العلاقات الإنسانية: مفتاح السعادة والصحة في الحياة
استكشاف الدّور الحيويّ للعلاقات القوية في تعزيز السعادة والرفاهية مدى الحياة
إن كنتَ تطمح إلى حياةٍ طويلةٍ وسعيدةٍ ومُرضيةٍ تزخر بالصّحَّة والحيويَّة، فمن الضَّروريّ أن تُمعنَ النَّظر في دراسة هارفارد لتطوير حياة البالغين Harvard Study of Adult Development، إذ تُعدُّ هذه الدّراسة إحدى أطول الدّراسات المستمرَّة حول حياة البالغين، إذ انطلقت في عام 1938، وعلى مدى أكثر من 85 عاماً، واصلت الدّراسة رصد وتتبُّع حيوات أكثر من 700 من المشاركين الأوائل وأكثر من 1300 من ذريَّاتهم.
وتمحور الهدف الأساسيُّ لهذه الدّراسة حول تحديد العوامل الجوهريَّة التي تُسهم في سعادة الإنسان ورفاهيَّته، وجمع الباحثون كميَّاتٍ ضخمةٍ من البيانات من خلال المقابلات والفحوصات الطّبيَّة والاستبيانات وحتَّى التَّصوير الدّماغيّ، متابعين مختلف جوانب حياة المشاركين كالصّحَّة الجسديَّة، والصّحَّة العقليَّة، والمهنيَّة، والعلاقات الشَّخصيَّة، والرّضا العام. [1]
شاهد أيضاً: هل تريد أن تشعر بالسعادة والرضا؟ فكّر في الموت أكثر!
سر الصحة الجيدة والسعادة في كلمتين: جودة علاقاتنا
أفاد Robert Waldinger، المشرف على هذه الدّراسة، والذي بلغ عدد مشاهدات حديثه على منصَّة TED نحو 50 مليون مشاهدةٍ، بأنّ إحدى أبرز النَّتائج التي خلصت إليها الدّراسة هي أنَّ جودة العلاقات الإنسانيَّة لها تأثيرٌ بالغٌ على صحَّتنا.
وأبدى Waldinger وفريقه البحثيُّ دهشتهم لاكتشاف أنَّ الأفراد الذين يمتلكون روابطَ قويَّةً مع الآخرين عادةً ما يعيشون حياةً أكثر سعادةً وصحَّةً مع تقدُّمهم في السّن وينعمون بعمرٍ أطول، وفي المقابل تُعدُّ العلاقات الجيّدة العامل الأكثر تأثيراً في التَّنبُّؤ بمن سيتمتَّع بحياةٍ مُرضيَّةٍ وصحيَّةٍ في الشّيخوخة.
وفي حلقةٍ حديثةٍ من بودكاست Curiosity Chronicle، شارك Waldinger حقيقةً عميقةً يمكن أن تُحسِّن بشكلٍ كبيرٍ جودة حياتنا في العقود القادمة، إذ قال: "كان الرّضا عن العلاقات في سنّ الخمسين هو أكبر مؤشّرٍ فرديٍّ للصحَّة الجسديَّة في سنّ الثّمانين".
عندما أبلغُ من العمر ثمانين عاماً وتكون صحَّتي الجسديَّة في أفضل حالاتها، فمن المؤكَّد أنَّ صحَّتي العاطفيَّة والعقليَّة ستكون أيضاً ممتازةً، هذا يعني أنَّ أيّ شخصٍ ينعم بهذا النَّوع من الحياة المفعمة بالنَّشاط سيتمتَّع في سنّ الثَّمانين بمستوىً من السَّعادة لا يضاهيه مثيلٌ بين أقرانه من نفس الفئة العمريَّة، ويمكن تحقيق كلُّ هذا من خلال الاختيار المبكّر لتنمية علاقاتٍ وصداقاتٍ صحيَّةٍ، ومن منَّا لا يرغب في ذلك؟
قد حان الوقت لإعادة تقييم ما نعتقد أنَّه يؤدّي إلى السَّعادة، وعلى سبيل المثال:
- الاعتقاد بأنّ الثروة المادية تساوي السعادة هو فكرة كلاسيكيَّة: بلا شكٍّ، يمكن للمال أن يجعل الحياة أسهل ويفتح الأبواب لفرصٍ جديدةٍ، لكنَّه لا يضمن السَّعادة الدَّائمة، إذ تُظهرُ الدّراسات أنَّه بعد الوصول إلى مستوى دخلٍ معيّنٍ، لا يُسهم الثَّراء الإضافيُّ في زيادة السَّعادة بشكلٍ كبيرٍ، وبمعنى آخر، إذا كنت غنيّاً ولست سعيداً، فإنَّ المزيد من المال لن يُحدث فرقاً، والأمر يتعلَّقُ أكثر بكيفيَّة استخدامك لمواردك وجودة علاقاتك.
- الاعتقاد بأنّ النَّجاح والإنجازات تعادل السعادة هو إحدى المعتقدات الشائعة: يظنُّ الكثير من النَّاس أنّ تحقيق أهدافٍ مهنيَّةٍ محدَّدةٍ أو إنجازاتٍ معيَّنةٍ سيُحقِّق لهم السَّعادة الدَّائمة، بينما يمكن للإنجازات أن تجلب الفرح، فإنّ هذا الفرح غالباً ما يكون مؤقّتاً، إذ تنبع السّعادة الحقيقيَّة من الدَّاخل ولا تعتمد فقط على الإنجازات الخارجيَّة.
بخصوص هذه النُّقطة الأخيرة، يُوسِّع Waldinger تصريحاته في مقابلة مع برنامج McKinsey's Author Talks بقوله:
"ما اكتشفناه هو أنَّ أوسمة الإنجاز لا تجلب السعادة للنَّاس، لقد كان بيننا أشخاصٌ كانوا مديرين تنفيذيّين، وجنوا أموالاً طائلةً، أو حظوا بالشهرة، لكن هذه الأمور لم تكن مرتبطةً بالسَّعادة، إلَّا أنَّه بقدر ما يكون تحقيق ما هو مهمٌّ بالنّسبة لكَ مرضياً، فإنّ ذلك يُحدث فرقاً في مستوى رفاهيّتك، وما وجدناه هو أنّ الأشخاص الذين كانوا الأكثر سعادةً لم يكونوا منعزلين؛ لم يكونوا موظَّفين مهووسين لا يولون أيَّ اهتمامٍ لعلاقاتهم، وفي الواقع، كان هؤلاء الأشخاص من بين الأتعس في دراستنا، وكان يملؤهم النّدم عندما طُلب منهم في الثَّمانين من عمرهم أن يسترجعوا ذكريات حياتهم".
إذاً الخلاصة واضحةٌ وممكنةُ التَّحقيق، ولكن ليس كلُّ النَّاس سيتمكَّنون من بلوغ ذلك، وفي نهاية المطاف، وعند نقطة النِّهاية، تظلُّ العلاقات القويَّة والدَّاعمة مع العائلة والأصدقاء والمجتمع عنصراً حاسماً لعيش حياةٍ سعيدةٍ وصحيَّةٍ ومرضيةٍ، وهذا ما يُلخّص الأمور بالضبط.