة في الأجر

إذا قرَّرت اتِّباع الخطوات السَّابقة في خطاب زيادة راتبٍ، فهناك مجموعةٌ من الاعتبارات الَّتي يجب وضعها في الاعتبار قبل التَّحدُّث، ومنها:

• التَّضخُّم الاقتصاديُّ: فهل نسبة التَّضخُّم في موقعكَ ثابتةٌ أم ترتفع بسرعةٍ كبيرةٍ، ففي حالة تسارع التَّضخُّم يكون من المتوقَّع طلب زيادة الراتب، ولكن أيضاً مع وضع الموقف الماليّ للشَّركة في الاعتبار.
• التَّعويضات الأُخرى: الرَّاتب ليس الأمر الوحيد الجيِّد في الوظيفة، فهل لديك تأمينٌ صحيٌّ أو اجتماعيٌّ أو عطلاتٌ كثيرةٌ أو ساعات عملٍ مرنةٌ أو غيرها من مميزاتٍ، يُمكن أن تعوِّض الزِّيادة الكبيرة في الرَّاتب.
• البدائل المتاحة أمامك: هل زيادة الرَّاتب هي الطَّريقة الوحيدة أمامكَ للحصول على دخلٍ إضافيٍّ؟ أم لديك خياراتٌ أُخرى مثل العمل في وظيفةٍ بديلةٍ أو إضافيَّةٍ.
• حالة سوق العمل عموماً: هل يكثرُ الطَّلب على المهارات والخبرات الَّتي تملكها أم أنَّ هناك مهاراتٌ أُخرى عليك اكتسابها لتستحقَّ زيادة الرَّاتب؟

ماذا تفعل إذا رفض صاحب العمل تعديل الراتب؟

يجبُ أن تتوقَّعَ تماماً أنّه ليس بمجرَّد أن تطلبَ زيادة الراتب سيستجيب لك صاحب العمل، فقد يرفضُ الأمر تماماً، أو يؤجِّله مع منحكَ موعداً مُحدّداً، أو يلجأ للتَّسويف أو قد يرفع الرّاتب بنسبةٍ ضئيلةٍ للغاية لا تتلاءم مع مطالبكَ، وفي هذه الأحوال يجبُ عليكَ اتِّباع الآتي:

البحث عن الطريقة الأكثر دبلوماسيّةً للردّ

يجبُ تقديم الشُّكر للمدير على وقته مع التَّأكيد على الالتزام بتقديم أفضل ما لديكَ، مع التَّعبير عن خيبة أملكَ بالطَّبع، ولكن لا تترك مهامكَ، ولا تتكاسل في عملكَ، إذ يجبُ أن تلتزمَ بالاحترافيَّة الكاملة طوال مدَّة بقائكَ في العمل، فهذا يُظهر الشَّفافيَّة الَّتي تتمتَّع بها مع مقدارٍ كبيرٍ من المرونة يُمكنُ أخذه بالاعتبار في وقتٍ قريبٍ عندما تكون هناك مناسبةٌ لزيادة الراتب.

اسأل أكثر عن سبب الرّفض

عندما يرفض مديرك زيادة الراتب، حاول ألَّا تأخذَ الأمر على محملٍ شخصيٍّ دائماً، فاسأل أكثر عن سبب هذا الرَّفض وهل لأنَّه يتعلَّق بميزانيَّة الشَّركة أم بأدائكَ نفسه، مع السُّؤال عن كيفيَّة المساعدة أكثر في تحقيق الأرباح أو مواطن النَّقص، أو محاولة تقديم حلولٍ.

اقترح بدائل للتّعويض

إذا لم تكن هناك أيُّ فرصةٍ حاليَّةٍ لزيادة أرباح الشَّركة، سواءً لظروفٍ سوقيَّةٍ أو خارجيَّةٍ أو غيرها، يُمكنك اقتراح بدائل أُخرى للتَّعويض مثل خفض ساعات العمل؛ لتتمكَّن من الحصول على وظيفةٍ إضافيَّةٍ أو ساعات عملٍ مرنةٍ أو وقت إجازةٍ إضافيٍّ أو تغيير المسمَّى الوظيفيّ أو أيضاً العمل لساعاتٍ إضافيَّةٍ في المكان نفسه إذا كان الأمر متاحاً، فهذا كلُّه يزيد من دخلك وهو الهدف الأساسيُّ عموماً لطلب زيادة الراتب.

