كيف تدير مشروعك الاجتماعي كعملٍ تجاري لتحقيق تأثيرٍ مستدام؟
لضمان استدامة المشاريع الاجتماعيَّة وتحقيق أثر فعّال، يجب اعتماد استراتيجيات إدارة الأعمال التقليديَّة لضمان تحقيق الأهداف الاجتماعيَّة والبيئيَّة على المدى الطويل
أصبحت ريادة الأعمال الاجتماعيَّة إحدى أكثر الطُّرُق شيوعاً للتأثير على المجتمع بشكلٍ إيجابيٍّ من خلال مشاريعٍ هادفةٍ تسعى إلى حلّ القضايا الاجتماعيَّة والبيئيَّة. لكنَّ العديد من الأشخاص يعتقدون أنَّ المشاريع الاجتماعيَّة تختلف عن المشاريع التجاريَّة التقليديَّة فيما يتعلَّق بالإدارة الماليَّة والمسؤوليَّات المرتبطة بها. ومع ذلك، فإنَّ هذه الفكرة خاطئةٌ. فالنّجاح في تحقيق الأثر الاجتماعيّ يعتمد بشكلٍ كبيرٍ على استخدام استراتيجيَّات إدارة الأعمال، تماماً مثل أيّ مشروعٍ يهدف إلى الربح. ولذلك، يجب أن تُدار المشاريع الاجتماعيَّة بطريقةٍ تجاريَّةٍ لضمان استمراريَّتها وتحقيق أهدافها.
في هذا السياق، سنتناول ستة أسبابٍ رئيسةٍ تجعل من الضروريّ أن تتمَّ إدارة المشاريع الاجتماعيَّة بنفس أساليب العمل التجاريّ، لضمان نجاحِها واستدامتِها على المدى الطويل.
تعريف ريادة الأعمال الاجتماعيَّة
ريادة الأعمال الاجتماعيَّة هي نموذجٌ مبتكرٌ يجمع بين مهارات إدارة الأعمال التقليديَّة والرغبة في إحداث تغييرٍ إيجابيٍّ في المجتمع. رواد الأعمال الاجتماعيُّون هم الأشخاص الذين يسعون إلى تحقيق قيمةٍ اجتماعيَّةٍ أو بيئيَّةٍ بدلاً من التركيز على تحقيق الأرباح الماليَّة فقط. فهم يستخدمون أساليب ومبادئ العمل التقليديَّة لتقديم حلولٍ للمشكلات الاجتماعيَّة أو البيئيَّة الّتي تؤثِّر على حياة الناس.
غالباً ما يُساء فهم ريادة الأعمال الاجتماعيَّة على أنَّها نوعٌ من المنظمات غير الربحيَّة، لكنَّ هناك فرقاً جوهريّاً. فبينما تهدف المنظمات غير الربحيَّة إلى جمع التبرعات من أجل تمويل مشاريعِها، يسعى رواد الأعمال الاجتماعيُّون إلى إيجاد مصادر دخلٍ مستدامةٍ لمشاريعِهم من خلال تطبيق استراتيجيَّات العمل التجاريّ.
لماذا يجب أن تُدار المشاريع الاجتماعيَّة كعملٍ تجاريٍّ؟
هناك عدَّة أسبابٍ تجعل إدارة المشاريع الاجتماعيَّة كما تُدار المشاريع التجاريَّة ضروريَّةً لنجاحِها واستدامتِها. وهذه الأسباب لا من أجل البقاء فحسب، ولكن لضمان أنَّ تكون المشاريع الاجتماعيَّة قادرةً على تحقيق التّأثير الذي تسعى إليه.
الإدارة الماليَّة ضروريَّةٌ لتحقيق النّجاح
من الأخطاء الشائعة التي يقع فيها البعض عند بدء مشروعٍ اجتماعيٍّ هو تجاهُل الجانب الماليّ. يعتقد البعض أنَّ مجرَّد كون المشروع اجتماعيّاً يعفيه من مسؤوليَّات الإدارة الماليَّة. ولكن في الحقيقة، لا يمكن لأيِّ مشروعٍ – سواءٌ كان اجتماعيّاً أو ربحيّاً – أن ينجح دون إدارةٍ ماليَّةٍ جيِّدةٍ. من المهمّ أن يكون لدى المؤسَّسة الاجتماعيَّة القدرة على توليد دخلٍ كافٍ لتغطية تكاليفِها التشغيليَّة. دون هذه القدرة، لن يكون المشروع قادراً على الاستمرار، وبالتالي لن يكون قادراً على تحقيق أهدافه الاجتماعيَّة.
شاهد أيضاً: كيف تنجح في إدارة المشاريع الجديدة مع فريقك
الاستدامة الماليَّة كوسيلةٍ لتحقيق الأثر الاجتماعيّ
قد يعتقد البعض أنَّ تحقيق الأرباح لا يتناسب مع الأهداف الاجتماعيَّة، ولكنَّ الحقيقة أنَّ الاستدامة الماليَّة هي الوسيلة الأساسيَّة التي تُمكن المشاريع الاجتماعيَّة من تحقيق أهدافِها على المدى الطويل. إذا لم يكن المشروع الاجتماعيُّ مستداماً ماليّاً، فلن يتمكَّن من تقديم الحلول التي يَعِد بها. فالمال هنا ليس هدفاً، بل وسيلةً لتحقيق الغاية وهي التأثير الاجتماعيُّ أو البيئيُّ.
