كيف تدعم فريقك في أوقات الحزن؟ دروس قياديّة من تجربة حقيقيّة
التّعاطف في القيادة ليس مجرّد اختيار؛ بل هو اختبارٌ حقيقيٌّ يُظهر معدنك الأصيل كقائدٍ عندما يمرّ فريقك بأحلك الأوقات
عندما يحتاج فريقك إليك بشدّةٍ، يمكن أن تكون الطّريقة الّتي تظهر بها اختباراً حقيقيّاً لقيادتك. وقد أدركت هينغام ستانفيلد هذا الدّرس بشكٍ قاسٍ هذا العام: فهي صاحبة مطعم "بيتزا ماتينغا" (Mattenga’s Pizzeria) في سان أنطونيو، تكساس، وقد توفّي أحد موظّفيها السّابقين عن عمرٍ 17 سنةً فقط قبل عدّة أشهرٍ في أحد فرعهم.
فتقول ستانفيلد إنّ العديد من أعضاء الفريق البالغ عددهم 40 في هذا الفرع كانوا قد درسوا مع الموظّف الّذي توفي، أو كانوا يعرفونه جيّداً، وقد أثّر فقدانه بشكلٍ عميقٍ على الفريق. لكنّها كانت تدرك أنّ هذه لحظةٌ حاسمةٌ يجب عليها أن تظهر فيها كـ"رئيسةٍ مهتمّةٍ" الّتي يحتاجون إليها.
وفي هذا السّياق، يوضّح جاستن كليفر، الرّئيس التّنفيذي لمنصّة "بيريف" (Bereave) للدّعم النّفسيّ للموظّفين المتأثّرين بالحزن، أنّ "طريقة ظهورك في أصعب الأوقات تكشف الكثير عن شخصيّتك الحقيقيّة كقائدٍ"، خاصّةً عندما يمرّ أحد أعضاء الفريق بتجربة فقدانٍ. ويضيف كليفر أنّه إذا لم يشعر الموظّف بالدّعم الكافي، فقد يتّخذ في النّهاية قراراً بمغادرة الشّركة.
يقول الخبراء إنّ مشاعر الحزن قد تزداد بشكلٍ خاصٍّ بين أعضاء فريقك خلال موسم العطلات، خاصّةً إذا كانت هذه هي أولى عطلةٍ يمرّون بها بعد فقد أحبّائهم. ويضيف كليفر: "لقد تغيّرت التّقاليد، وتبدّلت". ويشير إلى أنّ "الأغاني، والرّوائح، كلّ هذه التّفاصيل قد تثير الكثير من المشاعر".
وإليك ما يقول كليفر وخبراءٌ آخرون حول كيفيّة دعم قادة الشّركات لفريقهم بأفضل طريقةٍ خلال فترة الحزن:
تجاوز المعايير التّقليديّة
عادةً ما تقدّم الشّركات من ثلاثةٍ إلى خمسة أيّامٍ إجازة حدادٍ، حسب نوع القرابة الأسريّة، كما تقول آشلي هير، مديرة التّعليم والتّوعية والمعالجة في "مركز الفقدان والحزن" (Center for Loss and Bereavement) في بلدة سكيباك، بنسلفانيا: "أنّ هذا عادةً ما يكون غير كافٍ".
كما توضّح هير: "أنّ من غير الواقعيّ أن يتمكّن الموظّف من العودة فوراً إلى أدائه الطّبيعيّ في العمل والإنتاجيّة الّتي كان عليها قبل الفقدان"، خاصّةً عند مواجهة خسارةٍ كبيرةٍ".
ويشير كليفر إلى أنّ تأثير الفقد يختلف من شخصٍ لآخرٍ، حيث قد تكون أنواعٌ معيّنةٌ من الخسائر أكثر تأثيراً على بعض الموظّفين. لذلك، ينصح الشّركات بالتّركيز بشكلٍ أقلّ على طبيعة العلاقة أو أهميّتها الظّاهرة، والتّركيز أكثر على ما يشعر به الشّخص المتأثّر وكيفيّة دعمه.
ولهذا السّبب قرّرت إيمي سبيرلينغ، المؤسّسة والرّئيسة التّنفيذيّة لشركة "كومبت" (Compt) المتخصّصة في تعويضات مزايا الموظّفين ومقرّها بوسطن، تقديم سياسة إجازاتٍ مرنٍ لفريقها الّذي لا يتجاوز عدد أفراده 100 موظّفٍ، وهي سياسةٌ تشمل الأشخاص المقرّبين خارج إطار العائلة المباشرة. وتقول: "ماذا لو كانت خالتك هي من ربّتك واهتمّت بك؟ من واجب الشركة مراعاة ذلك".
