بين الإغراء والقيم: هل يستحق التمويل الخارجي التضحية؟

إنَّ اتّخاذ قرارٍ بقبول تمويلٍ من مستثمرين خارجييّن قد يبدو، للوهلة الأولى، خياراً مغرياً، خاصَّةً عندما يكون هذا التمويل مفتاحاً للنّموّ السّريع وتخفيف الضّغط الماليّ. لكن، قد يأتي هذا الخيار بثمنٍ كبيرٍ، فقد يُطلب منك التّنازل عن رؤيتِك الأساسيَّة، وقيمك التّنظيميَّة، وحتَّى ثقافة شركتك. وهنا يكمن التّحدّي الحقيقيّ؛ هل تستحقُّ الأموال القادمة من المستثمرين التّضحيّة بما تؤمن به؟

يجد العديد من روّاد الأعمال وأصحاب الشّركات النّاشئة أنفسهم أمام هذا التّحدي المُعقّد، فبعد استثمار سنواتٍ من العمل الشّاق والمال الخاصّ، ومع تصاعد ضغوط تحقيق النّجاح السّريع، يُصبح عرض التّمويل الخارجيّ مغريّاً للغاية، إلّا أنّ هذا الخيار قد يكلّفهم ثمناً باهظاً إذا كان يعني التّخلّي عن المبادئ الأساسيّة الّتي قامت عليها شركتهم.

التوازن بين المال والقيم

يتطلَّب اتّخاذ هذا النّوع من القرارات وضوحاً تاماً في الرّؤية وفهماً عميقاً للأولويّات، فكيف تستطيع الموازنة بين الرّغبة في تحقيق النّموِّ السّريع والحفاظ على قيمك ورؤيتك؟ عندما تكون متمسّكاً بمبادئك، وتفهم ما هو غير قابلٍ للتّفاوض، فإنَّ هذه القرارات تُصبح أسهل.

ووفقاً لفلسفة "أماري" (Amare Way) الّتي تعتمد على الحبّ في إدارة الأعمال، تتكوَّن القيّادة من تبنّي مبادئ مُوجّهةٍ تُساعد على اتّخاذ قراراتٍ صعبةٍ، إذ توفّر هذه المبادئُ  إطاراً واضحاً للحفاظ على التّوازن بين تحقيق النّموّ والحفاظ على القيم الأساسيَّة للشّركة.

ما الذي يحافظ على رؤيتك وقيمك؟

قبل أن تبدأ في اتّخاذ قرارٍ حول قبول التّمويّل من المستثمرين، اسأل نفسك الأسئلة التّاليّة:

1. هل رؤيتك واضحةٌ؟ هل تعرفُ تماماً ماذا تُريد لشركتك؟ هل لديك فهمٌ واضحٌ للقيم الّتي لا ترغب في التّنازل عنها؟
2. ما هي المبادئ الّتي تعتمد عليها في اتّخاذ قراراتك الصّعبة؟ يجب أن تكون لديك مجموعةٌ من المبادئ الثّابتة التّي تُساعدك على اتّخاذ القرارات، سواء كانت ماليَّةً أو غيرها.
3. كيف تظلُّ مُخلصاً لرؤيتك عندما تُواجه إغراءاتٍ قد تخرجك عن مسارك؟ قد يكون من السّهل الانحراف عن المسار عندما تكون العروض الماليّة مغريّةً، لكن التّمسُّك بالقيم هو الّذي يُحافظ على الهويَّة الحقيقيّة لشركتك.

7 خطوات من فلسفة "أماري" لاتخاذ قراراتٍ ماليَّةٍ كبيرةٍ

تتضمن فلسفة أماري لاتخاذ القرارات الماليَّة الخطوات التّالية:

1. التزم بالمبادئ الأساسيَّة: يجب أن تكون لديك مبادئٌ واضحةٌ وغير قابلةٍ للتّنازل، وأن تكون صريحاً بشأنها مع نفسك وفريقك والمستثمرين  المُحتملين، فأظهر لهم أنَّك تُفكّر في المدى الطّويل، ولا تسعى فقط لتحقيق مكاسب قصيرة المدى. على سبيل المثال، في رسالته الأولى للمُساهمين في أمازون عام 1997، عبَّر جيف بيزوس عن التزامه برؤيةٍ طويلة الأمد للشّركة، حتَّى لو كانت تعني التّخلّي عن الأرباح السّريعة.

2. كن واقعيّاً وحذراً: يجب أن تفهم أنَّ المستثمرين غالباً ما يضعون مصالحهم الماليَّة في المقام الأول، فلا تتجاهل ذلك، ولا تفترض أنَّ استثمارهم سيعني بالضّرورة التزامهم بقيم شركتك.

3. تدرَّب على اتّخاذ القرار في أوقات الهدوء: قبل أن تقف في مواجهة قراراتٍ ماليَّةٍ كبيرةٍ، تصوَّر كلَّ السّيناريوهات الممّكنة وأنت في حالة هدوءٍ، وفكّر فيما يعنيه قبول التّمويّل أو رفضه، وادرس النّتائج المُتوقّعة لكلّ سيناريو، ممّا سيعدُّك للوقوف بثباتٍ في الأوقات العصيبة.

4. اختبر التحدّيات بعقلانيَّةٍ: ضع نفسك تحت اختبارٍ داخليٍّ، فاطلب من أشخاصٍ تثق بهم أن يطرحوا عليك سيناريوهاتٍ افتراضيَّةً مغريّةً. هل تستطيع الحفاظ على قيمك في تلك الحالات؟ بعدها، يمكنك الانتقال إلى التفاوض الحقيقيّ مع مستثمرين لمعرفة قدرتك على اتّخاذ قراراتٍ مبنيَّةٍ على القيم.

5. راقب الانحرافات الطّفيفة: قد تبدأُ التّنازلات صغيرةً، ولكن احذر من أنَّها قد تتفاقم، فإذا وجدت نفسك مُستعدّاً للتّنازل عن قيمٍ بسيطةٍ، قد يكون ذلك إشارةً أنّك في طريقك لتنازلاتٍ أكبر، فتمسَّك بمبادئك مهما كانت الإغراءات.

6. طابق قيمك مع أفعالك: تأكَّد من أنَّ ما تقوله لفريقك يتطابق مع ما تفعله، فإذا شعرت بأيّ تضاربٍ بين قيمك وأفعالك، خُذ وقتك للتّفكير في الأمور قبل اتّخاذ أيّ خطّوةٍ.

7. اعمل دون تعلُّقٍ بالنّتائج: كُن طموحاً واسعاً لتحقيق النّجاح الكبير، ولكن لا تربط نفسك بالنّتيجة النّهائيَّة، فقم بما يمكنك فعله على أفضل وجهٍ، واعلم أنَّ هناك عوامل عديدةً خارجةً عن سيطرتك تُؤثّر في النّتائج.

عندما يُعرض عليك تمويّلٌ كبيرٌ، قد يكون من السّهل التّنازل عن بعض القيم لتبرير اتّخاذ القرار، ولكن القادة العظماء هم الّذين يلتزمون بمبادئهم مهما كانت الظّروف، فاتّخاذ قراراتٍ ماليَّةٍ كبيرةٍ بناءً على مجموعةٍ ثابتةٍ من المبادئ يساعدك في أن تكون أكثر استقراراً وهدفاً في مسيرتك. في نهاية المطاف، النّجاح الّذي يأتي مع الحفاظ على القيم الأساسيَّة هو النّجاح الحقيقيُّ المستدام.