لا تقع في فخ الوعود الزائفة للذكاء الاصطناعي
من الأفضل لمعظم الشركات تطوير أنظمة تحليلية قد تكون أقل تقدماً، لكنها أكثر إنتاجيةً.
نحن اليوم في خضمِّ جنونِ "فومو" آخر حيل الذّكاءِ الاصطناعيّ، بالأخصّ الأنظمة القائمة على النّماذجِ اللّغويّةِ الكبيرةِ مثل ChatGPT، ويبدو وكأنّ ملايين الشّركاتِ، وعشراتِ رؤوسِ الأموالِ تهرع لاستثمارِ الملياراتِ فيما يأملون منه أن يكون القادم أفضلاً. [1]
لقد غدا مصطلحُ الذّكاءِ الاصطناعيّ اختزالاً موحلاً، وتعبيراً طنّاناً مُساءَ الاستخدامِ والتّوظيفِ (كما هو الحالُ مع مصطلحاتٍ أخرى من قبيلِ "الكربتو"، و"البلوكشين"، و"الويب 3.0")، بحيث أنّه على قدرٍ من الرّحابةِ لدرجةٍ تُفقده أيّ قيمةٍ توصيفيّةٍ. يُساءُ فهمُ الذّكاءِ الاصطناعيّ بشكلٍ واسعٍ لدرجةِ أنّ الأمرَ الوحيدَ الّذي يعيه أولئك عن هذا الموضوعِ هو أنّهم لا يرغبون بتاتاً بأن يفوتهم، حتى وإن لم يكونوا على درايةٍ حقّةٍ بهذا "الشّيء" الذي سيفتقدونه.
لكنّ ما يزيدُ في الإحباطِ فعلاً أنّ هذا هو أحدُ المستنقعاتِ الدّلاليّة، والدّعاياتِ الموجَّهةِ بوسائلِ الإعلامِ الّتي تراك تخوضُ فيها. وفي حين أنّكَ على مهلٍ تُغرقُ رأسَ مالك الثّمينِ ومواردك التّقنيّةِ في تلك الطّامةِ. ويتعلّمُ فريقك نهايةَ الأمرِ شيئاً ملموساً عن التّطبيقاتِ ذات الصّلةِ لهذه الأدواتِ الجديدةِ؛ تدركُ للأسفِ أنّ الأموالَ التي أنفقت والأدواتِ الّتي أنشأت أو اشتريت كانت ذاتَ تأثيرٍ طفيفٍ أو معدومٍ على العمليّاتِ الفعليّةِ لشركتك على وجهِ التّحديدِ.
إنّ معظمَ الأعمالِ لن تحتاجَ أو لن تجدَ أصلاً أيّ استخداماتٍ عمليّةٍ مجديةٍ اقتصاديّاً لأدواتِ الذّكاءِ الاصطناعيّ الفعليّةِ لسنينَ قادمةٍ. إذا ما حدثَ هذا أصلاً؛ وذلك نظراً لأنّ متطلّباتها اليوميّةِ من المعلوماتِ، والخصائصِ والسّماتِ المحدّدةِ لمنتجاتها، وخدماتها، وأسواقها، وزبائنها ببساطةٍ لا تتّسقُ بما فيه الكفايةُ مع المخرجاتِ الفعليّةِ للمعلوماتِ لتلك الأنظمةِ.
الأمرُ أشبهُ بطلبِ مشورةٍ ضريبيّةٍ من فيلسوفٍ عوضاً عن محاسبٍ. لربّما تحصلُ على إجابةٍ ما، إجابة قد تكون سليمةً، سياقيّاً، أو في عالمِ ChatGPT الرّاهنِ إجابةً مختلَفةً كلّيّاً، على أنّ تلكَ المشورةَ ليست ما قد يقدمُ أيّ شخصٍ عاقلٍ على الاعتمادِ عليهِ.