وبموجب سياسة الشّركة، يحصل الموظّفون على خمسة أيّام إجازةٍ مدفوعة الأجر، بالإضافة إلى أسبوعين من الإجازة غير المدفوعة لأفراد الأسرة المباشرين. كما يمكنهم الحصول على ثلاثة أيّام إجازةٍ مدفوعةٍ لأحبّاء آخرين. وإذا احتاجوا إلى إجازةٍ غير مدفوعةٍ لأحبّاء آخرين، يمكن مناقشة ذلك مع المديرين وفقاً لسياسة الشّركة. كما تقدّم "كومبت" يوماً مدفوعاً في حالة وفاة حيوانٍ أليفٍ، وما يصل إلى خمسة أيّامٍ مدفوعةٍ في حالة الإجهاض.
كذلك يقول كليفر إنّه إذا كان قادة الشّركات يشعرون بالقلق من احتمال إساءة الموظّفين لاستخدام سياسة إجازات الحداد المرنة، فهذا لا يعني أنّ هناك مشكلةً في سياسة الحداد نفسها، بل في الثّقافة المؤسّسيّة للشّركة وطريقة التّوظيف. بمعنى آخر، إذا كانت الشّركة تشكّ في نوايا موظّفيها، فإنّ المشكلة تكمن في ثقافة الشّركة الّتي قد تفتقر إلى الثّقة، أو في عمليّة التّوظيف الّتي قد تفتقر إلى اختيار الأشخاص المناسبين الّذين يتناسبون مع قيم وثقافة العمل في الشّركة.
كما أشار إلى أنّه يجب على قادة الشّركات توخّي الحذر عند قولهم للموظّفين "خذوا كلّ الوقت الّذي تحتاجونه". على الرّغم من أنّ هذه العبارة قد تظهر كتعبيرٍ عن التّعاطف في البداية، إلّا أنّها قد تترك الموظّفين في حالةٍ من الارتباك، وقد يشعرون بالقلق من أنّهم قد أخذوا وقتاً أطول ممّا هو متوقّعٌ منهم.
وبدلاً من ذلك، يوصّي كليفر بتحديد نقطة للمراجعة. ويقترح أن يقول القائد: "بدلاً من قول "خذ كلّ الوقت الّذي تحتاجه"، يمكنه أن يقول: "خذ عدداً محدداً من الأيام، وسأتصل بك في اليوم التّالي لمناقشة الخطوات التّالية".
ويضيف كليفر أنه يجب على القادة أن يعملوا بالتّعاون مع المديرين الآخرين والموارد البشريّة لوضع "خطّةٍ واضحةٍ لعودة الموظّف إلى العمل"، سواءً كان ذلك من خلال تعديل ساعات العمل أو عبء المهامّ أو توفير تسهيلاتٍ أخرى تتناسب مع حالته.
وقد شاهدت هير شخصيّاً فعّاليّة هذه التّسهيلات عندما مرّت بفقدٍ مؤلمٍ: وفاة ابنتها في عمر أربعة أشهرٍ. وعندما عادت إلى العمل، قرّرت التّراجع عن العمل مع العملاء، وبدأت في المساهمة في مجالاتٍ أخرى في المركز، مثل التّعليم.
وفي تلك الأثناء، تقول هير أنّ أعضاء فريقها تحمّلوا المسؤوليّة مع العملاء. ورغم أنّها عادت الآن إلى العمل ولديها عبء عملٍ من جديدٍ، إلّا أنّها اختبرت وشعرت بمستوى الدّعم بشكلٍ مباشرٍ.
لكن في حال توفّي أحد أعضاء الفريق، فقد تكون هناك حاجةٌ إلى المزيد من التّسهيلات والموارد الجماعيّة، كما يقول الخبراء. وعلى سبيل المثال، قد يكون من الضّروريّ توفير الاستشارات في الموقع أو عبر الإنترنت، وقد تتطلّب الأمور أيضاً دعماً في العلاقات العامّة وإدارة الأزمات، فضلاً عن ضرورة إبلاغ العملاء والشّركاء.
