كيف يرى "موتسارت الرياضيات" مستقبل الذكاء الاصطناعي؟
من خلال تأمّلاته العميقة وتقييمه الواقعيّ، يكشف لنا تيرينس تاو كيف يمكن لهذه التكنولوجيا أن تصبح مساعداً فعّالاً في أبحاثنا وأعمالنا
عندما يتحدَّث أحد أعظم عقول الرّياضيات في عصرنا الحالي عن الذكاء الاصطناعي، فإنَّنا أمام فرصةٍ نادرةٍ للتعلُّم والاستفادة. تيرينس تاو، الذي يُلقَّب بـ"موتسارت الرّياضيات"، لا ينظر إلى الذكاء الاصطناعي كمنافسٍ سيزيحه عن عرشه العلميّ، بل يراه أداةً قويَّةً يمكنها تغيير قواعد اللعبة في مجالاتٍ عدَّة. من خلال تأمُّلاته العميقة وتقييمه الواقعي، يكشف لنا تاو كيف يمكن لهذه التّكنولوجيا أن تصبح مساعداً فعَّالاً في أبحاثنا وأعمالنا، دون أن نفقد قيمة الإبداع البشري.
الذكاء الاصطناعي بين الواقع والمبالغة
أصبح الذكاء الاصطناعي (AI) اليوم قادراً على أداءِ مجموعةٍ واسعةٍ من المهام المذهلة، مثل إنشاء صور ومقاطع فيديو مُقنعة، والتّفاعل مع المستخدمين بصوتٍ قريبٍ جدّاً من الصّوت البشريّ. الانتشار المتزايد لهذه التّكنولوجيا في أماكن العمل والحياة اليوميّة يُظهر أنَّ الذكاء الاصطناعي يتمتّع بإمكاناتٍ هائلة، حتى قبل أن يصل إلى مستوى الذّكاء الخارق الذي يتوقَّعه البعض. ومع ذلك، تُثير هذه التّطوُّرات تساؤلاتٍ حول مستقبل الوظائف البشريَّة، خاصَّةً في المجالات التّي تعتمد بشكلٍ كبيرٍ على التّفكير الحسابيّ والمنطقيّ.
لا يشعر تاو بالقلق من أنَّ الذكاء الاصطناعي سيحلُّ محلَّه في العمل، رغم ما يطرحه بعض روَّاد الأعمال مثل بيتر ثيل، الذي أشار إلى احتمال أن "يستولي" الذكاء الاصطناعي على الأدوار التّي تعتمد على الرّياضيات. ففي حديثه لمجلة "ذا أتلانتيك" (The Atlantic)، قدَّم تاو نظرةً متفائلةً وواقعيَّةً في آنٍ واحد حول الذكاء الاصطناعي، موضِّحاً أنَّ هذه التّكنولوجيا، رغم تطوُّرها، لا تزال بعيدةً عن تعقيد التّفكير البشريّ.
بالإضافة إلى ذلك، نشر تاو تعليقاً عبر منصة التّواصل الاجتماعيّ "ماثستودون" (Mathstodon)، يصف فيه أحدث نموذج GPT-4 من شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI) بأنَّه "ذكيٌّ مثل طالب دراساتٍ عليا متوسِّط المستوى، لكنَّه ليس عبقريّاً". أثارت تصريحاته نقاشاً واسعاً حول حدود قدرات الذكاء الاصطناعي. في الحقيقة، لم يكن الهدف من تعليقاته انتقاد التّكنولوجيا بقدر ما كان لإظهار مدى ملاءمتها لأدوارٍ معيَّنة.
الذكاء الاصطناعي كأداةٍ مساعدة، وليس بديلاً
من وجهة نظر تاو، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون أداةً مساعدةً مهمَّةً في الأبحاث، حيث يقوم بأداء المهام المُملَّة التّي تتطلَّب حساباتٍ دقيقة ومتكرِّرة. لكنَّه يرى أنَّ الذكاء الاصطناعي لا يزال غير قادرٍ على الابتكار أو الإبداع كما يفعل الإنسان.
