تجاوز الإرث: كيف يمكن للعلامات التجارية إعادة ابتكار نفسها؟
إعادة ابتكار العلامة التّجاريّة ليس مجرد ترف، بل ضرورةً للبقاء والتّفوّق في السّوق. كيف يمكن للشّركات تجاوز إرثها والتكيّف مع المتغيّرات الحديثة؟
واجهت ليزا ماري بريسلي، ابنة أسطورة الموسيقى الأمريكيّة إلفيس بريسلي، حياةً مليئةً بالتّحدّيات؛ تحدّياتٌ لا تقلّ أهمّيّةً عن تلك الّتي تواجهها العلامات التّجاريّة في سعيها لتحقيق النّجاح والاستدامة. ومن خلال دراسة تجربتها، يمكن لأصحاب المشاريع والعلامات التّجاريّة استقاء العديد من الدّروس حول كيفيّة بناء إرثٍ قويٍّ ومستدامٍ.
فخّ الهويّة: كيف يمكن للعلامات التّجاريّة أن تتجاوزه؟
في الوقت الحالي، لا تختلف الشّخصيّات العامّة كثيراً عن العلامات التّجاريّة. نحن نشاهد نجوماً مثل تايلور سويفت وكريستيانو رونالدو يبنون هويّةً قويّةً جذّابةً، محاطين بملايين المتابعين المخلصين. كذلك تسعى العلامات التّجاريّة للوصول إلى نفس المستوى من الهويّة القويّة، ولكنّ يكمن التّحدّي في أن لا تتحوّل هذه الهويّة إلى قيدٍ يعيق التّطوّر.
واجهت ليزا هذا التّحدّي منذ ولادتها، فقد ورثت هويّةً كبيرةً وثقيلةً من والدها. إذ كانت تشبهه إلى حدٍّ كبيرٍ، ممّا جعلها تجد صعوبةً في بناء صورةٍ شخصيّةٍ مستقلّةٍ بعيداً عن إرثه الضّخم. كما عبّرت ليزا عن ذلك في سيرتها الذّاتيّة "من هنا إلى المجهول العظيم" (From Here to the Great Unknown) حيث ذكرت أنّها "لم تتح لها فرصةٌ كافيةٌ لاكتشاف هويّتها الخاصّة".
وبالنّسبة للشّركات، يمثّل هذا "فخّ الهويّة" تحدّياً مشابهاً؛ فبعض الشّركات تجد نفسها مقيّدةً بهويّتها السّابقة لدرجةٍ تمنعها من التّجديد. إذا كنت قائداً في شركةٍ أو حتّى في مجال عملٍ معيّنٍ، تذكّر أنّ الحفاظ على الإرث لا يعني الثّبات على هويّةٍ واحدةٍ، بل استكشاف أبعادٍ جديدةٍ ومبتكرةٍ.
وتجد الكثير من الشّركات نفسها عالقةً في تكرار ما قامت به من قبل، فلا تسعى لتغيير صورتها أو منتجاتها. قد يؤدّي الاعتماد المفرط على الإرث إلى تجميد التّطوّر، ويجعل الشّركة تفقد الاتّصال بتوجّهات السّوق الحديثة.
وعلى سبيل المثال، "توبروير" (Tupperware) - العلامة التّجاريّة الشّهيرة في مجال أدوات المطبخ - الّتي كانت في يومٍ ما رائدةً في السّوق، اضطرّت مؤخّراً إلى إعلان إفلاسها نتيجة تراجعها عن مواكبة تغيّرات السّوق واحتياجات العملاء. وتعتبر تجربة ليزا درساً جيّداً للشّركات النّاشئة والشّركات التّقليديّة، حول كيفيّة تفادي السّقوط في فخّ الهويّة والانغلاق على الإرث بدون تجديدٍ.
التّوازن بين الإرث والتّجديد
إعادة ابتكار الهويّة ليست حكراً على المشاهير، بل هي ضرورةٌ للشّركات. خاصّةً وأنّ أعمار الشّركات باتت أقلّ ممّا كانت عليه في الماضي؛ إذ تراجعت فترة حياة الشّركات من 60 عاماً في السّتّينات إلى 18 عاماً فقط. الأمر الذي يعكس مدى أهمّيّة التّطوير المستمرّ للتّكيّف مع تغيّرات السّوق.
فشركة"ليجو" (LEGO) تمثّل نموذجاً ناجحاً في هذا المجال؛ فقد واجهت الشّركة في بداية الألفينيّات أزمةً كبرى، ولكنّها تمكّنت من التّحوّل من خلال التّعاون مع علاماتٍ تجاريّةٍ مثل "ستار وورز" (Star Wars) و"هاري بوتر" (Harry Potter)، وتطوير منتجاتٍ مبتكرةٍ تلبّي احتياجات الجيل الجديد، ممّا أعاد لها مكانتها في السّوق. واليوم، تستمرّ ليجو في الابتكار، وتعمل على استبدال قوالبها البلاستيكيّة بموادٍّ صديقةٍ للبيئة.
كذلك، نجد شركاتٍ عائليّةً كبرى مثل "إستي لودر" (Estée Lauder) و"وول مارت" (Walmart) توازن بين الإرث والتّجديد، ممّا ساهم في بقائها قويّةً ومرنةً في السّوق. والكثير من الشركات التي تحافظ على هذا التوازن لضمان النّجاح المستدام.
يظهر إرث المغنية ليزا لنا أنّ الإنسان يمكنه الجمع بين احترام الإرث وتطوير الذّات. فقد استندت إلى تراث والدها الموسيقيّ، ولكنّها عملت أيضاً على تحقيق نجاحاتٍ خاصّةٍ بها، مثل إصدار ألبومها الخاصّ. ويعتبر هذا مثالاً على كيفيّة الموازنة بين الإرث العائليّ والسّعي إلى تحقيق هويّةٍ مستقلّةٍ.
والنّقطة الأهمّ الّتي تؤكد عليها ليزا هي أن نعلم أنّ نجاح الشّركات والأفراد لا يعتمد فقط على ما حقّقوه في الماضي، بل على كيفيّة تفاعلهم مع المستقبل. فالإرث هو أساسٌ قويٌّ يمكن الانطلاق منه، لكنّ الثّبات عليه قد يحدّ من قدرتك على التّطوّر ومواكبة السّوق. لا تجعل الإرث يقيّدك؛ بل استند إليه، وكن على استعدادٍ دائمٍ لإعادة صياغة الهويّة إذا تطلّب الأمر.
سواءً كنت تدير شركةً صغيرةً، أو مؤسّسةً عائليّةً، أو فريق عملٍ، فإنّ التّحدّي يكمن في احترام إرثك، دون أن تصبح أسيراً له، بل بقدرتك على التّجديد والابتكار ليظلّ اسمك قويّاً في السّوق، ويظلّ إرثك مصدر إلهامٍ للآخرين.