كيف تبني علاقات أقوى عبر طرح الأسئلة الصحيحة؟
عندما تتناغم الكلمات مع الفضول الصّادق، تتحوّل الأسئلة إلى أداةٍ فعالةٍ تعزّز الرّوابط الإنسانيّة، وتجعل التّواصل أكثر عمقاً وتأثيراً

التّعرّف على النّاس بشكلٍ أفضل ومساعدتهم على الشّعور بالاحترام والتّقدير هو أمرٌ مهمٌّ في مجال الأعمال. وعلى الرّغم من أنّك قد تكون على درايةٍ بهذه الفكرة دون حاجةٍ إلى دراسةٍ علميّةٍ، فقد أظهرت دراسةٌ نُشرت في "التّدريب الصّناعيّ والتّجاريّ" (Industrial and Commercial Training) أنّ رؤية الآخرين لصفاتك الجيّدة تجعلك تشعر برغبةٍ في تحسين نفسك والارتقاء بها، وقد أكّدت الدّراسة أنّ هذه الظّاهرة تحدث ليس فقط بين الأصدقاء والعائلة، بل أيضاً في علاقات العمل بين الزّملاء والمدراء.
واحدة من الطّرق الفعّالة لإظهار احترامك للشّخص الآخر وفي نفس الوقت جعل نفسك أكثر قبولاً لدى الآخرين هي اتّباع قاعدة الأسئلة الثّلاثة، فقد أظهرت دراسةٌ نُشرت في "مجلّة الشّخصيّة وعلم النّفس الاجتماعيّ" (Journal of Personality and Social Psychology) أنّ طرح سؤالٍ واحدٍ، ثمّ متابعته بطرح سؤالين إضافيّين كمتابعةٍ، يؤدّي إلى زيادةٍ ملحوظةٍ في كيفيّة إدراك الآخرين لك كشخصٍ محبوبٍ. كما أشار الباحثون في هذه الدّراسة إلى أنّ: "الأشخاص الّذين يطرحون المزيد من الأسئلة، وخاصّةً الأسئلة الّتي تأتي كمتابعةٍ، يُحبُّون بشكلٍ أكثر من قبل من يتحدّثون معهم".
عندما يطرح النّاس المزيد من الأسئلة، يتمّ اعتبارهم أكثر استجابةً في العلاقات الاجتماعيّة، إذ تشير الاستجابة هنا إلى القدرة على الاستماع، وفهم، والتّحقّق من مشاعر الآخرين، وإظهار الاهتمام بهم. فتخيّل هذا: إذا تحدّثتُ عن نفسي طوال الوقت، ستعتقد بشكلٍ طبيعيٍّ أنّني لا أهتمّ إلّا بنفسي. لكن إذا طرحت عليك سؤالاً، واستمتعت بإجابتك لسؤالي، ثمّ طرحت أسئلةً إضافيّةً بناءً على تلك الإجابة؟ فهذا يُظهر بوضوحٍ أنّني أهتمّ بك؛ المهم هنا هو أن تتأكّد من أنّك تسأل الأسئلة.
النوع الصحيح من الأسئلة
صنّف الباحثون الأسئلة الّتي تمّ طرحها في المحادثات إلى 5 فئاتٍ رئيسيّةٍ (ويمكن اعتبارها 6 فئاتٍ إذا أضفنا الأسئلة التّمهيديّة مثل "كيف حالك؟")، ألا وهي:
- التّبديل: في هذا النّوع، تطرح سؤالاً عامّاً، مثل "ماذا تعمل في حياتك؟" ثمّ عندما أجيب، على سبيل المثال "أنا كاتبٌ"، تقوم بمتابعة السّؤال بسؤالٍ مختلفٍ تماماً مثل "هل تمارس الرّياضة؟"
- التّبديل الجزئيّ: في هذا النّوع، عندما أجيب على سؤالك، على سبيل المثال "أنا كاتبٌ"، تقوم بمتابعة السّؤال بسؤالٍ يتعلّق بذات الموضوع، لكنّ له منحى جديداً، مثل "هل فكّرت يوماً في أن تصبح يوتيوبيّاً؟"
- المرآة: هذا النّوع من الأسئلة يكون بمثابة ردٍّ طبيعيٍّ على ما قيل، مثل عندما أقول "أنا بخيرٍ"، فتسألني "كيف حالك أنت؟" وهو سؤالٌ يعكس اهتمامك بحالتي.