يشير تاو إلى أنَّ الذكاء الاصطناعي بإمكانه توفير الكثير من الوقت والجهد للباحثين، خاصَّةً في المهام التّي تتطلَّب الدّقَّة والسّرعة. إلَّا أنَّ استخدامه يجب أن يكون موجَّهاً نحو تكملة العمل البشريّ وليس استبداله. بعبارةٍ أخرى، لا يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلَّ محلَّ المُفكِّرين البشريين، لكنَّه يمكن أن يكون مساعداً قويّاً لهم.
التّكيُّف مع التّغيُّرات التّكنولوجيَّة
قدَّم تاو فكرةً محوريَّة، وهي أنَّ البشر دائماً ما كانوا بحاجةٍ إلى التّكيُّف مع التّغيُّرات التّكنولوجيَّة. هذا الأمر لا ينطبق فقط على الرّياضيات، بل على جميع المجالات. بالنسبة له، يجب على العلماء والمفكِّرين تغيير نوع المشكلات التّي يحلُّونها لتبقى ذات مغزى في عصر الذكاء الاصطناعي. بدلاً من تكرار المهام التّي يمكن للآلات القيام بها، ينبغي على البشر توجيه انتباههم إلى المجالات التّي تحتاج إلى الابتكار والفهم العميق.
فيما يتعلَّق بالذكاء الاصطناعي، يعتقد تاو أنَّه من غير المجدي استخدامه لتكرار الأشياء التّي يجيدها البشر بالفعل. بدلاً من ذلك، يجب استغلال نقاط القوَّة التّكامليّة لكلٍّ من الإنسان والآلة لتحقيق نتائج أفضل.
قد يعتقد البعض أنَّ تصريحات تاو تنحصر في مجالات الرّياضيات والعلوم، لكن في الواقع، تحمل هذه الأفكار دروساً قيِّمة لأيِّ شخصٍ أو شركةٍ تفكِّر في تبنِّي الذكاء الاصطناعي. فالتّكنولوجيا قادرةٌ على تغيير طريقة العمل في العديد من المجالات، لكنَّها لن تحلَّ محلَّ العامل البشري تماماً.
مثلما غيَّر الحاسوب الشّخصي طبيعة العمل المكتبي، سيساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة من خلال أتمتة المهام المتكرِّرة والمُملَّة، ممَّا يمنح الموظفين الفرصة للتركيز على مهام أكثر إبداعيَّة وإنتاجيَّة.
نصيحة تاو لروَّاد الأعمال
إذا كنت تدير شركةً، وتفكِّر في كيفيّة تبنِّي الذكاء الاصطناعي، فإنَّ نصيحة تاو واضحة:
- لا تقلق بشأن فقدان موظفيك لوظائفهم: الذكاء الاصطناعي، في شكله الحالي، هو أداةٌ مساعدة، وليس بديلاً.
- فكِّر في كيفيّة استخدام التّكنولوجيا لتحسين الأداء: استخدم الذكاء الاصطناعي لتحسين إنتاجيَّة موظفيك وزيادة كفاءتهم.
- ركِّز على المهام الإبداعيَّة: دع الآلات تقوم بالمهام الرّوتينيَّة، بينما يركِّز فريقك على الابتكار والتّفكير الاستراتيجي.
يرى تيرينس تاو أنَّ الذكاء الاصطناعي يمثِّل فرصةً لتعزيز قدراتنا، وليس تهديداً لمكانتنا. من خلال التّعاون بين الإنسان والآلة، يمكننا تحقيق إنجازاتٍ أكبر وتحويل التّحدِّيات إلى فرص. التّكيُّف مع التّغيُّرات التّكنولوجيَّة والاستفادة منها هو السّبيل للمضي قدماً في عصر الذكاء الاصطناعي.