عملاق البحث Google مهيأ أكثر من غيره لعصر الذكاء الاصطناعي!
استراتيجية غوغل طويلة الأمد تتفوّق على الاتجاهات العابرة في التكنولوجيا
أعلنت شركة Alphabet، الشَّركة الأمُّ لـ Google، عن أرباحها لهذا الرُّبع من العام، ولم تكتفِ الشَّركة بتجاوز التَّوقُّعات، بل أعلنت أيضاً عن توزيع أوَّل أرباحٍ نقديَّةٍ في تاريخها، ما أسعد المستثمرين كثيراً، ونتيجةً لذلك قفزت قيمة أسهمها بنسبة 14%؛ لتصبح بذلك رابع شركةٍ تكنولوجيَّةٍ تبلغ قيمتها السُّوقيَّة أكثر من تريليوني دولار. [1]
ومن الواضح أنَّ المستثمرين يفضّلون الشَّركات التي تعلن عن تحقيق أرباحٍ مجزيةٍ، لكنَّ ما يجذبهم حقَّاً هو التَّصريحات المتعلّقة بمقدار الأموال التي ستجنيها الشَّركات في المستقبل، أو بمعنى أدقّ، التَّصريحات حول ما ستقوم به الشَّركات في المستقبل؛ لذا فإنَّ كلَّ شركةٍ تقنيَّةٍ في وقتنا الحاليّ تحاول إظهار كيفيَّة دمجها للذَّكاء الاصطناعيّ (AI) في مختلف أنشطتها.
ولا تعدُّ Google استثناءً في هذا المجال، ومع ذلك فهي أمضت وقتاً طويلاً خلال العام الماضي في تذكير النَّاس بأنَّها كانت رائدةً في مجال الذَّكاء الاصطناعيّ قبل أن يصبحَ موضوع السَّاعة، لكن قد يكون هناك منافسون جدُّدٍ في الميدان، فمن خلال مكالمة الشَّركة مع المحلّلين، أكَّدَ Sundar Pichai، الرَّئيس التَّنفيذيُّ لشركة Google، على هذه النُّقطةِ، إذ صرَّحَ قائلاً: "نحن نمتلك أفضل البُنى التَّحتيَّة المهيَّأة لعصر الذكاء الاصطناعي"، وأضاف: "يعدُّ إِنشاءُ بنى تحتيَّة رائدة عالميّاً في صُلب اهتماماتنا، منذ بداياتنا الأولى عندما اضطرَّرنا لتصميم أجهزةٍ مخصَّصةٍ للقيام بالبحث السَّريع، وتُعدُّ مراكز البيانات التي نديرها من بين المراكز الأعلى أداءً والأكثر أماناً وموثوقيَّةً وكفاءةً على مستوى العالم".
وبالفِعل، أرى أنَّ Pichai يطرح نقطةً هامَّة، إذ تسعى الشَّركة إلى دمج الذكاء الاصطناعي في الأجهزة والبرمجيَّات، وبالأخصّ في مجال البحث، كما أطلقت العام الماضي نموذجها اللُّغويّ الكبير (LLM)، المعروف بـ Gemini، والذي كان يُعرف سابقاً باسم Bard، ردَّاً على النَّجاح المباغت الذي حقَّقه ChatGPT.
ومع ذلك، تقوم Google بهذه الممارسات منذُ مدَّةٍ، وأعتقد أنَّك تعدُّ عمليَّة البحث بمثابة نوعٍ من الذكاء الاصطناعي في أبسط أشكاله، لكنَّها في جوهرها برمجيَّة تحاول فهم ما تعنيه عندما تطلب شيئاً، ثُمَّ تبحث عن المواقع التي تحتوي على المعلومات التي تريدها، لكن بالطَّبع، لا تُعدُّ عمليَّة البحث نوعاً من الذكاء الاصطناعي، وإنَّما تُعدُّ أحد الأمور الأكثر اعتياديَّة التي نقوم بها يوميّاً.
