كيف يعزّز بناء العلامة التّجارية الشّخصيّة آفاقك المهنيّة؟
في حوارٍ مع كيلي لونبرغ، نتعرّف على كيفيّة بناء علامةٍ تجاريّةٍ شخصيّةٍ قويّةٍ تساعدك على النّجاح في سوق العمل التّنافسي
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
أصبحت العلامةُ التّجارية الشّخصيّة، تماماً كعلاماتِ المنتجاتِ التّجاريّة، عنصراً لا غِنى عنه في عالمِ الأعمال. إذ تُساهِم علامتُك التّجاريّة الشّخصيّة في دفعِ مسارك المهنيّ نحوَ الأمام، وجذبِ فُرَصِ عملٍ جديدة، وإبرازِ قيمتِك وإمكاناتِك، كما تُضفي على شخصيّتِك ثقةً وقوّة. هي ببساطةِ الطّريقةُ الّتي تُقدّم بها نفسك وأعمالك، وكيفيّةُ بناءِ علاقاتِك مع شبكتِك المهنيّة والاجتماعيّة سواءً عبرَ الإنترنت أو خارجه.
في هذا السّياق، تحدَّثنا مع كيلي لونبرغ، رائدةِ الأعمال ومستشارةِ بناء العلامة التّجاريّة الشّخصيّة المقيمة في دبي، لتسليطِ الضوءِ على العناصرِ الأساسيّةِ لبناءِ العلامة الشّخصيّة وأهميّتها في تحقيقِ النجاحِ المهني.
لونبرغ، الّتي أصدرت مؤخراً كتابَها "Deseed the Lemon" عن العلامة التّجاريّة الشّخصيّة، جاءت إلى دبي من اسكتلندا عندما كانت في الثّانيةِ والعشرين من عمرِها، حيث أطلقت مشروعَها الأوّلَ في التّسوقِ الشّخصي وتنسيقِ الأزياء. ومع مرورِ الوقت وتعمّقِها في هذا المجال، أدركت أنّ الصورةَ العامةَ تتجاوز حدود ما يرتديه الناس، ممّا ألهمها لإطلاق شركتِها الخاصّة بالعلامة التّجاريّة الشّخصيّة "Brand You Creators" في عام 2019.
توضّح لونبرغ قائلةً: "العلامةُ التّجاريّة الشّخصيّة تمنحك الفرصة لتقديمِ مهاراتِك، خبراتِك، وقيمِك الفريدة بطريقةٍ تجعلها أكثرَ قُرباً للآخرين وسهلةَ التّذكّر. إنّها تساعد المهنيّين على بناءِ سمعةٍ طيّبة، وزيادةِ حضورِهم، وترسيخِ مصداقيّتِهم في مجالاتهم. العلامة التّجاريّة الشّخصيّة لا تقتصر على التّرويجِ للذّات؛ بل هي خلقُ انطباعٍ دائمٍ يفتح أمامك أبواباً لفرصٍ جديدة وتوسّعٍ مهنيٍّ مستمر".
وتتابع لونبرغ: "من التّحوّلاتِ الأكثر شيوعاً (والّتي أحبّها بشكل خاص) هي الزّيادةُ في الوضوحِ والثّقة بالنّفس. عندما يُدرك العملاء بعمقٍ من هم، وكيف يَظهرون في أعينِ الآخرين، ينعكس ذلك على كلِّ جوانبِ حياتِهم، ممّا يُعزّز من نجاحِهم المهنيّ والشّخصيّ".
فيما يلي ملخّصٌ منقّحٌ لما دار بيننا من حوار.
"عربية .Inc": متى أصبحت العلامة التّجاريّة الشّخصيّة أمراً ضرورياً للمهنيّين؟
لونبرغ: أصبحت العلامةُ التّجاريّة الشّخصيّة ضرورةً في سوقِ العملِ التنافسيّ اليوم، سواءً للمهنيّين الذين يمتلكون أعمالهم الخاصّة، أو الذين يسعون للترقِّي في مسيرتهم الوظيفيّة. فما كان قادراً على إيصالك إلى مرحلةٍ معيّنةٍ في حياتِك المهنيّة قد لا يكون كافياً للتقدّمِ إلى المرحلةِ التاليّة، وهنا تبرز أهميّةُ العلامةِ الشّخصيّة في إبراز هويّتك المهنيّة ودفعِ مسيرتك نحو الأمام.
