تغييراتٌ جذريّة قد تعيد تشكيل إمبراطورية Google
بين الابتكار القانونيّ وتطوير الذّكاء الاصطناعيّ، تواجه غوغل منعطفاً حاسماً
على الرّغم من مكانتها الّتي لا جدال فيها كركيزةٍ أساسيّةٍ من ركائز التّكنولوجيا الكبرى، تجد "غوغل" (Google) نفسها اليوم أمام مفترق طرقٍ غير مسبوقٍ في تعقيده. فهي تواجه احتمال صدور قرارٍ حكوميٍّ يلزمها بالتّخلّي عن متصفّح "كروم" (Chrome) الرّائد عالميّاً، إلى جانب تحدّياتٍ غير متوقّعةٍ تهدّد هيمنته في مجال البحث عبر الإنترنت من منافسين جددٍ مثل "أوبن أي آي" (OpenAI). هذا بالإضافة إلى تصاعد الضّغوط السّياسيّة والقانونيّة بعد خسارتها قضيّة احتكارٍ، حيث تمّ تصنيفها ككيانٍ محتكرٍ في مجال البحث الإلكترونيّ. وقد يصل الأمر إلى إجبارها على تفكيك الشّركة وفصل أجزاءٍ أساسيّةٍ من أعمالها.
كما عبّر الرّئيس التّنفيذيّ لشركة غوغل، سوندار بيتشاي، عن تفاؤله خلال حديثه هذا الأسبوع في قمّة "ديلبوك" (DealBook) الّتي تنظّمها صحيفة "نيويورك تايمز" (New York Times). وتوقّع "بيتشاي" أن يكون عام 2025 نقطة تحوّلٍ كبيرةٍ في عالم التّكنولوجيا، مع تغييراتٍ قد تحدث ثورةً في الطّريقة الّتي يُستخدم بها الإنترنت يوميّاً على مستوى العالم.
وعند سؤاله عن مستقبل البحث عبر الإنترنت، صرّح سوندار بيتشاي بأنّ محرّك البحث الخاصّ بـ"غوغل"، والّذي يمثّل المنتج الرّئيسيّ للشّركة منذ تأسيسها عام 1998، سيشهد "تحوّلاتٍ جوهريّةً" بحلول عام 2025، وفقاً لما نقله موقع الأخبار التّقنيّة "ذا فيرج" (The Verge). ورغم تجنّبه التّعمّق في التّفاصيل التّقنيّة، إلّا أنّه أشار إلى أنّ نظام البحث سيصبح أكثر قدرةً على معالجة أسئلةٍ معقّدةٍ بشكلٍ غير مسبوقٍ. وأضاف بيتشاي بثقةٍ أنّ النّاس سيُفاجؤون، حتّى في بداية عام 2025، بالإمكانات الجديدة والمبتكرة الّتي سيقدّمها محرّك البحث مقارنةً بقدراته الحاليّة.
يُرجّح أنّ بيتشاي يقصد التّطوّرات الّتي أحدثتها الثّورة المستمرّة في مجال الذّكاء الاصطناعيّ على تقنيّات البحث عن المعلومات عبر الإنترنت. حيث بدأت غوغل في تجربة نتائج بحثٍ تعتمد على الذّكاء الاصطناعيّ، تقوم بتلخيص المعلومات من مصادر متعدّدةٍ على الإنترنت لتجيب مباشرةً على استفسارات المستخدمين. بمعنى آخر، أصبح محرّك البحث يقوم بجزءٍ من عمليّة البحث "نيابةً عنك" لتوفير البيانات الّتي تحتاجها بشكلٍ أسرع وأكثر كفاءةً.
ومن جهةٍ أخرى، أثارت التّرقية المدعومة بالذّكاء الاصطناعيّ لمحرّك البحث جدلاً كبيراً عند إطلاقها، لأنّها أحدثت تغييراً جذريّاً في طريقة عمل البحث التّقليديّ، ممّا أثار مخاوف بشأن تأثيرها على عائدات إعلانات البحث. حيث وصفت صحيفة "واشنطن بوست" (The Washington Post) هذه التّرقية بأنّها قد تهدّد "الأسس الرّئيسيّة للإنترنت". وردّاً على ذلك، فرضت غوغل قيوداً على النّظام إلى حدٍّ ما من خلال تقليل المساحة الّتي أعطتها لإجابات الذّكاء الاصطناعيّ بين نتائج البحث الأخرى.
