تلقيت بريداً غاضباً؟ إليك كيف تحوّل النّزاع إلى تعاونٍ بنّاء
قد يبدو الردّ بالمثل خياراً سهلاً، لكن اللطف والحزم يمكن أن يكونا أكثر فعالية في نزع فتيل النزاع
من الطبيعيّ أن تتعرض في بيئة العمل لبريدٍ إلكترونيّ مليءٍ بالاتّهامات أو النّقد القاسي. وفي مثل هذه اللحظات، قد تشعر برغبةٍ في الردّ فوراً وبنفس اللّهجة. لكنّ الحقيقة هي أنّ الردّ القاسي يمكن أن يزيد من تعقيد الموقف بدلاً من حلّه. ويكمن الحلّ الأمثل في استخدام استراتيجيّةٍ ذكيةٍ تسمّى "BIFF"، وهي نهجٌ يهدف إلى تهدئة النّزاعات وتحويلها إلى فرصةٍ للتّفاهم والعمل المشّترك.
خلال عملي كمشرفٍ إنتاجٍ، تلقيت بريداً إلكترونيّاً من أحد الزّملاء اتّهمني فيه بتعديل جداول العمل لصالح فريقي، بحيث تظهر نتائجنا أفضل على حساب الآخرين. كما وصفني بعباراتٍ جارحةٍ مثل "متعجرفٍ" و"أنانيٍ". في البداية، شعرت بالغضب وقررت الردّ برسالةٍ مطوّلةٍ مليئةٍ بالرّدود المضادة والأرقام التي تبرز تفوّق فريقي. شعرت وكأنّني انتصرت في النّقاش، ولكنّ في الواقع، لم يسهم هذا الردّ في حلّ المشكلة. بالعكس، زادت التّوترات بيننا، وأصبح الجوّ أكثر عدائيّةً.
بعد مرور الوقت، بدأت أدرك أنّ النّزاع لم يكن حول جداول العمل فقط، بل كان انعكاساً لمشاعر أعمق. بحسب أماندا ريبلي، مؤلّفة كتاب "الصّراعات الشّديدة: لماذا نقع في الفخ وكيف نخرج منه" (High Conflict: Why We Get Trapped and How We Get Out)، فإنّ النّزاعات غالباً ما تحمل وراءها قضايا خفيةٍ لا تظهر للعيان. مثل:
- الاحترام والتّقدير: ربما يشعر الطّرف الآخر بعدم تقدير جهوده أو عمله.
- القوة والسّيطرة: قد يكون الزّميل قد شعر بفقدان السّيطرة على الوضع، ممّا دفعه للدفاع عن نفسه بشراسةٍ.
- الرّعاية والاهتمام: ربما كان يبحث عن الاعتراف بمساهماته وجهوده في العمل.
- الضغط والإرهاق: في بعض الأحيان، قد يكون الضغط والتّوتر الزائدان هما السّبب وراء ردود الفعل المبالغ فيها.
وفي حالتي، كان غضب زميلي ناتجاً عن شعوره بعدم التّقدير مقارنةً بفريقي، وهو ما جعله يشّعر بأنّه أقلّ كفاءةً أو أهميته أقلّ.
استراتيجيّة BIFF لحل النّزاعات
لحلّ النّزاع بشكلٍ فعّالٍ، كان من الأفضل استخدام استراتيجيّة BIFF، وهي اختصارٌ لأربعة مفاتيح رئيسيّةٍ في التّعامل مع مثل هذه المواقف:
موجزٌ (Brief): لا داعي للردّ المطوّل أو الدّفاع. حيث أنّ الردّ القصير يمنع تطوّر الخلاف إلى جدالٍ مستمرٍّ. وكلّما كانت رسالتك مختصرةً، كان من الأسهل تجنّب التّصعيد.
مليءٌ بالمعلومات (Informative): حاول التّركيز على الحقائق الموضوعيّة فقط دون الانجراف إلى الردّ على الهجمات أو التّهم. قدم معلوماتٍ واضحةً وواقعيّةً، ولا تردّ على الكلمات المسيئة أو العبارات غير الصّحيحة.
وديٌ (Friendly): رغم التّوتر، حافظ على أسلوبٍ لطيفٍ ومحترمٍ في ردّك. أظهر تعاطفك وتفهّمك للموقف حتى لو كنت غاضباً. مثل هذه الطّريقة يمكن أن تهدئ الأجواء، وتفتح المجال للحوار البنّاء.
حازمٌ (Firm): كن واضحاً في موقفك. لا تتردّد في إيضاح ما تودّ أن تفعله أو تقترحه، لكنّ دون أن تظهر في موقفٍ عدائيٍّ. حدّد الحلول الممّكنة ودع النّقاش يتمحور حول العمل الجماعيّ بدلاً من تصعيد الخلافات.
ومثالٌ على ذلك، لو كنت قد استخدمت هذه الاستراتيجيّة في الردّ على الزّميل، كان من الممكن أن يكون الردّ كالتالي: "لقد قمنا بتغيير الجدول بناءً على تقرير المشرف المسؤول، الذي أشار إلى أنّ القسم السّابق لم يكن جاهزاً للتّنفيذ، ممّا دفعنا للانتقال إلى العمل التّالي. أعلم أنّ هذا قد أثر على الإنتاجيّة بشكلٍ عامٍ، وهو ما حدث أيضاً معنا في الشّهر الماضي. بالنّظر إلى خبرتك الطّويلة في نظام الإنتاج، هل لديك اقتراحاتٍ يمكن أن تساعدنا في تجنّب تكرار هذه المشكلة؟ أودّ أن أعمل معك لإيجاد حلٍ فعّالٍ".
الفوائد التي تعود على بيئة العمل
لا يسهم استخدام هذا الأسلوب فقط في حلّ النّزاعات، بل يحسّن أيضاً من العلاقات بين الزّملاء. حيث أظهرت الدراسات أنّ التعاون في حلّ المشكلات يعزّز التّفاهم، ويقلّل من التّوترات بين الأفراد. وذلك وفقاً لدراسةٍ نشرت في Frontiers in Psychology، فإنّ العمل المشترك على إيجاد حلولٍ تزيد من التّوافق، ويساهم في إزالة العوائق النّفسية بين الأفراد.
لماذا يعدّ أسلوب BIFF تغييراً حقيقيّاً؟
- يقلّل التصعيد: إذ يخفّف من حدّة النّزاع، ويحول دون تفاقمه.
- يعزّز الاحترام: يعكس تقديرك لمساهمة الشّخص الآخر ويظهر احترامك لمواقفه.
- يدعم التّعاون: يفتح المجال للعمل الجماعيّ بدلاً من الدّخول في نقاشاتٍ عقيمةٍ.
- يحافظ على الإنتاجيّة: يركّز على إيجاد حلولٍ بدلاً من الانغماس في مناقشاتٍ غير مثمرةٍ.
- يبني علاقاتٍ أقوى: يعيد بناء الثّقة، ويحسن بيئة العمل، ويعزز العمل الجماعيّ.
في الختام، إنّ الردّ بالطريقة المناسبة لا يقتصر على حلّ النّزاعات فقط، بل هو خطوةٌ نحو بناء بيئة عملٍ قائمةٍ على الاحترام المتبادل والتّعاون. فالرّدّ المناسب في لحظات التّوتر قد يكون هو الفرق بين تعزيز العلاقات المهنيّة أو تدهورها.