كيف تُخبر موظفك بقرار فصله؟ ابتعد عن رسائل البريد الإلكتروني
في مواجهة قرارات الإنهاء، تظهر القيادة الحقيقيّة عندما تمتزج الكفاءة بالاحترام، ممّا يعكس الالتزام بقيم المؤسّسات
تعدّ عمليّات إنهاء عقود الموظفين واقعاً عمليّاً لا مفرّ منه في جميع المؤسّسات، إذ تمرّ الشّركات بموجاتٍ من الازدهار والتّراجع الاقتصاديّ، فتزيد من التّوظيف خلال فترات الرّخاء، وتخفّض العمالة عند تغيّر الظّروف، ورغم ما تحمله هذه القرارات من قسوةٍ، تبقى جزءاً أساسيّاً من دورة نموّ الأعمال، وغالباً ما تفرض الضّرورة اتّخاذ مثل هذه الخطوات لضمان بقاء المؤسّسة وتعزيز قدرتها التّنافسيّة.
منذ انتهاء الجائحة، تغيّرت أساليب بعض الشّركات في إنهاء عقود الموظّفين، إذ لجأت شركاتٌ عديدةٌ إلى استخدام البريد الإلكترونيّ والرّسائل النّصّيّة لإبلاغ الموظّفين بقرارات الإنهاء، متخلّيةً عن النّهج التّقليديّ المتمثّل في اللّقاءات المباشرة، الّذي كان على الدّوام ركناً أساسيّاً لاحترام المهنيّة.
شاهدت خلال مسيرتي المهنيّة مختلف الطّرق الّتي تُستخدم لإنهاء عقود الموظّفين. ومع تنوّع الأساليب، يبقى أمرٌ واحدٌ ثابتاً: تقتضي القيادة الحقيقيّة مواجهة تلك المحادثات الصّعبة وجهاً لوجهٍ، وإذا لم يكن ذلك ممكناً، تظلّ مكالمات الفيديو الخيار الأنسب، فالمسألة ليست مجرّد إجراءٍ شكليٍّ، بل تتعلّق بإظهار الاحترام للكرامة الإنسانيّة الّتي يستحقّها الجميع في أيّ علاقةٍ مهنيّةٍ.
أفضل الممارسات لإنهاء عقود العمل
هل ستصبح الرّسائل النّصّيّة والبريد الإلكترونيّ الطّريقة الجديدة لإبلاغ الموظّفين بإنهاء خدماتهم؟ ربّما، ولكن من غير المتوقّع أن تصبح قاعدةً عامّةً، إذ أؤمن أنّ هناك عدّة عوامل تدفع بعض الشّركات إلى استخدام أساليب غير شخصيّةٍ وغير إنسانيّةٍ عند إنهاء عقود الموظّفين:
- سوق العمل لصالح أصحاب العمل: تستغلّ الشّركات الوضع الحاليّ لسوق العمل الّذي يميل لصالحها، فهي تدرك أنّها تستطيع اتّخاذ هذه الخطوات دون خوفٍ كبيرٍ من العواقب؛ لأنّ الخيارات المتاحة أمام الموظّفين المفصولين محدودةٌ، ممّا يجعلهم عاجزين عن مواجهة هذه القرارات أو الاعتراض عليها بشكلٍ فعّالٍ.
- الاعتقاد بالكفاءة: يرى البعض أنّ إدارة عمليّات الإنهاء من خلال البريد الإلكترونيّ أو الرّسائل النّصّيّة أكثر كفاءةً من الأساليب التّقليديّة، إذ تبرّر بعض الشّركات ذلك بعدم امتلاكها بنيةً تحتيّةً متقدّمةً للموارد البشريّة أو عدداً كافياً من الموظّفين القادرين على إجراء مقابلاتٍ شخصيّةٍ مع جميع الموظّفين المفصولين، خاصّةً إذا كانت هذه القرارات تؤثّر على مجموعاتٍ كبيرةٍ.
- العمل عن بعدٍ ونماذج العمل الهجين: أدّى التّحوّل نحو العمل عن بعدٍ ونماذج العمل الهجين إلى خلق مسافةٍ نفسيّةٍ بين الموظّفين وأصحاب العمل، فهذه المسافة جعلت من السّهل تجريد القرارات الكبرى، مثل إنهاء العمل، من البعد الإنسانيّ. وكما يقول المثل المعروف: "البعيد عن العين، بعيدٌ عن القلب". هذه الدّيناميكيّة الجديدة ساهمت في تسهيل اتّخاذ قراراتٍ مؤلمةٍ دون النّظر إلى الآثار النّفسيّة والاجتماعيّة على الموظّفين.
- نقص التّدريب لدى المديرين وفرق الموارد البشريّة: يؤثّر نقص التّدريب المناسب بشكلٍ مباشرٍ على الطّريقة الّتي يتمّ بها إنهاء خدمات الموظّفين، فعندما تفتقر الشّركة إلى قسم موارد بشريّةٍ قويٍّ، أو يكون المديرون غير متمرّسين، تضعف قدرة المؤسّسة على التّعامل مع هذه العمليّات بحساسيّةٍ واحترامٍ. ونتيجةً لذلك، تغيب الجوانب الإنسانيّة عن العمليّة، ممّا يؤدّي إلى تنفيذ الإنهاء بأسلوبٍ آليٍّ وغير شخصيٍّ يفتقر إلى الاحترام والكرامة الّتي يستحقّها الموظّفون.