في الواقع، ظهر مفهومُ العلامةِ التّجاريّة الشّخصيّة في التسعينيات، لكنّ أهميّته ازدادت بشكلٍ كبيرٍ في السّنواتِ الخمسِ الأخيرة. يعود هذا التّزايدُ إلى التّركيزِ المتزايد على جعل الشّركات أكثر إنسانيّةً وإبراز الأشخاص الذين يقفون وراء العلاماتِ التّجاريّة. هؤلاء الأفرادُ هم من يخلقون الروابطَ الحقيقيّة، ويضفون لمسةً شخصيّةً تجعل العلامةَ التّجاريّة أكثر تميّزاً وأكثر ارتباطاً بالناس.
ومع التّطوّرِ المستمر في مجالِ الذّكاءِ الاصطناعيّ والخدماتِ الآليّة، تزداد الحاجةُ إلى التّواصلِ الشّخصي. فرغم أنّ التّكنولوجيا تستطيع إنجازَ العديد من المهام بكفاءة، إلا أنّها تفتقر إلى العنصرِ البشري الذي يبني الثّقةَ ويعزز الولاء. هنا، تلعب علامتُك الشّخصيّة دوراً مهمّاً كمسرّعٍ للثقة.
"عربية .Inc": ما هي العناصر الأساسيّة للعلامة التّجاريّة الشّخصيّة؟
لونبرغ: في كتابي "Deseed The Lemon"، تناولت العلامة التّجاريّة الشّخصيّة من خلال سبعة عناصر أساسيّة. أولاً، الاستراتيجيّة، وهي الرّكيزة الّتي تقوم عليها علامتك، وتشمل تحديد هويّتك بوضوح، وتحديد قيمك ورسالتك ورؤيتك، مع صياغةٍ دقيقةٍ لما تمثّله وأهدافك المستقبليّة. هذا التّعريف الواضح يساعدك في تحديد مسارك وتوجيه جهودك نحو تحقيق أهداف علامتك الشّخصيّة.
ثم يأتي الأسلوب، الذي يُعنى بتطوير هويّةٍ بصريّةٍ متسقة تعكس شخصيّتك المهنيّة. يشمل ذلك التّأكد من أنّ صوتك ونبرتك يعكسان جوهر علامتك، سواءً كان ذلك في الكتابة أو التّحدّث، مع الانتباه إلى لغة الجسد والتّواصل غير اللّفظي الذي يعزّز صورتك في أذهان الآخرين.
العنصر الثالث هو وسائل التّواصل الاجتماعيّ، حيث يتعلّق الأمر باختيار المنصّات الرقميّة المناسبة التي تُمكّنك من إبراز نفسك كقائدٍ فكري. عبر هذه المنصّات، يمكنك مشاركة محتوىً ذي قيمةٍ يضيف إلى رصيدك المعرفي والمهنيّ، ويساعدك في بناءِ شبكةٍ قويّةٍ من العلاقات المؤثّرة.
العنصر الرابع هو المواد المطبوعة، الذي يشمل جميع المواد التي تحمل هويّتك الشّخصيّة، بدءاً من سيرتك الذاتيّة المصمّمة بعناية، مروراً بموقعٍ إلكتروني يعكس علامتك الشّخصيّة ويعرض إنجازاتك، وصولاً إلى شعارٍ يعبّر عنك بشكلٍ احترافيٍّ ويجسّد رؤيتك.
العنصر الخامس هو الخطابة، والذي يتعلّق بإتقان فنّ سرد القصص واستخدامه كأداةٍ للتّواصل مع الجمهور. إتقانك لهذا الفن يمنحك القدرة على نقل رسالتك بشكلٍ مؤثّرٍ وبناء مصداقيّةٍ قويّة، ممّا يزيد من تأثيرك ويمهّد الطريق نحو فرصٍ جديدة.
