النشرات الإخبارية: قوة رقميّة تحوّل الإعلام إلى صناعةٍ مربحة
ما يجعل النشرات الإخباريّة جذابةً لرواد الأعمال هو أنَّها لا تحتاج إلى استثماراتٍ كبيرةٍ في البداية. كل ما تحتاجه هو جهاز كمبيوترٍ، منصةٌ للتسويق عبر البريد الإلكتروني، ومهارةٌ في الكتابة
لم تعد النشرات الإخبارية الرّقميّة التي كانت تملأ البريد الإلكترونيَّ بالإعلانات والمعلومات المملّة هي نفسها. بل، أصبحت اليوم مصدراً قيّماً وجذاباً يتيح للمشتركين الحصول على الأخبار والمحتوى بطريقةٍ ممتعةٍ وقابلةٍ للقراءة. هذا التّحوّل الكبير في صناعة النشرات الإخبارية يفتح فرصاً واسعةً لروّاد الأعمال والمبدعين، ممّا يجعل الوقت الحاليَّ هو الأنسب لبدء مشروع نشرتِك الإخباريّة الخاصة.
النشرات الإخبارية الجديدة: تغييرٌ جذريٌّ في صناعة الإعلام
في الثّمانينيات، أطلقت شركة السيارات أولدزموبيل (Oldsmobile) حملةً إعلانيةً شهيرةً لمحاولة تغيير الصّورة النّمطيّة عنها، حيث كانت تُعرَف بأنّها سيارةٌ للأجيال الأكبر سناً. كان الإعلان يقول: "هذه ليست سيارة والدِك". على الرّغم من أنَّ هذه الحملة لم تُنقِذ الشركة، إلّا أنّها كانت ذكيّةً، ولا تزال تُذكر حتى اليوم. والآن، يمكنُنا القول بأنَّ النشرات الإخبارية الرقميّة ليست مثل النشرات التقليديّة القديمة التي كان يعرفها الجيل السابق.
تغيّرت النشرات الإخبارية الحديثة تماماً؛ فلم تعد تلك التي تتّسم بالملل وتغرقك بالإعلانات. بل أصبحت الآن وسيلةً إعلاميّةً جذابةً، مليئةً بالمحتوى القيِّم والشيّق، وتوفّر تجربة قراءةٍ ممتعةً. هذا التّحوّل جعل منها وسيلةً فعّالةً للوصول إلى الجمهور المستهدف.
أمثلةٌ على نجاح النشرات الإخباريّة الرقميّة
خلال السنوات القليلة الماضية، ظهرت عدة نشراتٍ إخباريّةٍ أثبتت نجاحاً كبيراً، وتحولت إلى مشاريع ربحيةٍ ضخمةٍ، ومن أبرزها:
ذا هاسل" (The Hustle)
نشرةٌ يوميّةٌ تغطي أخبار الأعمال والتكنولوجيّا بأسلوبٍ حواريّ. في عام 2021، استحوذت عليها شركة "هبسبوت" (HubSpot) مقابل مبلغٍ يُقدر بـ27 مليون دولار.
"مورنينغ برو" (Morning Brew)
نشرةٌ تقدم أخبار الأعمال بأسلوبٍ مرحٍ وسهل الفهم. استحوذت عليها شركة "إنسايدر إنك" (Insider Inc) في عام 2020 مقابل 75 مليون دولار.
"ميلك رود" (Milk Road)
نشرةٌ تمحورت حول العملات الرقميّة، وحققت نجاحاً سريعاً، إذ تمّ إنشاؤها وبيعها، في عام 2023 مقابل مبلغٍ ضخمٍ يقدر بملايين الدولارات، في غضون ثمانية أشهرٍ فقط.
لماذا تحقّق النشرات الإخبارية الرقميّة نجاحاً مالياً كبيراً؟
السبب بسيط؛ تحظى هذه النشرات الإخبارية بعددٍ كبيرٍ من المتابعين الذين يجدون فيها قيمةً حقيقيةً. على سبيل المثال، عندما تمّ بيع مجلة ذا هاسل، كان لديها 1.5 مليون قارئٍ يوميّاً. في حين أن ميلك رود، مع عدد مشتركين أقلَّ يبلغ حوالي 250 ألفاً، بيعت أيضاً بمبلغٍ كبيرٍ. هذا يوضح أنَّ القيمة تكمن في المحتوى وجودة التّفاعل مع الجمهور.
كذلك من المزايا الفريدة للنشرات الإخبارية الرّقميّة أنَّها تعتمد على رغبة القارئ في الاشتراك. كما قالت جيل جودمان، مؤسّسة شركة "كونستانت كونتاكت" (Constant Contact) والرّئيسة التنفيذيّة السابقة لها: "النشرات الإخبارية مميزةٌ لأنّ الناس يطلبونها بأنفسهم". الاشتراك في نشرةٍ يعني أنَّ القارئ يطلب منك التّواصل معه وإرسال المحتوى الذي تقدمه.
