رحلة توازن العمل والحياة: كيف غيّرتني الأزمات الصّحيّة؟
رغم التّحديّات، كان العمل على إعادة هيكلة أسلوب الحياة وتحقيق التوازن بين العمل والصّحّة النّفسيّة هو المفتاح لتجاوز الأزمات الصّحيّة بنجاحٍ واستمراريّة
جاءت اللّحظة الّتي أدركت فيها ضرورة الالتفات إلى التّوازن بين العمل والحياة دون سابق إنذار؛ فبينما كنت أعمل على إعداد تقريرٍ إخباريٍّ مهمٍّ خلال فترة الجائحة، شعرت فجأةً بأنّ قلبي ينبض بوتيرةٍ متسارعةٍ كأنّما مطرقةٌ تدقّ بلا توقّفٍ.
حاولت تهدئة نفسي عبر التّنفّس بعمقٍ على أمل تهدئة اضطراب النّبض، وهي تقنيةٌ تعلّمتها لمواجهة بعض تسارع النّبض النّاجم عن عيبٍ خلقيٍّ نادرٍ في القلب. ولكن هذه المرّة كان الوضع مختلفاً؛ فقد شعرت كأنّ الضّوء اختفى فجأةً من حولي، وفقدت القدرة على الرّؤية لبرهةٍ قبل أن تعود مجدّداً.
في الأيّام التّالية، تبيّن أنّني بحاجةٍ لتركيب جهازٍ لتنظيم ضربات القلب بأسرع وقتٍ. أخبرني الطّبيب بلهجةٍ صارمةٍ: "حان الوقت للتّخفيف من التّوتّر". بدا ذلك أشبه بوصفةٍ غامضةٍ، خاصّةً أنّني أمٌّ لطفلٍ صغيرٍ، وكنت أعيش حياةً مليئةً بالالتزامات.
ولكن ما لم أستطع تجاهله كان التّهديد الصّحّيّ الّذي أواجهه، وزاده تعقيداً تشخيصٌ لاحقٌ بمرض السّرطان. إذ فرضت عليّ هذه المخاوف إعادة التّفكير في أسلوب حياتي، ممّا دفعني لإطلاق سلسلة "العمل بشكلٍ جيّدٍ" بهدف مشاركة تجاربي في تحسين الصّحّة في بيئة العمل، وتقديم نصائح قيّمةٍ لكلّ من يسعى لتحقيق توازنٍ بين الصّحّة والعمل.
التّحدّيات الّتي واجهتنا وتحسين الصّحّة في العمل
مرّت السّنوات الأخيرة محمّلةً بالتّحدّيات؛ فقد أودت الجائحة بحياة كثيرين، وأثّرت على حياة الملايين. فالعديد من الآباء كانوا مجبرين على التّوفيق بين وظائفهم ورعاية أطفالهم من المنزل، بينما خاض خرّيجو الجامعات تجاربهم العمليّة الأولى في بيئةٍ خاليةٍ من الدّعم الفعليّ من زملاء أو مرشدين. أضف إلى ذلك التّوتّر الّذي تسبّبت فيه الأزمات السّياسيّة والاجتماعيّة مثل الحروب والانتخابات، والّتي عمّقت الانقسام بين أفراد المجتمع وداخل أماكن العمل. كلّ هذا جعل الشّعور بالإرهاق أمراً شائعاً بين الموظّفين.
وفي مواجهة هذه التّحدّيات، ظهر توجّهٌ واضحٌ نحو إعادة تشكيل حياتنا المهنيّة بطرقٍ تدعم الصّحّة النّفسيّة والجسديّة. حيث تبنّت بعض الشّركات أنظمة العمل الهجينة، في حين ارتفعت الأصوات الشّبابيّة المطالبة بإيلاء الصّحّة النّفسيّة اهتماماً أكبر. وبدورها، أطلقت العديد من المؤسّسات برامج لدعم الصّحّة، مثل اليوغا وجلسات التّأمّل، في محاولةٍ للحفاظ على صحّة وسعادة موظّفيها.
