كيف تُحوِّل القيود إلى دافعٍ للابتكار والإبداع؟
تُظهر قصص النّجاح مثل شخصية ماريو ومبادرات كبرى الشّركات كيف يمكن للقيود أن تكون مفتاحاً لابتكار حلول جديدة ومذهلة
واجه مصمّم ألعاب الفيديو شيغيرو مياموتو تحدّياً كبيراً في عام 1980. إذ كان يسعى لابتكار شخصيّةٍ مميّزةٍ وفريدةٍ للعبةٍ جديدةٍ، ولكنّ قيود الأجهزة والبرمجيّات في ذلك الوقت حدّت من خياراته. لذلك، لجأ مياموتو إلى حلولٍ مبتكرةٍ: حيث أضاف أنفاً كبيراً لجعل الشّخصيّة تبدو أكثر إنسانيّةً، ووضع شارباً لتفادي الحاجة إلى رسم الفم أو التّعبير عن الوجه، وأعطاها قبّعةً لتجنّب تحريك الشّعر أثناء القفز. وأكمل المظهر باستخدام سروالٍ أحمر مميّزٍ وقميصٍ أزرق.
إذن، وما النّتيجة؟ ولدت شخصيّة "ماريو"، أشهر شخصيّةٍ في تاريخ ألعاب الفيديو، الّتي ولدت من رحم التّحدّيات والقيود. لذا، تعلّمنا قصّة مياموتو وماريو درساً مهمّاً في الذّكاء العاطفيّ: القيود، رغم أنّها تبدو معيقةً، إلّا أنّها يمكن أن تكون دافعاً للابتكار إذا غيّرنا طريقة رؤيتنا لها.
العلم وراء القيود والابتكار
تم طرح مفهوم تغيير طريقة رؤيتك للقيود في كتاب "القيود الجميلة: كيف تحول تحدياتك إلى فرص، ولماذا هي قضيّة الجميع" (A Beautiful Constraint: How To Transform Your Limitations Into Advantages, and Why It’s Everyone’s Business) من تأليف آدم مورغان ومارك باردن، مؤسّسي وكالة التّسويق "إيت بيغ فيش" (Eatbigfish). ويؤكّد مورغان وباردن أنّه بينما يراهن الكثيرون على أنّ القيود تقتصر على كونها عائقاً شديداً، فإنّ الحقيقة عكس ذلك تماماً. فالقيود يمكن أن تُحسن عملك، وتجعلك أفضل، وتفتح أمامك فرصاً جديدة.
دعماً لهذه الفكرة، استعرض باحثون من ثلاث جامعاتٍ في عام 2019 ما يقارب 145 دراسةً حول تأثير القيود على الإبداع والابتكار. ووجدوا أنّ القيود المعتدلة، إذا كانت مدروسةً بشكلٍ صحيحٍ، فإنّها في الواقع تكون مفيدةً للفرق والمنظمات الّتي تعمل ضمنها.
على سبيل المثال، يروي الباحثون قصّة جهاز تخطيط القلب (ECG) الّذي طوّرته شركة "جي إي هيلث كير" (GE HealthCare). أُعطي مهندسو الشّركة قائمة قيودٍ صارمةٍ: يجب أن يكون الجهاز يعتمد على تقنيةٍ جديدةٍ، بتكلفة دولارٍ واحدٍ فقط لكلّ مسحٍ، ويعمل بالبطّاريّة ويكون محمولاً. مع ميزانيّةٍ لا تتجاوز 500 ألف دولارٍ ومدّة تطويرٍ 18 شهراً (مقارنةً بـ5.4 مليون دولارٍ لجهازٍ سابقٍ)، وبالطبع تمكّن المهندسون من تحقيق إنجازٍ غير مسبوقٍ.
بنفس الطّريقة الّتي كانت فيها تحديات تكنولوجيّا ألعاب الفيديو في عام 1980 مصدر إلهامٍّ لمياموتو، يعتقد الباحثون أنّ القيود الّتي وُضعت على مهندسي "جي إي" قد قدمت تحديّاً محفزاً أسهمت في تحفيز الابتكار.