- الاستفهام البلاغيّ: في هذا النّوع من الأسئلة، لا يكون السّؤال موجّهاً للحصول على إجابةٍ حقيقيّةٍ، بل يكون للفت الانتباه أو لإظهار شعورٍ معيّنٍ. مثل السّؤال "هل من الممكن أن يكون هذا الاجتماع مملّاً أكثر من ذاك؟"
- التّابع: هذا النّوع هو الأكثر تفاعلاً. عندما أجيب على سؤالك، على سبيل المثال "أنا كاتبٌ"، تسأل سؤالاً آخر يبني على إجابتي السّابقة، مثل "يظهر أنّ ذلك صعبٌ. كيف دخلت هذا المجال؟" حتّى إذا كنت لا تعتقد أنّ الأمر صعبٌ، فإنّ طرح هذا السّؤال يظهر اهتمامك بمعرفة مزيدٍ عن تجربتي.
كما يمكنكم أن تتوقّعوا، الأشخاص الّذين طرحوا أسئلةً متابعةً -أي الأسئلة الّتي تهدف إلى حصول على مزيدٍ من المعلومات أو فهمٍ أعمق أو معرفة مشاعر وأفكار الشّخص الآخر- تمّ اعتبارهم أكثر قبولاً واهتماماً وودّاً بكثيرٍ مقارنةً بالأشخاص الّذين طرحوا أسئلة تبديلٍ أو مرآةٍ.
ما هو أكثر من ذٰلك؟ أنّ هذه التّفاعلات أدّت إلى بناء علاقاتٍ أفضل، فقد أظهرت دراسةٌ أخرى نُشرت في "مجلّة الشّخصيّة وعلم النّفس الاجتماعيّ" أنّ المشاركين الّذين خاضوا محادثاتٍ مع غرباء بناءً على أسئلةٍ كانت تظهر شخصيّةً، شعروا بترابطٍ أكبر مع هؤلاء الأشخاص، وأصبحوا أكثر سعادةً بعد تلك المحادثات، مقارنةً بالمشاركين الّذين أجروا محادثاتٍ سطحيّةً، ولم تلمس عمق مشاعرهم أو اهتماماتهم.
هو أمرٌ بسيطٌ جدّاً في الحقيقة، فالمفتاح هنا هو تجنّب الإغراء الطّبيعيّ الّذي يدفعك إلى إضافة أفكارك ومشاعرك وآرائك ومعلوماتك الشّخصيّة وأمورٍ أخرى غير متعلّقةٍ بالموضوع أثناء المحادثة. هذا الإغراء قويٌّ لدرجةٍ أنّ هناك مصطلحاً خاصّاً له: "سؤال البوميرانغ"، وهو عندما تطرح سؤالاً لتستخدمه كفرصةٍ للتّحدّث عن نفسك. على سبيل المثال، قد تسأل شخصاً "ماذا تعمل في حياتك؟" فيجيب "أنا مدرّسٌ". فتردّ قائلاً: "هذا رائعٌ! أنا رائد أعمالٍ، وأعمل على مشروعٍ ضخمٍ سيكون له تأثيرٌ كبيرٌ، إليك كيف يعمل…"
لكن بدلاً من ذٰلك، يجب أن تحافظ على تركيزك على الشّخص الآخر، فإذا بدأت بسؤال شخصٍ عن عمله، قم بمتابعته بسؤالٍ آخر بسيطٍ. مثلاً، اسأله عن كيفيّة اختياره لهذا المجال؟ منذ متى وهو يعمل فيه؟ ما الّذي يحبّه أو لا يحبّه في عمله؟ ما هي الجوانب الّتي يجدها ممتعةً أو صعبةً؟ ابحث عن تفاصيل تمكّنك من طرح مزيدٍ من الأسئلة.
إذا ذكر الشّخص أنّ أحد أصعب جوانب عمله هو التّعامل مع العملاء الصّعبين، فاسأل عن مدى تكرار هذه التّجارب، وأسأل عن مواقف صعبةٍ واجهها في العمل، واسأل أيضاً عمّا تعلّمه من هذه المواقف أو ما هي النّصائح الّتي يمكنه تقديمها في هذا الشّأن.
عندما تطرح أسئلةً متابعةً، فإنّك تظهر أنّك تهتمّ بالشّخص الآخر كفردٍ يمتلك تجارب وآراء ومعرفةً وأفكاراً فريدةً؛ لأنّ كلّ شخصٍ لديه تجاربه وآراؤه ومعرفته الشّخصيّة، وكلّ ما عليك فعله هو أن تسأل. بذٰلك، ستحصل على فوائد كبيرةٍ في بناء علاقاتٍ قويّةٍ، ممّا يجعلك أكثر قبولاً ويساعدك أيضاً على تأسيس علاقةٍ حقيقيّةٍ مبنيّةٍ على الاهتمام المتبادل.