عام جديد، قرارات جديدة: بين البدء، التوقف، والاستمرار
يتطلّب التّخطيط الذكي مراجعةً شاملةً للأهداف والاستراتيجيّات، ممّا يضمن اتّخاذ قراراتٍ تصنع الفارق في المستقبل

كما يُروى أنّ الفيلسوف الرّومانيّ لوشيوس آنايوس سينكا قال يوماً: "كلّ بدايةٍ جديدةٍ تنبع من نهاية بدايةٍ أخرى". يمثّل بزوغ العام الجديد فرصةً طبيعيّةً للتّجديد، تُتيح لنا فرصةً ثمينةً للتّأمّل في الإنجازات الّتي تحقّقت في الماضي، وإعادة ترتيب الأولويّات، وتحديد ملامح المستقبل. بالنّسبة للقادة، فإنّ هذه الفترة ليست مجرّد تغييرٍ زمنيٍّ، بل هي لحظةٌ لإعادة التّأكيد على الالتزام وإعادة تصوّر الطّرق الّتي يمكن أن تساهم في دفع منظّماتهم نحو النّجاح.
ومن بين التّمارين الفكريّة القويّة في هذا الموسم، يأتي السّؤال المحوريّ: ما الّذي ينبغي أن نبدأ به، وما الّذي يجب أن نتوقّف عنه، وما الّذي يجب أن نستمرّ في تحسينه خلال الأشهر القادمة؟ وفيما يلي بعض الأفكار المستمدّة من حواراتنا مع مؤسّساتٍ من مختلف الأحجام:
ابدأ: اعتنق القرارات المعتمدة على البيانات
تعتمد القيادة الفعّالة على الرّؤى القابلة للتّطبيق، فمن خلال منح الأولويّة لاتّخاذ القرارات المبنّية على البيانات، يستطيع القادة مواءمة استراتيجيّاتهم مع الأهداف الشّاملة، ممّا يضمن استعدادهم لمواجهة التّحدّيات واغتنام الفرص في آنٍ واحدٍ. وقد أكّدت الأبحاث على أهمّيّة هذا النّهج، إذ أشارت دراسةٌ نشرت في "مجلّة تطوير الإدارة" (Journal of Management Development The) إلى أنّ القيادة المبنّية على البيانات تجمع بين المهارات الموجّهة نحو إنجاز المهامّ والقدرات التّحليليّة، ممّا يمكّن القادة من اتّخاذ قراراتٍ مستنيرةٍ تُعزّز نجاح المنظّمة. كما أظهرت دراسةٌ أخرى في "مجلّة العلوم الإداريّة" (Review of Managerial Science) إنّ التّركيز الإستراتيجيّ على تحليلات الأعمال يدعم ثقافة اتّخاذ القرار التّحليليّ، ممّا يعزّز الاستخدام الأمثل للبيانات في كلّ مرحلةٍ من مراحل العمليّة.
طرقٌ عمليّةٌ للاستفادة من البيانات في العام الجديد
- تطبيق لوحات معلوماتٍ ماليٍّ لإنشاء تتبّعٍ بصريٍّ لمؤشرات الأداء الرّئيسيّ.
- مراجعة توقّعات التّدفّق النّقديّ بشكلٍ دوريٍّ لتحديد الاتّجاهات والفرص الّتي يمكن استغلالها للتّحسين.
- دمج التّخطيط وفق السّيناريّوهات لتقييم المخاطر المحتملة والاستعداد لنتائج متنوّعةٍ.
من خلال دمج البيانات في صميم عمليّات اتّخاذ القرار، يمكن للقادة الانتقال من استراتيجيّاتٍ تفاعليّةٍ إلى استباقيّةٍ، ممّا يضمن تحقيق نجاحٍ مستدامٍ على المدى البعيد.
توقّف: عدم الرّضا بالأنظمة غير الفعّالة
يمكن أن تؤدّي العمليّات القديمة وسير العمل اليدويّ إلى عرقلة النّموّ، واستنزاف الموارد، وتقليل قدرة المنظّمة على التّوسّع. لذلك، يصبح من الضّروريّ على القادة تحديد وإزالة نقاط الضّعف الّتي تحول دون الكفاءة، لتحرير الوقت والموارد وتركيزها على الأنشطة ذات القيمة المضافة.