ريادة الأعمال الاجتماعيَّة ليست مجرَّد عملٍ لا يهدف إلى الرّبح
رغم أنَّ العديد من المشاريع الاجتماعيَّة قد تبدو مشابهةً للمنظمات غير الربحيَّة في بعض الجوانب، إلَّا أنَّ الفارق الرّئيس هو أنَّ المشاريع الاجتماعيَّة قد تسعى أيضاً إلى تحقيق أرباحٍ. الهدف ليس جمع التّبرعات، بل إنشاء مشروعٍ قادرٍ على تمويل نفسِه من خلال تحقيق دخلٍ كافٍ. لذلك، يتطلَّب هذا النوع من المشاريع استخدام نفس استراتيجيَّات الإدارة التي يستخدمُها أصحاب المشاريع التجاريَّة التقليديَّة.
جذب الاستثمارات يتطلَّب تحقيق التوازن بين الربحيَّة والتأثير
على الرغم من أنَّ المشاريع الاجتماعيَّة تهدف إلى إحداث تأثيرٍ اجتماعيٍّ، إلَّا أنَّ ذلك لا يعني أنَّ المستثمرين سيكونون على استعدادٍ لتمويلِها إذا لم تُظهر هذه المشاريع قدرةً على الاستدامة والرّبحيَّة. يبحث المستثمرون دائماً، سواءٌ كانوا أفراداً أو جهاتٍ مانحةً، عن مشاريع مستدامة. ومن الضروريّ أن يُظهر المشروع الاجتماعيُّ أنَّه قادرٌ على الاستمرار وتحقيق تأثيرِه على المدى الطويل، وهذا يتطلَّب توازناً دقيقاً بين الأثر الاجتماعيّ والربحيَّ.
المشاريع الاجتماعيَّة ليست مشاريع حكوميَّةً
تُعدُّ الحكومات واحدةً من أكبر ممولي المشاريع الاجتماعيَّة، ولكن يجب أن نوضِّح أنَّ ريادة الأعمال الاجتماعيَّة ليست جزءاً من القطاع الحكوميّ. المشاريع الاجتماعيَّة هي مشاريعٌ خاصَّةٌ تُدار بطرقٍ تجاريَّةٍ، رغم أنَّها قد تستفيد من الدّعم الحكوميّ. فالهدف من هذه المشاريع هو تحقيق تغييرٍ اجتماعيٍّ أو بيئيٍّ من خلال الابتكار والعمل الخاصّ، وليس الاعتماد على البيروقراطيَّة الحكوميَّة أو الموارد العامَّة فقط.
شاهد أيضاً: استراتيجيات التمويل المثلى للمشروعات الريادية
ريادة الأعمال الاجتماعيَّة ليست اشتراكيَّةً
رغم أنَّ بعض المفاهيم قد تخلط بين ريادة الأعمال الاجتماعيَّة والاشتراكيَّة، إلَّا أنَّ هناك فرقاً جوهريّاً بين الاثنين. تعتمد الاشتراكيَّة على مساهمة دافعي الضرائب الإلزاميَّة لتمويل المبادرات الاجتماعيَّة، بينما يعتمد رائد الأعمال الاجتماعيُّ على نموذج عملٍ تجاريٍّ لتمويل مشروعه. رواد الأعمال الاجتماعيُّون يستخدمون أساليب مبتكرةً لجذب العملاء والحصول على التّمويل الّذي يحتاجونه من خلال الأسواق، وليس من خلال فرض الضّرائب.
كيف يحقِّق رواد الأعمال الاجتماعيّين التّغيير؟
الرّؤية التي يحملُها رواد الأعمال الاجتماعيُّون هي إحداث تغييرٍ في المجتمع. هذا التغيير يأتي من خلال إيجاد حلولٍ للمشكلات الاجتماعيَّة والبيئيَّة التي تواجه العالم. ومع ذلك، فإنَّ تحقيق هذا التغيير يتطلَّب جهوداً كبيرةً والتزاماً مستمرّاً. كما يجب أن يكونوا على استعدادٍ لتحمُّل المخاطر، والتعامل معَ التحدِّيات الماليَّة والإداريَّة، وأن يظلُّوا ملتزمين بأهدافِهم الاجتماعيَّة، رغم العقبات التي قد تواجهُهم.
يتطلَّب الأمر رؤيةً واضحةً وتصميماً على الابتكار، واستخدام أساليب جديدةٍ لإقناع الناس بالتحرُّك نحو الأمام. كما يحتاجون إلى القدرة على تحمُّل المخاطر الماليَّة وتحدِّيات إدارة المشاريع لتحقيق أهدافِهم.
الفرق بين المشاريع الاجتماعيَّة والمشاريع التّقليديّة
رغم أن المشاريع الاجتماعيّة تشترك في الكثير من الأمور مع المشاريع التقليديّة، إلّا أن هناك بعض الاختلافات الهامّة. فبينما تركّز المشاريع التّقليديّة على تحقيق الربح كهدفٍ أساسيٍّ، تركّز المشاريع الاجتماعيّة على الأثر الاجتماعيّ أو البيئيّ. ومع ذلك، فإنَّ كلا النوعين من المشاريع يحتاجان إلى إدارةٍ جيدةٍ واستدامةٍ ماليّةٍ لتحقيق النّجاح.
الفرق الرّئيس يكمن في أنَّ المشاريع الاجتماعيّة تسعى إلى تحقيق تأثيرٍ طويل الأمد على المجتمع، ولا يقتصر الأمر على تحقيق الأرباح. فهذا يعني أنَّ النّجاح في ريادة الأعمال الاجتماعيَّة يتطلّب مزيجاً من مهارات إدارة الأعمال التّقليديّة والتزاماً قوياً بتحقيق الأهداف الاجتماعيّة.