كيف تتخلّص من شعورك بالوحدة والعزلة في مكان العمل؟
الشركات تستخدم التجمعات الاجتماعية والتقنيات الرقمية لتعزيز الروابط بين الموظفين، مما يحسن الإنتاجية والرضا الوظيفي، فما دورك أنت؟
تجتمعُ الإدارةُ التنفيذيةُ لشركةِ تطبيقاتِ المواعدةِ "Hinge" مرّتينِ في الشّهرِ لعقدِ اجتماعٍ للفريقِ. ولكن بدلاً من الانغماسِ في مناقشاتٍ حول المؤشّراتِ أو الإيراداتِ، يبدأونَ ببساطةٍ بالتحدّثِ عن مشاعرِهم.
خلالَ أولِ ثلاثينَ دقيقةٍ من الاجتماعِ الذي يستمرُّ ساعتينِ، يكشفُ هؤلاءِ الزملاءُ عن آمالِهم ومخاوفِهم وما يقلقُهم وما يشعرونَ بالامتنانِ له وما يشعرونَ به بصدقٍ. حتى في شركةٍ تركّزُ على ربطِ النّاسِ، يتطلّبُ بناءُ علاقاتٍ حقيقيةٍ في مكانِ العملِ جهداً كبيراً، كما أوضحَ المديرُ التنفيذيُّ لشركةِ "Hinge"، جاستن مكلويد، للجمهورِ في مؤتمرِ "ساوث باي ساوثويست" (South by Southwest) في وقتٍ سابقٍ من هذا العامِ. كان يشاركُ في العرضِ التّقديميِّ مع آن شوكيت، التي تتبنّى مبادرةً لمكافحةِ الوحدةِ في مكانِ العملِ تحتَ عنوانِ "10 دقائقٍ للتواصلِ" (10 Minutes to Togetherness).
في الوقتِ الذي تتعاملُ فيه الولاياتُ المتحدةُ مع ما وصفهُ الجرّاحُ العامُّ فيفيك مورثي العامَ الماضيَ بأنَّهُ وباءُ الوحدةِ، يحاولُ أربابُ العملِ والموظفونَ في جميعِ أنحاءِ البلادِ معالجةَ ما يشكّلُ بالنسبةِ للعديدِ من النّاسِ قلّة الصّداقاتِ الحقيقيةِ في العملِ.
اجتماعاتٌ عن بُعدٍ لرؤوسٍ صغيرةٍ في مربعات
مشكلةُ الوحدةِ كانت تتزايدُ منذُ عقودٍ؛ وثّقَها روبرت د. بوتنام في كتابهِ الرائدِ "البولينجُ بمفردهِ" (Bowling Alone) قبلَ ما يقربُ من ربعِ قرنٍ. العملُ عن بُعدٍ زادَ من حدّةِ المشكلةِ، سواءً بالنسبةِ للمنفتحينَ أو الانطوائيينَ، كما يقولُ خبيرُ القيادةِ مايكل بونجاي ستانيير، مؤلّفُ كتابِ "كيفَ تعملُ مع (تقريباً) أيِّ شخصٍ" (How to Work with (Almost) Anyone).
يقولُ بونجاي ستانيير: "لدى النّاسِ رغبةٌ في أن يُروا ويُسمعوا"، ولكن في المكالماتِ عبرَ الفيديو، يبدأُ الجميعُ بالعملِ مباشرةً دونَ التّفاعلِ الطّبيعيِّ وغيرِ الرسميِّ الذي يحدثُ في غرفةٍ حقيقيةٍ. هذا يحوّل النّاسَ إلى "رؤوسٍ صغيرةٍ في مربعاتٍ".
من الصّعبِ الحديثُ عن نقصِ الصّداقةِ في العملِ "لأنَّهُ يبدو أمراً مخجلاً نأبى أن نعترفَ به"، كما يقولُ بونجاي ستانيير. ولكنّ عملاءَهُ بدأوا يتحدّثونَ عن هذا الموضوعِ.
على الرّغمِ من الحرجِ المحتملِ، فإنَّ هذه المحادثاتِ تستحقُّ الاهتمامَ، وفقاً لأستاذةِ علمِ النفسِ لوري سانتوس، الّتي أنشأت الدّورةَ الشّهيرةَ في جامعةِ ييل بعنوانِ "علمِ الرفاهيةِ" (The Science of Well Being).
الصّداقةُ في العملِ جيدةٌ لأربابِ العملِ، أيضاً
في عرضِها التقديميِّ في "ساوث باي ساوثويست" في وقتٍ سابقٍ من هذا العامِ، استشهدت سانتوس بأبحاثٍ أظهرت أنَّ الصداقاتِ في مكانِ العملِ والشعورَ بالانتماءِ أساسيانِ لسعادةِ الموظفينَ ونجاحِ الشركاتِ.
تقولُ سانتوس: "نفترضُ أنَّ الصداقاتِ في العملِ هي شيءٌ لطيفٌ، ولكنّه غيرُ ضروريٍّ". ولكن "ربما أحدُ الأسبابِ التي تجعلُنا جميعاً غيرَ متفاعلينَ في العملِ، وربما أحدُ الأسبابِ التي تجعلُ 'الاستقالةَ الصامتةَ' (quiet quitting) تبدو مغريةً، هو أنَّنا لا نستثمرُ فعلياً في الشّيءِ الذي قد يكونُ الأكثرَ أهميةً لسعادتِنا في العملِ، وهو ارتباطُنا بالآخرينَ".
