كيف تحوّل كراهية تقييم الأداء إلى فرصٍ للنمو الشخصي والمهني؟
اكتشف الأساليب السحريّة لتغيير النّظرة السّلبية نحو مراجعات الأداء، ممّا يجعلها أداةً قويّةً للتطوّر وتعزيز التّقدم
على ما يبدو أنّ أغلبَ النّاس يكرهون تقييمات الأداء، إنّ لم يكنْ جميعهم، فبعد التّفكير مطوّلاً أعتقدُ أنّ الكراهية الشّديدة تكوّنت نتيجةً من مزيجٍ من المماطلة، والرّهبة العامّة، مع قليلٍ من اللّامبالاة؛ لذا في كلّ مكانٍ عملتُ فيه تقريباً، كانت مراجعات الأداء هي أكثرُ الأوقات الّتي لا يُحبّها الجميع في العموم، ومن تجربتي إنّ كُره الموظّفين المُسبق لتقييم الأداء نابعٌ عن شعورهم بعدم إيفائهم حقّهم، فلا يتمّ تقييهم بموضوعيّةٍ، أمّا المدراء فيكرهون ذلك؛ لأنّهم يشعرون وكأنّهم يعملون بجدٍ كونهم بالفعل مشغولين بالكثير، وبالنّسبة لكلٍ منهم يُمكن أنّ يكونَ هناك شعورٌ عامٌّ بعدم الارتياح حول تقديم وتلقّي الملاحظات.
إذن، ماذا تفعل حيال ذلكَ؟ الحلُّ يتمثّل في تغيير العقليّة، فنحنُ بحاجةٍ لتغيير عقليّة كلٍّ من المدراء والموظّفين للتّوافق مع هدف التّعليقات والتّقييم، تتجمّع هذه العقليّة وراء غرض ردود الفعل ألّا وهو "النمو"، وأعني به النّموّ الّذي يتمحور حول الإنسان بشكلٍ صادقٍ، أمّا إذا تمّ النّظر إلى مصطلح مراجعة الأداء على أنّه مصطلحٌ مُهينٌ، فقد حان الوقت لمراجعة أفكارنا لنعرفَ ما هي عمليّة مراجعة الأداء .
في الواقع تقعُ المسؤوليّة الأساسيّة على عاتق المدراء الّذين يحتاجون إلى القيادة بالقدوة، أيّ جعل التّعليقات جزءاً منتظماً من تفاعلهم مع فريقهم إلى جانب حاجتنا الماسّة لخلق ثقافة ردود الفعل، فهذه الثّقافة لا تقتصرُ على التّواصل بين المدير والموظّف فحسب، بل بين النّد للنّد كذلك، ويتعلّقُ الأمر بتوضيح مفهوم ردود الفعل وتقديم أمثلةٍ عمليّةٍ على أفضل الطّرق لطرحها، بحيث تُصبح نموذجاً يُقتدى به لتحسين الأداء، إذ من الضّروري تبادل نماذج مختلفةٍ لها، مثل نموذج الموقف والسّلوك والتّأثير (SBI) أو نموذج التّعليقات المكوّن من أربعة أجزاءٍ.
نلاحظُ تعرّض كثيرٍ من النّاس لصدمةٍ بسبب ردود الفعل اللّاجوهرية، والّتي تُسمّم العمليّة عند قراءتها، ممّا يخلق عدم ثقةٍ بالتّعليقات، ولنكن صادقين يكره النّاس تقديم التّعليقات؛ لأنّها قد تُسبّب الإحراج والازعاج، كما يكره النّاس تلقّي التّعليقات؛ لأنّهم قد يسمعون شيئاً آخراً غير الثّناء المُعتادين عليه.
ومع ذلكَ فإنّ الحياةَ لا تسيرُ بهذه الطّريقة، فنحن نتلقّى تعليقاتٍ من عائلاتنا وأصدقائنا وعملائنا وعددٍ لا يُحصى من المصادر الأُخرى، وما عليكَ إلّا التّفكير في هدفكَ من خلال التّعليقات وما تفعلهُ بها، وأكبر دليلٍ على ذلك ما قالهُ إد باتيستا، وهو المدرّب التّنفيذيّ والمُدرّس في كليّة الدّراسات العليا لإدارة الأعمال بجامعة ستانفورد: "إنّ التّغذيةَ الرّاجعة المباشرة هي الطّريقة الأكثر فعاليةً للأشخاص لجمع المعلومات والتّعلّم منها، لكي يصبحوا أكثر فعاليّةً وإشباعاً في العمل؛ لذا يحتاجُ الأشخاص إلى فهمٍ عميقٍ لتأثيرهم على الآخرين ومدى تحقيقهم لأهدافهم في علاقات العمل الخاصّة بهم".