اسأل عن الطّرق التي تُؤهّلك لزيادة الراتب في المستقبل

إذا لم تكن أيٌّ من البدائل السَّابقة متاحةً، فيمكنك سؤال رئيسكَ في العمل عمَّا يتطلَّبه الأمر لتستحقَّ هذه الزِّيادة في المستقبل، وحاول الابتعاد بقدر الإمكان عن ذكر نفقاتكَ الشَّخصيَّة، فهو ليس مسؤولاً عن كثرة نفقاتكَ، ولكن يجب أن تكون المحادثة احترافيَّةً بناءً على القيمة السُّوقيَّة للوظيفة نفسها والمهارات الَّتي تتطلَّبها الوظيفة، وتحتاج إلى تطويرها سواءً كانت مهاراتٍ ناعمةً تتعلَّق بالتَّواصل والابتكار وأخذ زمام المبادرة، أو مهاراتٍ صلبةً تتعلَّق بالوظيفة نفسها وخصائصها وامتلاك المهارات العلميَّة لتنفيذها بدقَّةٍ.

انتهز الفرصة لاقتراح أدواتٍ للتّطوير

حاول مواصلةَ محادثةٍ بنَّاءةٍ مع مديركَ واقترح فيها إجراءاتٍ جديدةً لزيادة الأرباح والإنتاجيَّة في الشَّركة، سواءً على مستوى القسم الَّذي تعملُ به أو الأقسام الأُخرى، وإذا كان هناك تدرُّجٌ وظيفيٌّ، فحاول الوصول إلى المنصب الأعلى للتَّأكُّد من أنَّ اقتراحاتك يُنظر لها بطريقةٍ إيجابيَّةٍ مع اهتمامٍ بالتَّطوير للصَّالح العام، ووضع أهدافٍ واقعيَّةٍ محدَّدةٍ يُمكنك تحقيقها مع زملائك، فهذا يُظهر قيمتك للمؤسَّسة، ويُؤخذ في الاعتبار في المرَّات المقبلة الَّتي تطلبُ بها زيادة الرَّاتب.

لا تُهدّد بترك مكان العمل دون وجود فرصةٍ حقيقيّةٍ لك

إذا وجدت أنَّ الرَّاتب مجحفٌ بالفعل مقارنةً برواتب أقرانكَ في المجال نفسه ومع مقدار الخبرة ذاتها، يُمكنك التَّقديم في تلك الشَّركات، ولكن لا تُهدِّد مطلقاً بترك العمل دون وجود فرصةٍ حقيقيَّةٍ لك، فهذا يأتي بنتائج عكسيَّةٍ تماماً، وقد يجعلك تخسر مصدر دخلكَ عموماً؛ لذا التزم بمهامكَ على الوجه الأكمل، ولكن ابحث عن مصادر بديلةٍ.

شاهد أيضاً: هل يجب إخبار المرشحين أن الشركة لا تعطي زيادة على الرواتب؟

وفي الختام، فإنَّ الكثيرين يتراجعون عن طلب زيادة الراتب خوفاً من التَّسريح التَّامّ من العمل، وفي حين أنَّ نسبَ البطالة مرتفعةٌ بالفعل، إلَّا أنَّ أصحاب العمل يحتاجون إلى مهاراتٍ حقيقيَّةٍ لزيادة الإنتاجيَّة ورفع مستوى الأرباح؛ لذا إذا كُنتَ ترغبُ في زيادة دخلكَ، فلا مفرَّ من تطوير مهاراتك، ممَّا يساعدك سواءً في الحصول على مكافآتٍ دون طلبٍ منكَ، أو لتكون أكثر جرأةً في طلب الزِّيادة، أو للحصول على عروض وظائف  أُخرى، أو غيرها من بدائل، بشرط أن تتفهَّمَ متطلَّبات سوق العمل جيّداً، وتحاول مواكبتها للبقاء في أفضل وضعٍ ممكنٍ.