كيف تستغلّ غضبك؟ حالة الغضب المدعومة بالأبحاث في العمل
الغضب الموجَّه نحو الآخرين مدمِّر، لكن الغضب الموجَّه للمشاكل الصعبة يكون محفِّزاً ومفيداً
بقلم جيسيكا ستيلمان Jessica Stillman، مساهمة في Inc.com
يتمتّعُ الغضبُ في مكانِ العملِ بسمعةٍ سيّئةٍ، وبجدارةٍ. فقد أظهرت مجموعةٌ من الدّراسات أنّ الأمانَ النّفسيّ، أو الشّعور بأنّ فريقك يقف إلى جانبك، أمرٌ حاسمٌ لأداء العمل. وتشير أبحاثٌ أخرى إلى أنّ السّلوكَ السّيئ، مثل: عدم العدالة أو العدوانيّة، هو واحدٌ من أهمّ الأسباب التي تجعل الموظّفين يستقيلون من وظائفهم. [1]
من الواضحِ أنّ مضايقةَ فريق العمل برفع صوتك بسبب عدم قدرتك على التّحكّم في عواطفك الخاصّة، أو اعتماد رفع الصّوت كتقنية تحفيزٍ مغلوطةٍ للغاية، هو نهجٌ في غاية السّوء للإدارة.
ولكن هل تمادينا كثيراً في كبح جماح الغضب في العمل؟ هل الحفاظ على كلّ شيءٍ بوضعٍ آمنٍ ومبهجٍ وهادئٍ يسرق منّا بعض الشّحن العاطفي الذي نحتاجه، لنحرزَ تقدّماً في حلّ المشاكل الصّعبة؟ كلٌّ من الأبحاث الجديدة وخبراء القيادة يشيران إلى أنّ الجواب قد يكون: نعم.
الغضب شكل من أشكال الوقود
من منّا لم يعِشْ في حياتهِ أوقاتاً واجهه فيها تحديٍّ ما، سواءً كان ذلكَ مسماراً عالقاً أو مشروعاً متوقّفاً، بحيثُ لم يتزحزح الأمر العالق إلّا عندما ازداد غيظنا لدرجة أنّ فورةً من العزيمة دفعتنا للتّحرك؟ تزعم والدتي أنّها نجحت أخيراً في الإقلاع عن التّدخين بعد عقودٍ من الإدمان بفضل الغضب الشّديد تجاه إدمانها. ولكن هذه قصصٌ شخصيّةٌ، وليست علماً. هل هناك بياناتٌ موثّقةٌ تبيّن أن الغضب يمكن أن يكونَ مفيداً لحلّ المشكلاتِ الصّعبة؟
نعم، وذلك بفضل أبحاثٍ جديدةٍ قام بها علماء من جامعة تكساس A&M ونشروها مؤخّراً في مجلّة علم الشّخصيّة وعلم النّفس الاجتماعيّJournal of Personality and Social Psychology. في سلسلةٍ من الدّراسات مع أكثر من 1000 مشتركٍ، اختبر العلماء قيمة الغضب في دفع النّاس نحو أهدافٍ صعبةٍ. على سبيل المثال، هل يمكن أن يساعدَ نظر المشتركين إلى صورٍ قد تثير غضبهم في إتمام مسائل كلماتٍ صعبةٍ أو ألعاب كمبيوترٍ اُستخدمت لتختبرَ تركيزهم؟
الجواب، على ما يبدو، كان بالتّأكيد نعم. "تظهر هذه النّتائج أنّ الغضب يزيد من الجهد المبذول لتحقيق هدفٍ مرغوبٍ فيه، مما يؤدّي في كثير من الأحيان إلى نجاحٍ أكبر"، هذا ما تلخّصه هيذر لينش Heather Lench، المؤلّفة الأولى للدّراسة. يبدو أنّ الغضبَ هو نوعٌ من الاستثارة التي تمنحنا الطّاقة والعزيمة في مواجهة بعضٍ من أصعب اختبارات الحياة.