تظهر الدّراسات الّتي نُشرت على موقع HBR، عندما تفتقر عمليّة الإبداع إلى القيود، يسود الشّعور بالارتياح الزّائد، ويتّبع النّاس ما يُعرف في علم النّفس بالمسار الأقل مقاومةً. فيختارون الفكرة الأكثر وضوحاً الّتي تخطر في أذهانهم بدلاً من تخصيص الوقت لتطوير أفكارٍ أفضل. لكن مع وجود القيود، توفر تركيزاً وتحدياً إبداعيّاً يحفز الأفراد على البحث عن المعلومات وربطها من مصادر متنوعةٍ لتوليد أفكارٍ جديدةٍ لمنتجاتٍ أو خدماتٍ أو عمليّاتٍ تجاريّةٍ مبتكرةٍ.
وهناك الكثير من الأمثلة الملهمة عن الاستفادة من القيود ومن أبرزها: كانت واجهة محرّك بحث غوغل (Google) بسيطةً جدّاً؛ لأنّها كانت الحدّ الأقصى لما يستطيع المؤسّس لاري بايج تطويره في ذلك الوقت. وقد ساهمت هذه البساطة في جعله أشهر محرّك بحثٍ في العالم.
وكذلك تحب شركة آيكيا (IKEA) مواجهة التّحديات مثل: كيف يمكنك تصميم طاولاتٍ متينةٍ يمكن بيعها بسعر خمسة يوروهاتٍ فقط؟ من خلال إيجاد حلولٍ لمثل هذه المشكلات، أصبحت إيكيا أكبر وأشهر شركة تصنيّع أثاثٍ في العالم.
والسؤال الأهم، كيف يمكنك الاستفادة من القيود لتحقيق أفضل النّتائج؟ يكمن المفتاح في تغيير طريقة رؤيتك للقيود. بدلاً من اعتبارها مجرد عوائقٍ، حاول النّظر إليها على أنّها تحدٍّ يحفّز الإبداع. واستخدمها كوسيلةٍ للتّركيز على أهدافك.
على سبيل المثال، بصفتي صاحب عملٍ ولديّ أربعة أطفالٍ، كنت أجد العطل المدرسيّة عائقاً يمنعني من إنجاز عملي. ولكن مع مرور الوقت، غيّرت نظرتي إلى هذه الأوقات. والآن، أنظّم عملي وأنشطتي في فتراتٍ متقطّعةٍ. عندما يكون الأطفال في إجازةٍ، استغلّ الوقت لأخذ استراحةٍ ذهنيّةٍ وتجديد أفكاري، بالإضافة إلى قضاء وقتٍ ممتعٍ مع العائلة، ممّا يجعلني أكثر إبداعاً عند العودة للعمل.
تحويل القيود إلى فرصٍ
بالطبع، قد تكون ظروفك مختلفةً، لكن يمكنك دائماً أن تسأل نفسك هذه الأسئلة:
- ما الأمور الّتي أستطيع التّحكّم بها، وما الأمور الّتي لا أستطيع؟
- بالتّركيز على ما أستطيع التّحكم فيه، كيف يمكنني تحويل قيدي من عبءٍ إلى فرصةٍ؟
- ما هي الموارد المتاحة لي الّتي لا أستفيد منها حالياً؟ بمعنى آخر، كيف يمكنني تحقيق المزيد ممّا لدي بالفعل؟
كلما طرحت هذه الأسئلة على نفسك بشكلٍ متكررٍ، ستلاحظ أنّك تدريجيّاً تغيّر طريقة تفكيرك. ستبدأ في رؤية القيود ليس كعقباتٍ، بل كفرصٍ جديدةٍ. وفي المرّة القادمة الّتي تشعر فيها بأنّ شيئاً ما يعيقك، اسأل نفسك: كيف يمكنني جعل هذا القيد محفزاً؟ قد تفاجئك النّتائج.