تظهر هذه الأساليب، رغم بساطتها الظّاهرة، افتقاراً كبيراً إلى الإنسانيّة والاحترام الّذي يستحقّه الموظّفون. لذلك، فإنّ الاعتماد عليها لن يكون حلّاً مستداماً أو مقبولاً على المدى البعيد، ولن يظلّ سوق العمل دائماً في صالح أصحاب العمل، واعتماد سوء معاملة الموظّفين كنهجٍ أساسيٍّ يعدّ استراتيجيّةً قصيرة النّظر.
تمرّ الأعمال بدوراتٍ تتراوح بين الازدهار والانكماش، ثمّ تعود للنّموّ من جديدٍ، إذ تتطلّب القيادة الحقيقيّة أن يدرك القادة أنّ الطّريقة الّتي تعامل بها الشّركة موظّفيها عند إنهاء خدماتهم تعكس قيمها الحقيقيّة بشكلٍ أوضح من أيّ بيانٍ رسميٍّ أو رسالةٍ تعريفيّةٍ. لهذا، يجب أن تلتزم الشّركات بقيمها الأساسيّة وألّا تفقد بوصلتها مهما كانت الظّروف.
سمعة أصحاب العمل
يجب أن يعيد القادة، الّذين يغريهم الاعتماد على الأساليب الرّقميّة لإنهاء عقود الموظّفين، النّظر في أولويّاتهم بجدّيّةٍ، فوراء كلّ رقمٍ وظيفيٍّ يقف إنسانٌ قد تتأثّر حياته المهنيّة واستقراره الماليّ وقيمته الذّاتيّة، ليس فقط بسبب قرار الإنهاء، بل بالطّريقة الّتي ينفّذ بها هذا القرار.
تعدّ عمليّة إنهاء عقود الموظّفين معقّدةً وصعبةً بطبيعتها، وقد أثارت بعض الشّركات موجاتٍ من الغضب العامّ عندما تعاملت مع الموظّفين بطريقةٍ غير إنسانيّةٍ، مثل تعطيل بطاقات الدّخول أو البريد الإلكترونيّ دون تحذيرٍ مسبقٍ، إذ تكشف هذه المواقف حقيقةً أساسيّةً: إنّ التّوظيف وإنهاء العمل مسألتان شخصيّتان للغاية، والتّعامل معهما دون احترامٍ قد يسبّب ردود فعلٍ سلبيّةً وأضراراً طويلة الأمد لسمعة الشّركة والأفراد.
تؤثّر قرارات الإنهاء غير المدروسة على أكثر من الموظّف الّذي تمّ فصله، فحين تنفّذ الشّركات عمليّات الإنهاء بطرقٍ غير شخصيّةٍ، تظهر غياباً للقيادة والحسّ التّكتيكيّ والمسؤوليّة، فيؤثّر هذا النّقص على بيئة العمل، حيث يزداد شعور الموظّفين الباقين بالقلق وعدم الأمان الوظيفيّ، ممّا يقلّل من إنتاجيّتهم وتفاعلهم. وفي عصرٍ تخضع فيه الممارسات المؤسّسيّة لتدقيقٍ عامٍّ عبر وسائل التّواصل الاجتماعيّ والشّبكات المهنيّة، قد تتعرّض سمعة الشّركة لضرباتٍ قويّةٍ.
كيف يمكن إدارة عمليّات الإنهاء؟
يتطلّب الأمر إيجاد توازنٍ بين الكفاءة واحترام كرامة الموظّفين الإنسانيّة، فلا يمكن لكلّ شركةٍ مقابلة كلّ موظّفٍ عند إنهاء عقده، ولكنّ الأمر يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على التّفكير المدروس، إذ يجب أن تخطّط الشّركات بعنايةٍ لكيفيّة إيصال الرّسالة، ومن يرسلها، وتوقيت الإنهاء، خاصّةً إذا كان قريباً من المناسبات أو الأعياد، بالإضافة إلى تفاصيل التّعويضات ومستوى الدّعم المُقدّم، إذ تعكس هذه التّفاصيل مجتمعةً قصّة الشّركة وتوجّهاتها، ممّا يجعل التّفكير فيها جزءاً أساسيّاً من إدارة التّغيير، فينبغي أن تدرّب الشّركات مديريها وفرق الموارد البشريّة على التّعامل مع هذه المواقف، مع وضع خطّة تواصلٍ شاملةٍ تركّز على الاحترام والكرامة.
يجب أن تعكس كلّ خطوةٍ في عمليّة الإنهاء قيم الشّركة والتزامها تجاه موظّفيها، فبتقديم الأولويّة للتّعاطف والتّواصل الواضح، تستطيع الشّركات اتّخاذ هذه القرارات الصّعبة بنزاهةٍ، والحفاظ على الثّقة والمعنويّات حتّى في أصعب الأوقات. كما تُظهر القيادة الفعّالة -من خلال مراعاة الآخرين، والتّفكير العميق، وإظهار التّعاطف- تأثيراً كبيراً على كيفيّة تقبّل الموظّفين المتأثّرين بقرار الإنهاء وطريقة تعاملهم معه.
ورغم أنّ الشّركات قد تعجز أحياناً عن تقديم تعويضاتٍ ماليّةٍ للموظّفين المفصولين، فإنّها تستطيع دائماً، ويجب عليها، أن تعاملهم باحترامٍ عند إنهاء خدماتهم، فتبقى الطّريقة الّتي يتمّ بها فصل الموظّف في ذاكرته أكثر من قرار الفصل نفسه، فالقادة الّذين يعتمدون أساليب غير شخصيّةٍ في تنفيذ قرارات الإنهاء يلحقون ضرراً بثقافة المؤسّسة، ويكشفون عن فجوةٍ واضحةٍ بين القيم المعلنة والممارسات الفعليّة، ممّا يظهر أنّ أفعالهم وأقوالهم متناقضةٌ تماماً.