شاهد أيضاً: 3 طرق تمنح رواد التكنولوجيا عناية أفضل بصحتهم العاطفية
الغضب إشارة حمراء
قد لا يفاجأ بعض أساتذة الإدارة والمدربّين بهذه النّتائج. في مقالةٍ نشرت مؤخّراً في مجلّة هارفارد بزنس ريفيو، قامت فرانسيس إكس فراي Frances X. Frei من جامعة هارفارد ومدرّبةٌ تنفيذيّةٌ تدعى آن موريس Anne Morriss بكتابة مقالٍ دعتا فيه إلى تقدير المزيد من المشاعر المستهان بها في مكان العمل، ومن بين هذه المشاعر كان الغضبُ والإحباط.
تشير الكاتبتان إلى أنَّ روّادَ الأعمال يعرفون قيمة الإحباط في ابتكار أفكارٍ للعمل. وتقدّم الكاتبتان مثالاً على ذلك، "استفاد بول إنجليش Paul English، وهو رائدُ أعمالٍ متعدّدُ المشاريع من الطّراز الأوّل، من الإحباط للوصول إلى كلّ فكرةٍ ثوريّةٍ ابتكرها، بما في ذلك استغلال هذا الإحباط في إطلاق مُحرّك البحث ميتا "كاياك Kayak" بعدما لم يصدّق مقدار الوقت الذي كان يقضيه في الانتقال من موقع طيرانٍ إلى آخر للبحث عن أفضل رحلةٍ جويّةٍ".
شاهد أيضاً: كيفَ تستخدم الذكاء العاطفي لتهدئة الزبون الغاضب؟
لا تقتصر فائدة الغضب على اكتشاف الأعمال التي قد تكونُ مربحةً، بل تتعدّاها لتساعدكَ في تحديد ما هو مهمٌّ بالنّسبة لك، أو تحديد مشاعر الألم أو خيبة الأمل الكامنة التي يجب التّعامل معها. وحسبما ورد في المقال، "الغضب في كثيرٍ من الأحيان عاطفةٌ ثانويّةٌ، قناعٌ لمشاعر أكثر تعقيداً، مثل: خيبة الأمل أو الحزن. وعندما ندّرب الأشخاص على التّعامل مع هذا الأمر، فإنّنا غالباً نبدأ من هناك. ما الذي قد يكون موجوداً تحت الغضب؟ ما الذي يمكنك تعلُّمه من تلك العاطفة؟".
الغضبُ لا يساعدك فقط في اجتياز العقبات، بل يساعدك أيضاً في التّعرف على العقبات التي يجب أن تعطيها الأولويّة.
الغضب ترياق للإيجابية السامة
بوجودِ هذا العالم الصّارخ حولنا، أعترف أنّني تردّدتُ قبل أن أكتب هذا البحث. فعشر دقائق من متابعة تويتر (أقصد X) أو مشاهدة الأخبار كفيلةٌ بإعطائي هذا الانطباع الواضح أنّ العالمَ أصلاً فيه ما يكفيه ويفيض عنه من الغضب.
لكن هذا الغضب هو الموجَّه نحو الأشخاص الآخرين، وهو -كما يشير مدرّبو هارفارد بزنس ريفيو- يعمل كغطاءٍ لمشاعر الخيبة، والخوف، والكبرياء المجروح. رجاءً اسمعني عندما أخبرك أنّ لا أحد يعتقد أنّنا بحاجةٍ إلى الصّراخ على النّاس كي نصلحَ مشكلات العالم (تجد هنا كيف يبيّن العلم أنّ الحنقَ الزّائدَ لا يفيد كاستراتيجيّةٍ للإقناع، فإن كنتَ تحتاج إلى إقناع outrage is useless as a persuasion strategy)، وما يمكن أن يساعدَ هو أن تصبَّ جام غضبك الحقيقيّ على المشاكل ذاتها بشكلٍ جيدٍ.
شاهد أيضاً: أول مؤشر للنجاح، هل هو الذكاء العاطفي أم الذكاء العقلي؟
الغضبُ السّام مشكلةٌ، وكذلك الإيجابية السّامة toxic positivity. فنحن لا نعاني من نقص في المشكلات الكبيرة التّي تكفي لإغضاب أكثر القدّيسين رزانةً. فبدلاً من أن يصرخ بعضنا على بعضٍ أو أن نرسمَ على شفاهنا ابتسامةً زائفةً، قد نحتاج جميعاً إلى الاستفادة من الاعتراف بغضبنا والسّماح له بتغذية عزيمتنا بالطّاقة كي نصلحَ أخيراً أكثر المشاكل التي تخيفنا.