تحقيق الأرباح ورعاية الموظفين: توازن ضروري لاستدامة الشركات
التّركيز على الأرباح قصيرة الأجل دون مراعاة رفاهيّة الموظفين ورضا العملاء يؤدّي إلى نتائج غير مستدامةٍ على المدى الطّويل، بينما يُمكن تحقيق التّوازن بين هذه العناصر لضمان نجاح الشّركات
في مقالٍ نُشِر مؤخّراً في صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal) بعنوان "ثقافة Boeing تحتاج إلى الأرباح"، تمّ تناول الصّعوبات التي واجهتها شركة "بوينج" (Boeing) مؤخّراً، إذ أرجع المقال تلك المشاكل إلى ثقافة الشّركة الّتي تُركِّز على تحقيق الأرباح على حساب العملاء والموظّفين، لكنَّ الحقيقةَ أعمق من ذلك، فالمشكلة الأساسيّة تتعلَّق بالسعي وراء الأرباح القصيرة الأجل بدلاً من تبنّي نهجٍ طويل الأجل يستثمر في الموظفين والعملاء على حدٍّ سواء.
تستمرُّ في عالم الأعمال اليوم فكرةٌ خاطئةٌ تُشيرُ إلى أنَّه يجبُ على الشّركات الاختيار بين تعظيم الأرباح وإرضاء العملاء والاستثمار في رفاهيّة الموظفين، ولكن إذا تمعَّنَّا في هذه الثّنائية، سنجدُ أنَّها غيرُ منتجةٍ وغير واقعيّةٍ، فالشّركاتُ الّتي تُركّزُ على عنصرٍ واحدٍ فقط تهملُ القيم الأساسيّة الأُخرى، ممّا يُؤدّي إلى نتائج غير مستدامةٍ على المدى الطّويل.
على سبيل المثال، شركة بوينج الّتي شهدت انخفاضاً حادّاً في سعر سهمها خلال السّنوات الخمس الأخيرة، من 330 دولاراً إلى نحو 170 دولاراً، هي مثالٌ حيٌّ على فشل التّركيز على الأرباح القصيرة الأجل، فالشّركةُ توقَّفت عن الشّراكة مع موظّفيها لتقديم خدمةٍ مميزةٍ لعملائها، ممّا أدَّى إلى تراجع أدائها العام، ممّا يعكس أهميّة التّوازن بين الأرباح، الموظّفين، والعملاء.
شاهد أيضاً: تقاسم الأرباح مع الموظفين منفعة للجميع
من الأخطاء الشائعة التي تقعُ فيها بعض الشّركات، محاولة خفض تكاليف التّشغيل من خلال تقليص أجور الموظفين أو توظيف أفرادٍ أقلّ خبرةً، وهذه الاستراتيجيّة، التي تعتمد على خفض التكاليف عن طريق خفض التّعويضات، تُضعف من معنويّات العاملين، وتحدُّ من إبداعهم وتفانيهم، وهذا بدوره ينعكس سلباً على جودة العمل، وعلى رضاء العملاء.
على الجانب الآخر، هناك شركاتٌ أثبتت أنَّ تحقيقَ الأرباح والاهتمام بالموظفين والعملاء يُمكن أن يتماشى معاً، حيث تعتمد هذه الشّركات استثمار موظّفيها وخلق بيئة عملٍ قائمةٍ على احترام حقوقهم ودعمهم ماليّاً ومعنويّاً، ممّا يُعزِّز من أدائهم، ويزيد من رضا العملاء، وفي النّهاية يعود بالفائدة على الأرباح.
يعتمدُ النّهج الّذي تتبعُه هذه الشّركات على مفهوم "المشاركة الاقتصادية"، وهو نموذجٌ يُركِّز على إشراك الموظفين في نجاح الشّركة من خلال ربط أهدافهم الشّخصيّة بأهداف الشّركة، إذ يُعزّز هذا النّموذج من إحساس الموظّفين بالملكيّة والمسؤوليّة تجاه نجاح المؤسّسة، ممّا يُؤدّي إلى نتائج استثنائيةٍ على جميع المستويات.
إنَّ الفكرة الشائعة بأنَّ هناك تناقضاً بين تحقيق الأرباح وإرضاء العملاء والموظفين هي فكرةٌ قديمةٌ، وعفا عنها الزّمن، فالشّركات الّتي تتبنَّى مبدأ الشّراكة مع الموظفين والعملاء من أجل تحقيق الأرباح تجد أنَّ الجميع يستفيد في نهاية المطاف، فتُعزّز هذه المقاربة الأداء الماليَّ المستدام، وتخلق قوّة عملٍ مخلصةً ومتفانيةً، ممّا يضمن نجاح الشّركة على المدى الطّويل.
يجب على الشّركات أن تتخلّى عن المفهوم الخاطئ الّذي يفترض وجود تعارضٍ بين الأرباح والعملاء والموظفين، إذ إنَّ تحقيق توازنٍ بين هذه العناصر الثّلاثة هو المفتاحٌ لنجاح الشّركات في المستقبل.