إليك شيءٌ آخرٌ لن يخبركَ به النّاس عن مراجعات الأداء، وهي أنّ المدراء في كثيرٍ من الأحيان لا يقرؤونها بدقّةٍ، فكما تعلم وقتهم قليلٌ وعليهم القيام بالكثير من الأعمال، ولكن قد يتصفّحوا فقط ما كتبه موظّفوهم، متجاوزين تعليقات الزّملاء بالحدّ الأدنى بشكلٍ عامٍ، وبحسب دراسةٍ أجرتها شركة CEB كشفت أنّ 95% من المدراء غير راضين عن عمليّات المراجعة الخاصّة بشركاتهم، ويعود ذلك لطبيعتها الّتي تستغرقُ وقتاً طويلاً، ناهيكَ عن عبء العمل الإضافيّ الّذي يؤدّي على الأغلب لعدم الكفاءة وإعطاء تقييماتٍ سطحيّةٍ، بدلاً من التّقييمات المدروسة.
أمّا عن كيفيّة تنفيذ التّغيير في العقليّة لنتحدّث أوّلاً عن المؤسّسات، فإنّ أوّل خطوة هي إعادة تسمية العمليّة، إذ عليكَ التّفكير بإعادة تسمية مراجعات الأداء إلى محادثات النّموّ أو التّحقّق من التّطوير على سبيل المثال، ثم عليك تدريب المدراء بشكلٍ أفضل، وذلك بتوفير تدريبٍ شاملٍ حول تقديم واستقبال التّعليقات بشكلٍ فعّالٍ، مع تشجيع ردود الفعل المُنتظمة أيّ تنفيذ أنظمةٍ تُعزّز ردود الفعل غير الرّسميّة المُستمرّة على مدار العام، إلى جانب تقدير التّعليقات الجيّدة مثل قول: نفخرُ بالمدراء والموظّفين الذين يتفوّقون في تقديم وتلقّي التّعليقات البنّاءة.
أمّا بالنّسبة للموظّفين، فتتمثّلُ عمليّة التّغيير في طلب تعليقاتٍ منتظمةٍ، بحيث لا ينتظر الموظّف التّقييم الرّسمي وممارسة التّأمّل الذّاتيّ، بحيث يطلب من الموظّف تقييم أدائه ومجالات النّمو بانتظامٍ، مع النّظر إلى التّعليقات باعتبارها فرصة للتّحسين وليس النّقد، وأخيراً طلب تقديم تعليقاتٍ بنّاءةٍ لمديريكَ لتحسين العمليّة.
إذن، كيف تجعلُ الأمر سهلاً؟ حسناً كُلّ ما عليكَ فعله هو الاحتفاظ بقائمة إنجازاتٍ جاريةٍ تتضمّن تفاصيل وتواريخ ومقاييس التّأثير، فقد يكون من السّهل جداً نسيان كلّ العمل الذي ساهمت فيه أو قدّمته على مدار الأشهر العديدة الماضية؛ لذا عليكَ تتبعه أسبوعيّاً، إنّ لم يكن يوميّاً، كما أنّه من المفيد تدوين هذه الإنجازات ورؤية التّقدّم الذي تمّ إحرازهُ.
ولا تنسى استخدم أداة الذكاء الاصطناعي المُفضّلة لديكَ؛ لتنظيم كلّ هذه الإنجازات ولإنشاء سردٍ حول مجمل عملكَ، فكثيرٌ من الأشخاص يعانون مشكلةً تُسمّى الصّفحة الفارغة، حيث يحتاجون إلى القليلٍ من الإلهام أو التّحفيز للتّعبير عن أدائهم؛ لذا فالذكاء الاصطناعي أداةٌ رائعةٌ لمحاربة الصّفحات الفارغة.
بالإضافة إلى استخدام المستندات الفرديّة، عند عقد اجتماعٍ كلّ أسبوعٍ مع المدير أو مع الفريق، يتمّ تسجيل ما نتحدّث عنه في المستندات الفرديّة، حيث تُستخدم هذه المستندات لمراجعة ما أنجزه خلال فترة المراجعة، ممّا يُساعدُ في توضيح التّقدّم الّذي أحرزه الموظّف حتّى الآن. وفي كثيرٍ من الأحيان، يحاولُ النّاس كتابةَ مراجعةٍ طويلةٍ لمشاركة حجم تأثيرهم، وأودّ أن أزعمَ أنّ هذا غير ضروريٍّ، فقط ركّز بدلاً من ذلك على ما فعلته وكيف فعلته وبالطّبع النّتائج، حيث تكون مختصرةً وواضحةً.
في نهاية المطاف، لا يتعلّقُ الأمر بحجم الكلمات بل بثقل التّأثير، فنحن نعيش في عالمٍ مدفوعٍ بالبيانات؛ لذا فإنّ تقديمَ سردٍ موجزٍ، بالإضافة إلى البيانات، غالباً ما يكون أكثر إقناعاً من الموسوعة البريطانيّة التي تُقدّم شرحاً وافياً.