قد يكون الذّكاءُ الاصطناعيّ التوجّهَ الخطأ لكَ، في حال كنتَ بالفعلِ تحاولُ حلّ مشاكل بعينها بطرقٍ أفضلَ وأسرعَ. بما قد تتضمّنهُ من ترتيبٍ وتوجيهٍ، وتوقّعاتِ سلاسلِ التّوريدِ تماماً عند الحاجةِ، كذلك تقديراتِ التّكاليفِ والأضرارِ، أو مصفوفاتِ التّسعيرِ.
أنت لست بحاجةٍ إلى بذلِ الوقتِ والجهدِ في تدريبِ فريقك على أنظمةٍ جديدةٍ. وذلك لغرضِ إنشاءِ استدعاءاتٍ وتوجيهاتٍ مُحكَمةٍ وتكراريّةٍ لاستنطاقِ مجاميع ضخمة للبياناتِ العامّةِ، ومن ثمّ لتحصلَ على إجاباتٍ غير ذاتِ صلةٍ بتفاصيلِ عملك أو البيئاتِ السّوقيّةِ والجغرافيّةِ والتّنظيميّةِ الّتي تعملُ فيها. فذلك إفراطٌ ومبالغةٌ، وأشبهُ باستخدامِ مطرقةٍ لإخمادِ نارٍّ اندلعت في شعرِ رأسك؛ مؤلمٌ، ومكلفٌ، وغيرُ مفيد على وجهِ الخصوصِ.
على الجانبِ الآخر، إنّ الطريقَ الأذكى لدخولِ هذا العالمِ التّوليديّ الجديدِ يتمثّلُ في إنفاقِ وقتكَ وطاقاتك في استحداثِ أنظمةِ تحليلٍ وتقصٍّ. بحيث تكون مفيدةً، ومجديةً اقتصاديّاً، وسريعةً نسبيّاً، وسهلةَ الوصولِ، ومبنيّةً من تجميعاتِ البياناتِ خاصّتك. كذلك من الأطرافِ الثّالثةِ ذات الصّلةِ، والكياناتِ الأخرى المجاورةِ، ومن الخبراتِ المشتركةِ والموثّقةِ، ومن القواعدِ المعرفيّةِ المحفوظةِ. لذا دعنا فقط نقل أنّ الفكرةَ البسيطةَ في تعلّمِ الآلةِ أكثر إفادةً مقارنةً بكلّ ذاك اللّغوّ حول الذّكاءِ الاصطناعيّ.
لا أبسطَ من هكذا فرضيّةٍ؛ لا حاجةَ لك إلى عرّافٍ للتّنبّؤ بالطّلبِ المحتمَلِ في الشّهرِ القادمِ على منتجاتٍ محدّدةٍ. خاصّةً إن كنت تمتلكُ بالفعلِ بيانات عقدٍ سابقٍ من المبيعاتِ، وفريق مبيعاتٍ بخبرةٍ، ومعلومات جيّدة حول استراتيجيّاتِ التّسعيرِ لدى منافسيك. إضافةً إلى وجودِ سوقٍ مستقرّةٍ نسبيّاً من حيث التّنظيمِ أو العواملِ الخارجيّةِ الأخرى.
كما أنّ كلّ منظّمةِ مبيعاتٍ محترمةٍ، وكلّ مطعمٍ، وأيّ محفلٍ ترفيهيٍّ ذكيّ بحوزتهِ نسخته الخاصّةُ من كتابِ "اهزم الأمس"، والذي يساعدها في النّظرِ إلى الوراءِ والتّخطيطِ للقادمِ. هذا ولسنواتٍ، قامت معظمُ الأعمالِ بإجراء أنماطها الخاصّةِ من هذه الأنواعِ من التّحرّياتِ، في خليطٍ ما من الأساليبِ اليدويّةِ والآليّةِ، لذا، لا وجودَ لأيّ تدريبِ جديدٍ تقريباً.