يلي ذلك التّسليط الإعلامي، وهو السّعي للحصول على فرصٍ للظّهور في وسائل الإعلام لزيادة وعي النّاس بعلامتك وتعزيز مكانتك. هذا الظهور يساعدك في بناء صورةٍ قويّة، ويعزّز من حضورك في المجال الذي تعمل فيه.
وأخيراً، التّميّز، الذي يُعدّ العنصر الأكثر أهميّة، حيث يتطلّب منك تحديد ما يميّزك عن الآخرين في مجالك. سواءً كان ذلك مهارةً فريدة، أو رؤيّةً مبتكرةً، أو نهجاً خاصّاً، فإنّ قدرتك على التّميّز هي ما يجعلك لا تُنسى في أذهان الناس، ويضمن لك مكانةً متفرّدةً بين أقرانك.
"عربية .Inc": ما الذي يخسره المهنيّون إذا لم يبنوا علامة شخصيّة؟
لونبرغ: للنجاح في سوقِ اليومِ التّنافسي، لا يكفي أنّ تكون بارعاً في مجالك؛ بل يجب أن تكون معروفاً بتميّزك وإضافتك الفريدة.
إذا لم تستثمر الجهدَ في بناءِ علامتِك الشّخصيّة، قد تُهدر العديدُ من الفرصِ، وتظلّ غيرَ مرئيٍّ بين زملائك. قد تجد نفسك غيرَ مرشّحٍ للمشاريع المهمّة أو التّرقيات، أو حتى بعيداً عن فرصِ التّعاونِ المثمرة، بينما يتقدّم أولئك الذين يملكون علامةً تجاريّةً شخصيّةً قويّة.
"عربية .Inc": كيف يمكن للمهنيّين بناء علامتهم الشّخصيّة بعيداً عن الإنترنت؟
لونبرغ: تتجسّدُ علامتُك التّجاريّة الشّخصيّة في كلِّ يومٍ من خلالِ طريقةِ حضورِك، وكيفيّةِ تفاعلك مع الآخرين، والانطباعاتِ الّتي تتركها. العلامةُ التّجاريّة الشّخصيّة ليست حكراً على أصحابِ الأعمال؛ يمكن لكلُّ شخصٍ أنّ يخلق علامته الخاصّة من خلال تفاعلاته وكيفيّة تقديم نفسه. لبناء علامتِك الشّخصيّة خارجَ الإنترنت، يجب أنّ تُركّز على التّواجدِ الحقيقيّ والمشاركةِ الفاعلة. احضرِ الفعاليّاتِ المهنيّة، وانضمّ إلى منظّماتٍ تعكس مجالك، ولا تتردّد في تقديمِ نفسك كمتحدثٍ في ورشِ العمل والفعاليات. هذا الظهورُ يجعلك في موقعِ القائدِ الفكري، ويمنحك الفرصةَ لتوسيعِ شبكتك المهنيّة.
بعدَ تجربةٍ طويلةٍ في مجالِ الأزياء امتدّت لعشرين عاماً، أستطيعُ التأكيدَ أنّ الهويّةَ البصريّةَ تلعبُ دوراً كبيراً في تعزيزِ علامتِك الشّخصيّة. يجب أنّ يكون مظهرُك انعكاساً لرؤيتِك وقيمِك، وهو جزءٌ لا يتجزأُ من الطريقةِ التي تريدُ أنّ يراك بها الآخرون.
"عربية .Inc": ما النّصيحة التي تقدّمها للمهنيّين الذين يرغبون في بناء علامتهم الشّخصيّة؟
لونبرغ: ابدأ الآن ولا تنتظرِ اللحظةَ المثاليّة، لأنّ كلَّ يومٍ يمر دون أنّ تبدأ هو فرصةٌ ضائعة. ستجد أنّك كنتَ تتمنّى لو أنّك بدأتَ في وقتٍ أبكر، لأنّ بناءَ العلامةِ التّجاريّة الشّخصيّةِ عمليّةٌ مستمرّةٌ تعتمدُ على تفاصيلَ صغيرةٍ تُضاف بانتظام.