إنّ مواءمة الاستراتيجيّات الماليّة مع أهداف العمل تعتبر عنصراً حاسماً لنجاح أيّ منظّمةٍ، فقد أكّد مقالٌ نشر في مدونة "الرؤى الحسابيّة" (Accounting Insights) أنّ تحقيق التّوافق بين الاستراتيجيّة الماليّة وأهداف العمل يعدّ أمراً أساسيّاً لضمان نموٍّ مستدامٍ وربحيّةٍ مستمرّةٍ. كما تناولت مقالةٌ أخرى في "مجلّة العلوم الأكاديميّة" (The Journal of Academic Science) كيفيّة توافق نماذج الأعمال الصّديقة للبيئة مع الأداء الماليّ والأهداف البيئيّة، ممّا يبرز الحاجة إلى أنظمةٍ فعّالةٍ تدعم الرّبحيّة والمسؤوليّة البيئيّة معاً.
خطواتٌ عمليّةٌ لتحديث الأنظمة
- الانتقال من جداول البيانات إلى منصّات إدارةٍ ماليّةٍ متكاملةٍ.
- أتمتة المهامّ الرّوتينيّة مثل إصدار الفواتير، وتتبّع النّفقات، وإعداد التّقارير الماليّة.
- بسّط عمليّات الموافقة وأزل الإجراءات غير الضّروريّة وغير الضّروريّ.
إنّ التّخلّي عن الأنظمة القديمة لا يوفّر الوقت فحسب، بل يمكّن الفرق أيضاً من التّركيز على الابتكار وتطوير الاستراتيجيّات المستقبليّة.
استمرّ: مواءمة الاستراتيجيّات الماليّة مع أهداف العمل
يعدّ ضمان توافق الاستراتيجيّات الماليّة مع الأهداف التّنظيميّة الشّاملة أحد الرّكائز الأساسيّة للقيادة المؤثّرة، حيث يتيح هذا التّوافق لكلّ دولارٍ أن يعمل في خدمة تحقيق نتائج ملموسةٍ، فعمليّة المواءمة الإستراتيجيّة تضمن أن تكون بنية المنظّمة واستخدام الموارد موجّهين بشكلٍ دقيقٍ لدعم استراتيجيّتها.
وفقاً لمقالٍ نشرته "دار نشر هارفارد للأعمال" (Harvard Business Publishing)، لتحقيق تنفيذٍ ناجحٍ لاستراتيجيّةٍ جديدةٍ في ظلّ مشهد الأعمال سريع التّغيّر، يجب على المنظّمات تسريع وتيرة بناء التّوافق الحاسم على مستوى القيادة العليا وتولّي المسؤوليّة تجاه رؤية الاستراتيجيّة وأهدافها ونهجها في التّغيّير.
للحفاظ على هذا التّركيز
- إجراء جلساتٍ استراتيجيّةٍ منتظمةٍ لمواءمة الأولويّات الماليّة والتّشغيليّة.
- إعادة النّظر في الميزانيّات والتّوقّعات بشكلٍ دوريٍّ لضمان مواكبتها للأهداف المتطوّرة.
- نقل الرّؤى الماليّة بوضوحٍ إلى أصحاب المصالح لتعزيز التّعاون وتحقيق المساءلة.
عندما تتواءم الاستراتيجيّات الماليّة بعنايةٍ مع أهداف العمل، تكون المنظّمة في موقعٍ متقدّمٍ لتحقيق نموٍّ مستدامٍ وبناء مرونةٍ قويّةٍ.
ابدأ من جديدٍ بنيّةٍ واضحةٍ
مع بزوغ العام الجديد، تحدّى نفسك وفريقك لتقييم الأمور الّتي يجب أن تبدأ وتستمرّ في تحسينها لتحقيق أهدافكم المنشودة، وقم بهذه العمليّة بوضوحٍ ونيّةٍ صادقةٍ، فالرّؤى الّتي ستستخلصها يمكن أن تؤثّر بشكلٍ كبيرٍ على الصّحّة الماليّة والمسار المستقبليّ لمنظّمتك.
فما الّذي ستبدأ به من جديدٍ هذا العام؟ إنّ اتّخاذ تلك الخطوة الأولى بنيّةٍ واضحةٍ يضع الأساس لعامٍ يتسمّ بالنّموّ والابتكار والتّقدّم الملموس. بهذا، تتيح لكم بداية العام فرصةً لإعادة رسم خارطة الطّريق، وتحويل التّحدّيات إلى فرصٍ، وتأكيد أنّ كلّ خطوةٍ تخطوها تحمل في طيّاتها نواة النّجاح والتّميّز.