وعندما يعود أحد أعضاء الفريق الّذي يعاني من الحزن إلى العمل، قد يتساءل القائد وأعضاء الفريق الآخرون: كيف يجب أن أتعامل معه؟ هل يجب أن أعبّر عن تعازي؟ أم هل سيبدو ذلك تدخّلاً؟ ولكن في الحقيقة، حتّى الشّخص الّذي يشعر بالحزن ربّما لا يعرف تماماً ما يحتاجه، كما تقول ميجان ريوردان جارفيز، الأخصائيّة النّفسيّة والمؤلّفة المتخصّصة في الحزن والفقدان. أنّه من المهمّ أن يُظهر أعضاء الفريق الحدّ الأدنى من الاعتراف بمشاعر الشّخص الحزين.
وتشير جارفيز إلى أنّه كثيراً ما يميل النّاس إلى تجنّب النّظر إلى الشّخص الّذي يمرّ بالحزن عندما يدخل إلى المكان، وذلك بهدف تجنّب الإحراج أو لأنّهم لا يعرفون كيف يتصرّفون، لكنّ الحقيقة، أنّ الأشخاص الّذين يمرّون بتجربة الحزن يشعرون بأنّ هذا التّصرف قد يجعلهم يشعرون بالعزلة أو بالجنون. لذلك، تنصح جارفيز بالتّعامل مع مثل هذه المواقف، حتّى إن كانت غير مريحةٍ، من خلال التّعبير عن التّعازي بطريقةٍ صادقةٍ وعرض دعمٍ ملموسٍ، مثل دعوتهم للغداء أو تقديم مساعدةٍ عمليّةٍ.
وتقول إنّه إذا لم يكن عضو الفريق مرتاحاً لذلك، فسيكون من السّهل ملاحظة ذلك في سلوكه، ولكنّ المحاولة أفضل بكثيرٍ من تجاهل المواقف وعدم اتّخاذ أيّ خطوةٍ.
وقد لاحظت ستانفيلد اختلافاً في ردود فعل أعضاء فريقها. بعضهم كان يحتاج إلى وقتٍ ومساحةٍ للحزن، في حين كان آخرون يرغبون في العودة إلى العمل بسرعةٍ للاستعادة بعضٍ من إحساسهم بالرّوتين الطّبيعيّ. بغضّ النّظر عن تفضيلاتهم، أكّدت ستانفيلد من أنّها كانت دائماً مستعدّةً لتقديم الدّعم والمساعدة.
فتقول: "إذا كانوا مستعدّين للحديث، فسأفتح معهم محادثةً، أو سأترك لهم المساحة الّتي يحتاجونها، ثمّ سأتواصل معهم بعد بضعة أسابيعٍ لأرى إذا كانوا يرغبون في الحديث عن الأمر، أو إذا كان هناك شيءٌ يمكنني فعله لمساعدتهم."
ولتقديم دعمٍ أفضل لأعضاء فريقك أثناء حزنهم، يجب على القائد أن يكون صريحاً بشأن حزنه الشّخصيّ أيضاً. بدلاً من التّظاهر بأنّ كلّ شيءٍ على ما يرام، يُنصح القائد بأن يعبّر عن مشاعره بشكلٍ صادقٍ، مثل إخبار الفريق بأنّه "ليس في أفضل حالاته اليوم"، إذ يساعد هذا النّوع من الشّفافيّة في "جعل التّجربة أكثر إنسانيّةً" لأنّه يظهر للفريق أنّ القائد هو شخصٌ أيضاً يمرّ بمشاعرٍ وأوقاتٍ صعبةٍ.
وقبل عامين، توفّى والد سبيرلينغ. أثناء مرضه، وفي تلك الفترة، استمرّت في العمل، لكنّها كانت تشارك فريقها خلال الاجتماعات آخر المستجدات حول حالتها. كما كانت تترك تقويمها مفتوحاً ليتمكّن الفريق من الاطّلاع على مواعيد زياراتها للطّبيب. ورغم أنّها لم تكشف عن جميع التّفاصيل الشّخصيّة، إلّا أنّها تعتقد أنّ السّماح للفريق بمعرفة ما يجري ساعد في توفير "المرونة" لهم، ممّا جعلهم يشعرون بأنّهم ليسوا مضطرين لإخفاء تحدّياتهم الشّخصيّة أيضاً.
وتقول: "من المهمّ بالنّسبة لي أن أشارك بعض التّفاصيل مع الفريق، ليشعروا أن هذا أمرٌ مقبولٌ وطبيعيٌّ، وأنّه جزءٌ من الحياة. نحن هنا لدعمهم خلال هذه الفترة".