لا تسمح للأداء المتوسط بتخريب فريقك
خطوتان يتبعهما القادة المؤثّرون للحيلولة دون تحوّل "العادي" إلى "المألوف"
في أحدِ مطاعم السلطة بمطار أتلانتا، قدَّم لي الخدمة شابٌّ يبدو عليهِ عدمُ الرّغبةِ في التّواجدِ هناك. وأستخدمُ كلمةَ "قدَّم" هنا في إطارها المجازيّ، فقد تحرَّك ببطءٍ شديدٍ، لم يرفع بصرهُ أبداً، وتمتمَ بكلماته غير الواضحة. نظرت إليَّ السيّدة الواقفة خلفي متسائلةً، وكأنّها تقول: "لا أفهمه أنا أيضاً". طلبتُ منه تكرارَ كلامه مرَّتين، وكنت مستعدّاً لإعطاءِ بقشيشٍ جزيلٍ لو تلقيت خدمةً ممتازةً. في النّهاية، أردتُ استعادة بعضٍ ممَّا دفعت. [1]
أشاهدُ العاديَّة تستشري في العديد من الأماكن، المتاجر، دور السّينما، الأسواق، والمقاهي. لقد خفَّض ممثِّلو خدمات الضّيافة وخدمة العملاء من سقفِ التوقّعاتِ، نحن ندفعُ أكثر ونحظى بمنفعةٍ أقلّ. إطلاقُ وصفِ "متوسِّط" على النّادلِ الذي قابلته في المطارِ قد يكون في حدِّ ذاته مجاملةً.
- سبقَ وأن كتبتُ عن هذا، لكن اليوم، أودُّ أن أتطرَّق إلى مشكلةٍ أعمقَ.
بعد الجائحةِ، خلقتِ التحوُّلاتُ في بيئةِ العملِ واقعاً جديداً، وليس بالضرورة للأفضلِ. بينما لا تزال معدّلاتُ التضخّمِ مرتفعةً، فقد تعافى الاقتصادُ جزئيّاً. أُحدثت أكثر من 336,000 فرصةِ عملٍ في الشّهر الماضي، النّاسُ يسافرون كما لم يفعلوا من قبلُ، والعملاءُ يشترون بمعدّلاتٍ أعلى. المشكلةُ ليست في المستهلكِ، إنّما في البائعِ، فالنشاط التّجاريّ في ازديادٍ، لكن مستوى رضا العملاء في تراجعٍ. فما السبب يا تُرى؟
- أرى أنّ السّببّ يكمنُ في التّساهلِ مع العاديَّةِ.
غالباً ما تصدَّرت بلادنا المشهد في تجربة العملاء، فعلامات تجارية، مثل: ريتز كارلتون، ونوردستروم، وتشيك فيل-أيه كانت مثالاً يُحتذى به في الخدمة الرّاقية. لكن، في ظلِّ ظروفٍ معيَّنةٍ، تطغى طبيعتنا البشريَّة:
- عندما تكونُ الظّروفُ مواتيةً، قد نتخلَّى عن الانتباه، ظنّاً بأنّ النّجاحَ مضمونٌ.
- وعندما نشعرُ بأنفسنا ضحايا لنظامٍ متعثِّر، نميلُ إلى الاعتقاد أنّنا نستحقُّ بعض الرّاحة أو التّعويض.
العاديَّةُ تطفو على السّطحِ في أوقاتِ الرّخاء، بينما تبرزُ العظمةُ في الأوقات الصّعبةِ. وفي الأوقاتِ الجيّدةِ، نميلُ إلى فقدان التّركيز، معتقدين أنّ الزّخمَ كافٍ ولا حاجةَ للجهدِ. قال لي جون ماكسويل منذ سنواتٍ: "عندما تلقى رواجاً، فأنتَ لست بالجودةِ التي تظهرُ عليك، وعندما لا تحظى به، أنتَ أفضلُ ممّا تبدو".
