كيف يمكن لفصل الشّتاء أن يؤثّر على صحّتك النّفسية والجسدية؟
تحدث تغيراتٌ بيولوجيّة في فصل الشّتاء تؤثر على مستويات السيروتونين والكورتيزول، مما يؤدي إلى تغير المزاج والنشاط، لكنّ استغلال هذه الفترة للإبداع والعمل يمكن أن يحقّق نتائج رائعة
مع دخول فصل الشّتاء، تبدأ الطّبيعة في تجهيز نفسها لمواجهة البرد القارص. حتّى الحيوانات، مثل الدّببة، تتكيّف مع هذا التّغيّر عبر زيادة وزنها والاستعداد للسّبات الطّويل في أوكارها، حيث يتباطأ نشاطها بشكلٍ ملحوظٍ. وفي الحقيقة، يبدو أنّ البشر أيضاً يتأثّرون بهذه التّغيّرات الموسميّة بطرقٍ عميقةٍ، حتّى وإن كنّا لا نختبئ في أوكارٍ، ولا ندخل في سباتٍ.
كيف يؤثّر الشّتاء على أجسامنا وعقولنا؟
مع انخفاض درجات الحرارة وقصر ساعات النّهار، يمرّ جسم الإنسان بسلسلةٍ من التّغيّرات البيولوجيّة الّتي تؤثّر على حالته المزاجيّة وصحّته العامّة. وفي هذا السياق، يقول عالم النّفس بجامعة ولاية أريزونا، مايكل فارنوم، إنّ هناك دورةً طبيعيّةً يمرّ بها جسم الإنسان في الشّتاء، وهذه الدّورة ليست نتاج تربيةٍ أو عادةٍ اجتماعيّةٍ، بل هي نتيجةٌ لنمطٍ تطوّريٍّ وغريزيٍّ عميقٍ.
يشير فارنوم إلى أنّ الإنسان يشترك مع الحيوانات الأخرى في بعض الأنماط البيولوجيّة الّتي تتأثّر بتغيّر الفصول. فمثلاً، مع انخفاض ضوء النّهار في الشّتاء، يقلّ إفراز النّاقل العصبيّ "السّيروتونين"، ما يجعل البعض يعانون من الكآبة الشّتويّة، أو ما يعرف باضطراب العاطفة الموسميّ، كما أنّ الاستيقاظ في الظّلام يعطّل إنتاج هرمون الكورتيزول المسؤول عن الشّعور بالنّشاط، ممّا يجعلنا أكثر ميلاً للشّعور بالإرهاق والتّعب.
من جانبٍ آخر، تتغيّر قدرتنا على التّركيز أيضاً في الشّتاء، حيث تظهر الدّراسات تراجعاً في الأداء العقليّ، ربّما بسبب انخفاض مستويات بعض النّاقلات العصبيّة. وحتّى الشّهيّة للطّعام تزيد خلال هذا الفصل، ولا يعود السّبب فقط إلى الحلويّات الموسميّة والأطباق الدّسمة، بل تلعب التّغيّرات الأيضيّة دوراً كبيراً، حيث يميل الجسم إلى تخزين الطّاقة بشكلٍ أكبر، ممّا يؤدّي إلى زيادة الوزن.
التّغيّرات الموسميّة والتّكيّف معها
قد لا يبدو سهلاً التّكيّف مع هذه التّغيّرات، لكنّ بعض الخبراء يؤكّدون على أهمّيّة مواكبة إيقاعات الجسم الموسميّة بدلاً من محاولة مقاومتها. وعلى سبيل المثال، يقترح بعضهم تبنّي روتين عملٍ موسميٍّ. فهناك شخصيّاتٌ شهيرةٌ مثل الرّوائيّ لي تشايلد، الّذي يكتب روايةً جديدةً كلّ شتاءٍ، ويأخذ إجازةً في الصّيف، ممّا يتيح له الانسجام مع إيقاع جسده والعمل بأقصى طاقاته. كما يرى كاتب الإنتاجيّة نيكولاس بيت أنّ الشّتاء هو الوقت المناسب للتّفرّغ للعمل والتّركيز، بينما يستغلّ الصّيف للاستمتاع بالأجواء.
إذا كنت من أصحاب الجداول الزّمنيّة المرنة، فقد يكون فصل الشّتاء فرصةً جيّدةً للتّركيز على الأعمال الّتي تتطلّب إبداعاً وعمقاً، مثل الكتابة أو البحث أو التّعلّم. كما يمكنك استخدام هذا الوقت للعمل على تطوير مهاراتك الشّخصيّة أو قراءة الكتب أو البدء بمشروعٍ شخصيٍّ جديدٍ. أمّا إذا كانت جداولك الزّمنيّة أقلّ مرونةً، فلا يعني ذلك أنّك لا تستطيع الاستفادة من هذا التّغيّر. يمكنك مثلاً أن تزيد من ساعات نومك قليلاً لتعويض الشّعور بالإرهاق، أو تنقل بعض الأنشطة إلى الصّباح، حيث تكون أكثر نشاطاً.
أمّا إذا كنت تشعر بثقل الشّتاء، فقد يكون من المفيد كسر الرّوتين عبر الأنشطة الشّتويّة الممتعة. فمن المعروف أنّ الشّعوب الإسكندنافيّة، الّتي تعيش في ظروفٍ شتويّةٍ قاسيةٍ، تجد طرقاً فريدةً للاستمتاع بالبرد عبر الأنشطة الخارجيّة مثل التّزلّج، أو الجلوس حول المدفأة مع مشروبٍ ساخنٍ. فهذه الأنشطة لا تساهم فقط في كسر الملل، بل ترفع المعنويّات، وتساعد على تجاوز تأثيرات الشّتاء السّلبيّة.