تكمنُ الحيلةُ هنا في أنّ أيّ آلةٍ جيّدةٍ لائقةٍ بإمكانها إدارة، واستيعاب، ومعالجة، وعرض النّتائجِ، والمتغيّرات، والتّقديرات لآلافٍ من المنتجات والسّيناريوهات المختلفة عند نقاطٍ سعريّةٍ متعدّدةٍ. وذلك في دقائق، وأكثرَ دقّةً بكثيرِ مقارنةً حتّى بأفضلِ مندوبي المبيعاتِ لديك. التّغيّرُ الحاسمُ هو أنّ السّرعةَ والإمكاناتَ الموجودةَ حتّى في آلاتِ الحوسبةِ من المستوياتِ الدّنيا، قد نما بشكلٍ مهولٍ في الوقتِ الّذي تنعدمُ فيه تقريباً تكاليفُ الوصولِ إلى قدرةِ المعالجةِ تلك وتوظيفها.
لا يقتصر استخدامُ تعلّمِ الآلةِ على تطبيقاتٍ من قبيلِ استقراءِ المبيعاتِ فحسب. فملايينُ مجرياتِ العمّالِ تحدث كلّ يومٍ، وتنطبقُ عليها قواعد، وعمليّات، ولوائح، وقيود معروفة، والّتي بدورها تكون أيضاً قابلةً للتّجميعِ، والأرشفةِ، والتّحويلِ إلى تعليماتٍ وتوجيهاتٍ تكتيكيّةٍ في الوقت الفعليّ، لتُعادَ عقب ذلك إلى أعضاءِ الفريقِ المتعاملين مع العميلِ ضمن مئاتٍ من الأدوارِ والمراكزِ المختلفةِ.
يكرّس Blato -أداةَ ذكاءٍ اصطناعي- مثالاً مشرقاً لنظامٍ كذاك. إذ يقومُ على تزويدِ وكلاءِ خدمةِ المستهلكِ ومشرفيهم ومدرائهم بشكلٍ فوريّ ومباشرٍ، بسجلِّ العميلِ، وبياناتِ المعاملاتِ، والرّدودِ الملائمةِ، ووجهاتِ التّصعيدِ. وكلّ ذلك مستوحىً من التّفاعلاتِ الحاليّةِ، وسياساتِ الشّركةِ، والخبراتِ السّابقةِ في حالاتٍ مماثلةٍ. إن كان لا بدّ لك من تسميّةِ كلّ ذلك، أقترحُ عليك -وبمزيدٍ من الدّقّةِ- أن تطلقَ على هذا النّوعِ من المساعدةِ اسمَ "الذّكاء المعزّز"، ما دمت تفهمُ أنّ ذكاءَ المستخدمِ النّهائيّ هنا هو ما يجري تحسينهُ وتنميته. وذلك عوضاً عن بضعةِ المُخرَجاتِ المؤلَّفةِ الّتي يخترعها لنا صندوقٌ أسودٌ إعجازيّ يجيبُ عن أسئلةٍ لا حاجةَ لأحدٍ بطرحها.
إنّ التّحسيناتِ في إقبالِ المستهلكِ، ورضا كلٍّ من العميلِ وممثّلي خدمةِ الزّبائنِ، بالإضافةِ إلى المكاسبِ في الوقتِ، والدّقّةِ، والإنتاجيّةِ، ليست نتاجَ اكتشافاتٍ جديدةٍ، هي ببساطة حصيلة التّجهيزِ الأفضل والأسرع لعناصر الفريق بالبيانات والأدوات الّتي يحتاجونها للقيامِ بأفضلِ ما يمكنُ من العملِ في أقصرِ مدّةٍ من الزّمنِ. ليس التّقطيعُ والتّفريقُ على نطاقٍ واسعٍ شيئاً من السّحرِ الجديدِ، بل هو حالةٌ نكون فيها أكثر تركيزاً على القوّةِ والقيمةِ لهكذا دراساتٍ. بالإضافةِ لامتلاكنا القدرةَ على تحويلِ كميّاتٍ هائلةٍ من البياناتِ إلى معلوماتٍ مفيدةٍ وقابلةٍ للتّنفيذِ.