كلمةُ "متوسِّط" (mediocre) كانت في الأصلِ مصطلحاً في تسلّقِ الجبالِ، تعني حرفيّاً "وسط الصّخرةِ". تصفُ المتسلّقين الذين يختارون التوقّف في منتصفِ الطريقِ. الوصول إلى القمّةِ يبدو شاقّاً وغير جذّابٍ. لذا، يغلب الكسلُ العقليّ التزامنا بالتّميّز. معظمُ معاركِ الحياة تُكسبُ أو تُخسرُ في العقلِ، فهي تُحدَّد قبل أنْ تبدأ؛ ما يحدثُ في ذهنك يتجسَّدُ في حياتك.
ومن المشكلاتِ الرّئيسةِ التي نواجهها أنّنا نعيشُ في عصرِ التّحفيزِ المفرطِ. أصبحنا نعتمدُ على التّنبيهاتِ، والنّوافذِ المنبثقةِ، والإشعاراتِ في أجهزتنا المحمولةِ. ومع تزايدِ التّحفيزِ الخارجيّ، تراجعَ دافعُنا الدّاخليّ. وعند غيابِ هذا التّحفيز، نتوقّفُ عن العملِ. فهل تريدُ دليلاً؟ الصّحةُ العقليَّة، والماليَّةُ، والبدنيَّةُ للأمريكيين في تدهورٍ. فالأمريكيّ العادي مديونٌ بـ 101,915 دولاراً، يكذب أربعَ مرَّاتٍ في اليوم، أو 1,460 كذبةً في السّنة، يستغرقُ ستَّ سنواتٍ لإتمام أربعِ سنواتٍ دراسيَّةٍ بالجامعةِ، ويقضي 30.73 ساعةٍ أسبوعيّاً في التّرفيه الرّقميّ؛ المشكلةُ هي أنّنا بطبيعتنا نميلُ نحو العاديَّةِ، وهذا يؤثّر بالتّأكيد على فرقِنا.
شاهد أيضاً: تشير علوم الأعصاب إلى أن الروائح الليلية تعزز الذاكرة وتزيد الإنتاجية
أبرز القادة الذين عرفتهم يحاربون روح العاديَّة بمنهجين قياديَّين، وهما:
1. فكّر بنفسك كمتحدٍ لا كمُتصدِّر
يتّبعُ المدرّب نيك سابان هذه الاستراتيجيَّةَ مع فريقهِ الكرويّ في ألاباما. إذ يعي خطرَ كونهِ المتصدِّر، فيسعى لجمعِ المعلوماتِ قبل كلّ مباراةٍ ليصوِّر فريقه كمتحدٍّ. يعتقدُ المنافسون أنّهم قادرون على الانتصارِ علينا، فيُعاد توجيهُ الأهدافِ لتكون على ظهورهم لا ظهورنا. علينا وعلى فرقِنا أن نرسمَ رؤيةً واضحةً للتحدِّي تحفِّزُ الأعضاء للارتقاءِ إلى مستوى أعلى، وعدمِ الاكتفاءِ بالإنجازاتِ الحاليَّةِ.
2. ضع معايير تدفع الفريق للتفوّق
من المحتملِ أنّ ذلك الشابَّ الذي خدمني في بوفيه السّلطات ظنَّ أنه يؤدّي عملهُ بشكلٍ كافٍ، إلّا أنّ هذا كان هدفهُ الأقصى. أراهنُ أنّ تدريبه كان متوسِّطاً في أفضلِ الأحوالِ. يحتاجُ الكثيرُ من الأشخاصِ إلى قادةٍ يمدُّونهم لتجاوزِ حدودهم، وهذا يعني أنّه يجبُ علينا وضعُ معاييرَ عاليةٍ جدّاً للأداءِ الفعَّالِ. لو كانت المعاييرُ في البوفيه هي النّظرُ في عيون العملاء، التحدُّث بوضوحٍ، الابتسام، والتصرُّفُ كما لو كنتَ تستمتع بخدمتهم، لكان ذلك قد أحدث فرقاً ملموساً.
لنحافظَ دوماً على تحفيزِ التّميّز أمام أعيننا. كما يقولُ صديقي إلياس أماش: "حين تتذوّق مصّاصة العاديَّة مرّةً واحدةً، ستظلُّ تتذوّقها طوال حياتك".