بالإضافة إلى ذلك، ترغب وكالة "أسّوشييتد برس" (Associated Press) في المساهمة في هذا الحوار حول رفاهية الموظّفين. وخلال الأشهر القادمة، ترغب في إجراء لقاءاتٍ مع أطبّاء ومعالجين نفسيّين ومديرين وخبراء لمناقشة التّغييرات المقترحة لتحسين حياة الموظّفين، والّتي يمكن للجميع الاستفادة منها.
أما بالنّسبة لي، وبعد تركيب جهاز تنظيم ضربات القلب، قرّرت اتّخاذ خطواتٍ جادّةٍ لتحقيق التّوازن بين العمل والحياة، كاختيار العمل لأربعة أيّامٍ فقط في الأسبوع. حيث منحني هذا النّظام وقتاً للتّدرّب، وإعداد وجباتٍ صحّيّةٍ، والاسترخاء لاستعادة طاقتي.
ولكن مسيرتي نحو التّوازن لم تكن سهلةً. اكتشف الأطبّاء خلال فحصٍ روتينيٍّ إصابتي بسرطان الثّدي، ممّا تطلّب إجراء جراحةٍ وخضوعي لعلاجٍ كيميائيٍّ وإشعاعيٍّ. وبسبب حالتي القلبيّة، كان كلّ إجراءٍ طبّيٍّ يتطلّب تخطيطاً خاصّاً لضمان سلامتي، ممّا زاد من صعوبة التّجربة.
ومع هذا التّشخيص، وكلّ ما مررت به، تعلّمت دروساً جديدةً حول الشّفاء. وجدت نفسي مضطرّةً، للمرّة الأولى، إلى إبطاء وتيرة حياتي والاستماع لاحتياجات جسدي. عندما أشعر بالتّعب، فمثلاً اختار أخذ قيلولةٍ بدلاً من الاعتماد على الشّوكولاتة أو القهوة، وأحاول جدولة مواعيد العلاج الكيميائيّ بحيث أكون قادرةً على قضاء وقتٍ متميّزٍ مع ابني.
كما شجّعني طبيبي على ممارسة الرّياضة خلال العلاج، فبدأت أمارس السّباحة واليوغا، وأقوم بنزهاتٍ قصيرةٍ عندما تسمح لي حالتي. كما تعلّمت الاسترخاء عند الشّعور بالدّوار، محاولةً موازنة نشاطي وراحتي.
علاوةً على ذلك، وجدت دعماً كبيراً من المعالجين والأخصّائيّين الاجتماعيّين الّذين زوّدوني بتقنياتٍ مهدّئةٍ لمواجهة القلق. وساعدني أحد المعالجين في التّغلّب على نوبة قلقٍ تعرّضت لها أثناء رحلةٍ بالسّيّارة إلى المستشفى، عبر استخدام تقنيةٍ تعتمد على التّركيز على ما أستطيع رؤيته وسماعه ولمسه من حولي، حتّى اختفى شعور القلق تماماً.
بعد فترةٍ من التّعافي، عدت إلى العمل، ولكنّني كنت شخصاً مختلفاً. ولا تزال بعض الآثار الجانبيّة كالإرهاق وضبابيّة الدّماغ ملازمةً لي جراء العلاج. ومع ذلك، أصررت على الاستمرار في مراسلة العادات الصّحّيّة الّتي اكتسبتها خلال رحلة الشّفاء.
في النّهاية، اكتشفت أنّ رحلة تحقيق التَّوازن بين العمل والحياة ليست طريقا سهلاً أو سريعاً. إنّ التّحدّيات الّتي نواجهها، سواءٌ كانت صحّيّةً أو اجتماعيّةً أو مهنيّةً، تدفعنا لإعادة التّفكير في أولويّاتنا واختيار حياةٍ أكثر راحةً. وبالنّسبة لي، كانت تجربة الحياة المهدّدة بمثابة دعوةٍ للتّوقّف والتّفكير بعمقٍ في أهمّيَّة الصّحّة النّفسيّة والجسديّة.