لماذا تعيق الأحكام السّريعة التّواصل الفعّال مع الآخرين؟
التّحرر من الأحكام السّطحية يساعد في استكشاف أبعادٍ جديدةٍ للشّخصيات من حولنا، ويعزّز فهماً أعمق لحياتهم وتحدياتهم
يصدر البشر أحكاماً فوريّةً حول الآخرين بشكلٍ مستمرٍّ دون وعيٍ، حيث أظهرت الدّراسات أنّنا نكوّن آراءً حول شخصيّة الآخرين ومدى مصداقيّتهم وذكائهم في غضون 100 ملّي ثانيةٍ، وهو وقتٌ قصيرٌ لدرجةٍ أنّه أقلّ من غمضة عينٍ. فهذه القدرة التّلقائيّة تساعدنا في التّعرّف على ملامح الأشخاص من حولنا بسرعةٍ، لكنّها تحمل مخاطر في إعاقة بناء روابط حقيقيّةٍ معهم.
فعندما نقابل شخصاً لأوّل مرّةٍ، سواءً كان ذلك عبر مكالمة فيديو، أو في مقابلة عملٍ، نصدر غالباً حكماً سريعاً يعتمد على تصوّراتنا المحدودة، وهذا قد يكون سبباً في عدم فهمنا الكامل لهذا الشّخص. وفي كثيرٍ من الأحيان، تعتمد هذه الأحكام على مظهرهم الخارجيّ أو طريقة حديثهم، دون الغوص في عمق شخصيّاتهم أو خلفيّاتهم. إذ تعدّ هذه الانطباعات الأوّليّة طبيعيّةٌ، لكنّها قد تؤدّي في كثيرٍ من الأحيان إلى سوء فهمٍ، فتجعلنا نفوّت فرصاً للتّواصل والتّعاون. والسؤال هنا..
كيف نتجاوز الأحكام السّريعة؟
يمكننا الابتعاد عن هذه الأحكام السّريعة من خلال تبنّي التّعاطف كوسيلةٍ لفهم الآخرين بشكلٍ أعمق. فالتّعاطف يعني ببساطةٍ أن نضع أنفسنا مكان الشّخص الآخر ونحاول رؤية الأمور من منظوره. إذ تخرجنا هذه العمليّة من إطار تفكيرنا الشّخصيّ، وتجعلنا ندرك أنّ خلف كلّ شخصٍ نقابله يوجد قصصٌ وتحدّياتٌ وتجارب فريدةٌ، وأنّه من غير العدل أن نختزل الآخرين في انطباعاتٍ سطحيّةٍ.
فبدلاً من أن نصدر حكماً على شخصٍ دون معرفة تاريخه أو الظّروف الّتي مرّ بها، يمكننا عبر التّعاطف أن ننظر إلى الأمور بمنظورٍ أوسع. وعلى سبيل المثال، ربّما يكون للشّخص أولويّاتٌ وقيمٌ تختلف عن أولويّاتنا، وقد تكون تحدّياته في الحياة هي ما شكّلت شخصيّته. والتّعاطف هنا يسمح لنا بتقدير هذا التّنوّع بدلاً من مقاومته، وبذلك نكوّن فهماً أعمق تجاه الآخرين.
ما أهمّيّة فهم قصص الآخرين؟
لكلّ شخصٍ قصّةٌ خاصّةٌ به، مليئةٌ بالتّحدّيات والنّجاحات، وهذه القصص تؤثّر على طريقة رؤيته للحياة وتصرّفاته. عندما نتوقّف عن الأحكام السّطحيّة، ونحاول معرفة خلفيّات الآخرين، نفهم أنّ دوافعهم وأفعالهم ليست عشوائيّةً، بل تأتي من تجارب عميقةٍ وملهمةٍ. وإدراك هذا يجعلنا نمتلك عقليّةً أكثر مرونةً وتقبّلاً للآخر، ويعزّز من قدرتنا على بناء علاقاتٍ قويّةٍ ومستدامةٍ.
فإذا وجدت نفسك تميل للحكم على شخصٍ ما، اسأل نفسك: "هل أفهم هذا الشّخص بشكلٍ كافٍ؟ هل من الممكن أن تكون له قصصٌ وتجارب لا أعرفها؟" إنّ هذا التّساؤل البسيط يمكن أن يفتح باباً لتطوير تعاطفك وزيادة تفهّمك للآخرين، بل وقد يجعلك تراجع حكمك.
كيف يمكن للتّعاطف أن يقود إلى علاقاتٍ أعمق وأقوى؟
عندما نبذل جهداً لتجاوز الأحكام السّريعة، وننفتح على قصص الآخرين، نصبح أكثر قدرةً على بناء علاقاتٍ مليئةٍ بالثّقة والاحترام. إذ يجعلنا التّعاطف نشعر بقيمة الآخرين، ويساعدنا في تفهّم احتياجاتهم ومشاعرهم، وبذلك نبني أسساً قويّةً للعلاقات. فعندما ننظر إلى الآخرين كأفرادٍ يحملون مشاعر واهتماماتٍ مشروعةٍ، نساهم في خلق بيئةٍ أكثر شمولاً وإنسانيّةً، حيث يشعر الجميع بأنّهم موضع تقديرٍ واحترامٍ.
وأخيراً، على الرّغم من أنّ مقاومة الأحكام السّريعة قد تكون تحدّياً، إلّا أنّها خطوةٌ ضروريّةٌ نحو تحسين علاقاتنا وفهمنا للآخرين. بالتّعاطف، نصبح قادرين على رؤية العالم من خلال عيون الآخرين، فنصبح أكثر وعياً بفهم مشاعرهم وتجاربهم، ونخلق عالماً يشعر فيه الجميع بأنّهم مسموعون ومقدّرون.