قوة التّفاعل مع الجمهور
يوضح نيت كينيدي، الذي يمتلك ويدير عدة نشراتٍ إخباريّةٍ ناجحةٍ، أنَّ النشرات الإخباريّة هي أداةٌ قويّةٌ لتحقيق الأرباح. يقول كينيدي: "إذا أرسلت نشرةً إخباريةً إلى 100 شخص، سيقوم 40 منهم بفتحها، واثنان منهم قد يشتريان شيئاً، ممّا يحقق لك ربحاً. أما إذا أرسلت إلى 100,000 شخص، فإنَّ الأرقام والربح سيزيدان بشكلٍ هائلٍ". هذا يوضّح مدى تأثير النشرات الإخبارية عند توسيع قاعدة المشتركين.
أنواع النشرات الإخباريّة الحديثة
هناك عدة أنواعٍ من النشرات الإخباريّة التي تتماشى مع احتياجات واهتمامات الجمهور المختلفة. وفقاً لماكجاري، الذي عمل في مورنينغ برو، هناك ثلاثة أنواعٍ رئيسيةٌ للنشرات:
- النشرات الإبداعيّة: تتميّز بأسلوبٍ مميزٍ يمنحُها طابعاً خاصّاً. هذا الأسلوب يجعل من قراءة النشرة تجربةً ممتعةً للقارئ.
- النشرات المنسّقة: تحتوي على مجموعةٍ من الروابط المختارة لمقالاتٍ من مختلف المصادر حول موضوعٍ معينٍ (مثل العملات الرقميّة أو الأعمال). هذه النشرات توفر على القارئ عناء البحث عن هذه المعلومات.
- النّشرات الملّخصة: تجمع بين المحتوى المفيد والروابط المهمة بأسلوبٍ سهلٍ وسريعٍ القراءة. هذا النوع من النّشرات يلخّص المحتوى، ويقدّمه بشكلٍ مكثفٍ.
عادةً ما يستغرق قراءة كلّ نوعٍ من هذه النشرات بين ثلاثٍ إلى خمس دقائق، ما يجعلُها مثاليةً للأشخاص المشغولين الذين يرغبون في الحصول على المعلومات بسرعة.
شاهد أيضاً: قيادة هيئة تنظيم الإعلام في عصر التحول الرقمي
كيفيّة تنمية النشرة الإخباريّة الخاصة بك
إذا كنت ترغب في تطوير نشرتِك الإخباريّة، هناك عدة طرقٍ للقيام بذلك:
- الطريقة الأولى: هي الأبطأ، وهي النموُّ العضوي. تعتمد هذه الطريقة على تقديم محتوىً جذابٍ يجذب القرّاء تدريجيّاً للاشتراك.
- الطريقة الثانية: وهي الأسرع، تعتمد استخدام الإعلانات المدفوعة، مثل شراء إعلاناتٍ على منصة ميتا (Meta). هذا النّوع من النموّ يعمل بشكلٍ أسرع، ويمكنه زيادة عدد المشتركين بسرعةٍ.
فرص الرّبح المتنوّعة
من الميّزات الرّائعة لإنشاء نشرةٍ إخباريّةٍ هي تعدد فرص الربح التي توفرها. يمكن لمؤسّس النّشرة الإخباريّة الاستفادة من عدة مصادر للدخل، مثل الإعلانات، المحتوى المدعوم، التسويق بالعمولة، والاشتراكات المدفوعة. ينصح الخبراء بتنوّع مصادر الدّخل لضمان الاستقرار الماليّ وزيادة فرص النموُّ. يمكن أن تبدأ النّشرة بإعلاناتٍ، ومع نموّ الجمهور وتحسّن جودة المحتوى، يتمّ إدخال الاشتراكات المدفوعة.
بالإضافة إلى الرّبح المباشر، يمكن أن تكون النّشرة الإخباريّة نقطة انطلاقٍ لمشاريع تجاريّةٍ أخرى. على سبيل المثال، مايكل هوك يدير نشرة "هوك" (Hawk) الخاصة بمؤسّسي الشّركات النّاشئة، اكتشف أنّ المجتمع المدفوع الذي تشكّل حول نشرته، والذي يتألّف من أعضاء يدفعون رسوم اشتراك للحصول على محتوىً وخدماتٍ حصريّة، أصبح ميزةً بارزة وجذابةً للغاية.
تكلفةٌ منخفضةٌ، عوائد عاليةٌ
ما يجعل النشرات الإخباريّة جذابةً لرواد الأعمال هو أنَّها لا تحتاج إلى استثماراتٍ كبيرةٍ في البداية. كل ما تحتاجه هو جهاز كمبيوترٍ، منصةٌ للتسويق عبر البريد الإلكتروني، ومهارةٌ في الكتابة. وقد تكون النتيجة مشروعاً يحقق أرباحاً ضخمةً، حتى أنَّ بعض النّشرات الّتي يديرها شخصٌ واحدٌ تحقّق ملايين الدولارات سنوياً.