مساحاتٌ جديدةٌ، برامجُ جديدةٌ و"تصادماتٌ غيرُ مقصودةٍ"
بعضُ الشّركاتِ الكبيرةِ بدأت تولي اهتماماً أكبرَ لصحةِ الموظفينَ قبلَ فترةٍ طويلةٍ من الجائحةِ، وغالباً ما تركّزُ على الجوانبِ البدنيةِ: إضافةُ صالةٍ رياضيةٍ إلى المبنى المكتبيِّ أو تقديمُ طعامٍ صحيٍّ أكثرَ في الكافتيريا.
اليومَ، المزيدُ من أربابِ العملِ "لا يكتفونَ فقط بوضعِ علاماتٍ في المربّعاتِ، بل يبحثونَ فعليّاً عن طرقٍ لتعزيزِ صحّةِ النّاسِ ورفاهيتِهم"، وتركّزُ على جلبِ نهجِ الضيافةِ إلى المساحاتِ التجاريةِ، كما تقولُ سوزان هايدلبرجر، التي قادت فرقاً لإدارةِ الممتلكاتِ العقاريةِ لشركاتٍ عالميةٍ مثل أمريكان إكسبريس (American Express) وفيديليتي للاستثمارات (Fidelity Investments).
على سبيلِ المثالِ، قد يقومُ أربابُ العملِ بـ:
- إعادةِ التفكيرِ في المساحاتِ الفيزيائيةِ مع مراعاةِ العلاقاتِ. بعضُ الشّركاتِ تضيفُ سلالمَ، ليس فقط لمساعدةِ الناسِ على زيادةِ عددِ خطواتِهم، بل لتشجيعِ "التصادماتِ غيرِ المقصودةِ" التي يمكنُ أن تؤديَ إلى علاقاتٍ جيدةٍ. بعضُهم يحاولُ تحويلَ الأسطحِ الخضراءِ - الّتي تمَّ إنشاؤها لتكونَ صديقةً للبيئةِ - إلى أماكنَ تجمّعٍ.
- إنشاءِ مجموعاتٍ وفعالياتٍ لمساعدةِ الموظفينَ في العثورِ على أصدقاءَ يشاركونَهم اهتماماتِهم. "قد يكونُ حتى شيئاً طريفاً، مثل اجتماعٍ اجتماعيٍّ لعشاقِ الكلابِ، حيث سنتعلمُ كيفيةَ صنعِ آيس كريمٍ صحيٍّ لكلابِكم"، تقولُ هايدلبرجر.
- تقديمِ تجمّعاتٍ عبرَ الإنترنتِ أيضاً. خلالَ الجائحةِ، قدّمت أمريكان إكسبريس دروسَ طبخٍ عبرَ الإنترنتِ ساعدت الموظفينَ على الشّعورِ بالتواصل، وعرّفتهم على زملائهم.
ما يمكنُ أن يفعلهُ الموظفونَ
يبحث الموظفونَ أيضاً عن إجاباتٍ بأنفسِهم، هذا ما لاحظه المدربُ التنفيذيُّ دانيال بوسكالون، مؤسسُ أكاديميةِ العلاقاتِ الصحيةِ (Healthy Relationship Academy)، التي تساعدُ المنظماتِ في بناءِ بيئاتِ عملٍ أفضلَ. ويقول: ليس الأمرُ سهلاً دائماً؛ فعلى الرغمِ من أنَّ الناسَ يتوقونَ للعلاقاتِ، إلا أنّ الكثيرَ منهم يفتقرونَ إلى مهاراتِ تواصلٍ قويةٍ.
شاهد أيضاً: كيفَ تستخدم الذكاء العاطفي لتهدئة الزبون الغاضب؟
"عندما تلتقي بشخصٍ لديهِ مهاراتُ تواصلٍ جيدةٍ، غالباً ما يبدو الأمرُ كالسّحرِ"، يقولُ بوسكالون. "النّاسُ ينفتحونَ، يبدأونَ بالتّحدثِ، يشعرونَ بالرّاحةِ. ثم، أحياناً، يصابونَ بما يسمى 'صداع الإفصاحِ'، حيث يشعرونَ بأنهم كانوا منفتحينَ للغاية. 'ماذا حدثَ للتو؟'... فهم غير معتادينَ على ذلك".
أحدُ المفاتيحِ، كما يقولُ، هو العملُ على تحسينِ الرّفاهيةِ الشّخصيةِ. لا يمكنُ أن يكونَ لديكَ شخصيةٌ للعملِ وأخرى للمنزلِ، فمن تكونُ كشخصٍ، هو ما يظهرُ في كلِّ مكانٍ تتواجدُ فيهِ.
استراتيجيةٌ أخرى، وفقاً لبونجاي ستانيير، هي التّواصلُ مع زملائكِ حولَ كيفيةِ العملِ معاً بشكلٍ أفضلَ قبلَ الشروعِ في مشروعٍ.
"لدينا جميعاً عاداتٌ وتفضيلاتٌ صغيرةٌ"، "ونفترضُ أنَّ ما هو طبيعيٌّ بالنسبةِ لنا طبيعيٌّ للجميع"، يقولُ.
إثارةُ القضايا مسبقاً يساعدكِ على "تجنّبِ إحداثِ تمزّقاتٍ صغيرةٍ في نسيجِ العلاقةِ" وهو ما يمنعُ الناسَ من أن يصبحوا أصدقاءَ، كما يقولُ بونجاي ستانيير.
تلك التّمزقاتُ الحتميةُ تستحقُّ النّقاشَ أيضاً. "العلاقاتُ التي تزدهرُ هي التي يتمُّ إصلاحُها"، يقولُ.
سلّم كلّ صباح
تذكّر أهمية التحيّات اليومية في العمل - حتى لو كانت تجعلك تشعر ببعض الحرج. يقول بونجاي ستانيير إنّ التّحية البسيطة قد تكون بداية نهاية الوحدة.