في الوقت ذاته، يعودُ السَّبب الذي يجعلنا نَعدُّ عمليَّة البحث أمراً مألوفاً إلى أن Google قد أرست بنيةً تحتيَّةً تجعل هذه العمليَّة سلسةً إلى أقصى حدٍّ ممكنٍ، إذ لديها الحواسيب والخوادم والبرمجيَّات اللَّازمة لتنفيذ هذا على نطاقٍ واسعٍ، بطريقةٍ لا تستطيع العديد من الشَّركات المنافسة تحقيقها، وذلك حسبما أفاد Pichai بقوله ذات مرَّةً: "لدينا ستُّ منتجاتٍ يتجاوز عدد مستخدميها الملياري مستخدماً شهريّاً، وهذا يشمل ثلاثة مليارات جهاز Android". ويمثِّل ذلك كميَّةً ضخمةً من الأجهزة وعدداً هائلاً من المستخدمين.
لكن هذا لا يعني أنَّ Google قد حقَّقت النَّجاح المطلق، إذ كانت الانتقاداتُ التي وُجّهت لإطلاق Gemini في وقتٍ سابقٍ من هذا العام قاسيةً لدرجة أنَّني زَعمتُ، في ذلك الوقت، بأنَّها قد تُكلِّف Pichai وظيفته، لكنَّ هذا لم يحدث، ويبدو أنَّ Pichai قد تجاوز تلك الأزمة إلى حدٍّ كبيرٍ، وأعتقد أنَّ السَّبب الرَّئيسيَّ لذلك هو أنَّ كُلَّ تلك الأمور ليست بجديدةٍ على Google، ويمكن القول إنَّ لديها أفضل بنيةٍ تحتيَّةٍ مهيأةٍ لـ'عصر الذكاءِ الاصطناعيّ'، مهما كان ما يعنيه ذلك بالفعل.
شاهد أيضاً: ذكاء اصطناعي من Google يحوّل الرسوم إلى ألعاب فيديو
من جهةٍ قد تَزعُمُ بأنَّه كان من المفترض أن تُحقِّق Google أداءً أفضل في كلّ هذه الجوانب حتَّى الآن لأسبابٍ عديدةٍ، ومن جهةٍ أخرى من الواضح أنَّ Google، حالما تكتشف الطَّريقة الصَّحيحة أخيراً، ستكون في وضعٍ أفضل بكثيرٍ مقارنةً بأيّ شركةٍ أخرى، ووفقاً لمعظم التَّقديرات، تمتلك غوغل حوالي 2.5 مليونِ خادمٍ، أي أكثر بمليون خادم من Amazon التي تحتلُّ المرتبة الثَّانية، لكن من المهمِّ التَّنويه أن ليست كلُّ الخوادم متماثلةً، وامتلاك عددٍ كبيرٍ من الخوادم لا يعني بالضَّرورة التَّفوق في مجال الذكاء الاصطناعي التَّوليدي، ومع ذلك فإنَّ Google قد راكمت سنواتٍ من العمل على جوانبَ متعدّدةٍ متَّصلةٍ بالذَّكاء الاصطناعي، واستفادت من كلّ هذا التَّدريب والخبرة؛ لذا فهي تمتلك الفهم الكافي لكيفيَّة التَّنفيذ على نطاقٍ واسعٍ ولديها البنية التَّحتيَّة اللَّازمة لدعم ذلك.
ونستنتج من ذلك أنَّ الشَّركات الأكثر استعداداً للنَّجاح ليست بالضَّرورة تلك التي تتسرَّع في الانضمام إلى الموجات الجديدة الواعدةِ، وهذه القصَّة هي خير مثالٍ على أنَّ النَّجاح غالباً ما يأتي لمن يجتهدون في العمل على أمرٍ معينٍ بإصرارٍ ولمدَّةٍ طويلةٍ، ثُمَّ يحظون ببعض الفرص السَّانحة، وبصفتك قائداً، فإنَّ واجبك لا يقتصر بالانشغال بكلِّ جديدٍ يظهر على السَّاحة، بل مهمَّتك هي التَّركيز على ما تتقنه أكثر من غيرك، ومن ثُمَّ التَّكيُّف مع الفرص التي تظهر لتستغل خبراتك. هذا بالضَّبط ما تقوم به Google في هذا الصَّدد، وهو درسٌ قيِّمٌ لكلِّ قائدٍ.