منذ ذلك الحين، أوضحت غوغل بشكلٍ صريحٍ أنّ البحث المدعوم بالذّكاء الاصطناعيّ هو المستقبل، وأشارت إلى أنّها قد تستثمر ما يصل إلى 100 مليار دولارٍ في تطوير أنظمة الذّكاء الاصطناعيّ من الجيل التّالي. كما تشير تصريحات بيتشاي خلال الحدث إلى أنّ البحث القائم على الذّكاء الاصطناعيّ قد يصبح محوريّاً في الشّركة بوقتٍ أسرع ممّا كان متوقّعاً.
ويبدو أنّ هذا التّغيير يأتي في وقتها المناسب، حيث أوضحت شركة أوبن إيه آي، المنافس الرّئيسيّ في مجال الذّكاء الاصطناعيّ، نيّتها دخول سوق البحث عبر الإنترنت من خلال دمج تقنيّات البحث بالذّكاء الاصطناعيّ في روبوت الدّردشة الخاصّ بها "شات جي بي تي" (ChatGPT). بل وتشير التّقارير إلى أنّها قد تستعدّ لإطلاق متصفّح ويب خاصٍّ مزوّدٍ بقدرات ذكاء اصطناعيٍّ متقدّمةٍ، في خطوةٍ تهدف إلى منافسة متصفّح كروم من غوغل، الّذي يعدّ الخيار المفضّل للكثيرين اليوم.
كما أوضح بيتشاي أيضاً أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيقود تغييراتٍ واسعةً في المشهد الرّقميّ، وأكّد ثقته في قدرة غوغل على الاستفادة من هذه التّحوّلات القادمة. وقال: "أرى أنّنا لا زلنا في المراحل الأولى من تحوّلٍ عميقٍ عند النّظر إلى المستقبل". وأضاف مشيراً إلى إمكانيّات الابتكار: "أعتقد أنّ المستقبل يحمل الكثير من الابتكارات، وغوغل ملتزمةٌ بأن تبقى في مقدّمة هذا المجال، وأنا واثقٌ بأنّنا على الطّريق الصّحيح".
وسط التّهديدات المحتملة بتفكيك الشّركة من قبل وزارة العدل الأمريكيّة، أظهر بيتشاي هدوءاً وثقةً في مواجهة هذا الموقف. وفي حال أجبرت غوغل على فصل متصفّح كروم عن الشّركة الأمّ، فقد يتسبّب ذلك في تعطيل ارتباط المتصفّح بأدوات العمل التّعاونيّة عبر الإنترنت الّتي تقدّمها غوغل، مثل "مستندات غوغل"، والّتي تتكامل حاليّاً بشكلٍ وثيقٍ مع كروم ونظام تطبيقاتها بالكمال.
كما قد تغيّر هذه الخطوة، إلى جانب التّدابير الأخرى الّتي قد تسعى وزارة العدل إلى فرضها، بشكلٍ جذريٍّ طريقة عمل سوق إعلانات البحث عبر الإنترنت، خاصّةً مع الاتّهامات الموجّهة لـ"غوغل" باستغلال هيمنتها واحتكارها لهذا السّوق.
ونصيحتي لك، يجب أن تولي أنت وشركتك اهتماماً كبيراً لهذه التّطوّرات. فقد تغيّر التّعديلات القانونيّة الّتي قد تُفرض على غوغل طريقة عمل بعض تقنيّاتها الأساسيّة، وهي تقنيّاتٌ يعتمد عليها الموظّفون في إنجاز أعمالهم اليوميّة. كما ستؤدّي ثورة الذّكاء الاصطناعيّ إلى إحداث تغييراتٍ جوهريّةٍ في سوق الإعلانات عبر الإنترنت وطريقة عمل البحث.
قد يتطلّب ذلك منك تعديل سياسات شركتك بشأن استخدام الأدوات الّتي تقدّمها غوغل، بالإضافة إلى تقديم تدريبٍ خاصٍّ بالذّكاء الاصطناعيّ لفريق العمل. ورغم القوّة الكبيرة الّتي تقدّمها تقنيّات الذّكاء الاصطناعيّ، إلّا أنّها تأتي مع مخاطر معقّدةٍ، من بينها خطر تسرّب بياناتٍ حسّاسةٍ للشّركة عبر هذه الأنظمة.