على مقلبٍ آخر، يقدّمُ Snapsheets برنامجَ إدارةِ المطالباتِ للقطاعِ التّأمينيّ؛ بحيث يَمنح زبائن الخدمةِ الوصولَ إلى ملايينِ التّفاعلاتِ بين القائمين على تسويةِ المطالباتِ، وورشِ الإصلاحِ، والمستهلكين الّذين إمّا أن يكونوا من المؤمَّنِ عليهم أو من المدّعين. بقدرِ ما تبدو كلّ وأيّ حالةِ اصطدامٍ فريدةٍ من نوعها للأطرافِ ذوي الشّأنِ بها، فإنّ طبيعةَ عطلِ المركباتِ، وتكاليفِ الإصلاحاتِ، والوقتِ المتطلَّبِ لذلك؛ كلّها تفاصيلٌ متّسقةٌ بشكلٍ ملحوظٍ عند حضورِ السّيّاراتِ والظّروفِ ذاتها في الموقفِ.
بالإضافةِ لذلك، جرى أيضاً تسهيلُ وتوحيدُ إجراءاتِ توثيقِ وتقديمِ المطالباتِ من قبلِ كبرى شركاتِ التّأمينِ، ما يعني أنّ الغالبيّةَ العظمى من المطالباتِ الّتي تجري معالجتها في أيّ يومٍ كان ولعرباتٍ مشابهةٍ؛ تكون متطابقةً تقريباً. على النّحوّ ذاته، تكون جلُّ عمليّةِ الإصلاحِ مفهومةً بالكاملِ، ونظراً لأنّ كاملَ اللّغةِ الوصفيّةِ المرتبطةِ بالأجزاءِ والأنظمةِ المتضرّرةِ متوافرةٌ أيضاً ضمن معرّفاتٍ رقميّةٍ شائعةِ التّوظيفِ. فبالإمكانِ استجلابُ جميعِ موادّ تقديمِ المطالباتِ فوريّاً بوساطةِ أنظمةِ الإدخالِ ودفعها مباشرةً صوبَ الآليّاتِ التّحليليّةِ.
هنا مجدّداً، تستمرّ Snapsheet بالبرهانِ على أنّ الظّروفَ مثاليّةٌ للتّطبيقِ الموسَّعِ لتعلّمِ الآلةِ. ومن خلالِ التّعويلِ على ملايين أمثلةِ الضّررِ السّابقةِ المتراكمةِ، يمكن للنّظامِ تحليلُ، وتوثيقُ، ومعالجةُ المطالباتِ لدى تقديمها وإنشاءُ تقديراتٍ أوّليّةٍ تلقائيّاً دون أيّ انخراطٍ للإنسانِ في ذلك. بعدَ ذلك، بالإمكانِ مراجعةُ تلك التّقديراتِ الأوّليّةِ سريعاً من قبلِ القائمين على الأمرِ، وتحريرها، أو تصويبها عند الضّرورةِ. وذلك لتُعاد في الوقتِ الفعليّ إلى المؤَمَّنِ عليهم أو أصحاب المطالباتِ، جنباً إلى جنبٍ مع التّوجيهاتِ والتّفويضاتِ إلى ورشِ هياكلِ السّياراتِ لإصلاحِ العرباتِ المتضرّرةِ وإعادتها إلى مالكيها بسرعةٍ.
في حال بدتْ هذه العمليّةُ آليّةً ومباشرةً بشكلٍ ملحوظٍ، فهذا لأنّها كذلك بالفعلِ. لا سحرَ هنا. لا ذكاءَ مبتدعٌ أو فكرةٌ خالصةٌ. هناك أساليبٌ تتحسّنُ على الدّوامِ لاستخدامِ قوّةِ الحوسبةِ المتزايدةِ في إدارةِ كميّاتٍ هائلةٍ من البياناتِ. تلك على وجهِ التّحديدِ قيمةُ وفضيلةُ استخدامِ الحواسيبِ وأدواتِ تعلّمِ الآلةِ الأخرى، لاستبدالِ الإجراءاتِ البشريّةِ المتكرّرةِ غير المنتهيةِ، والّتي من بينها إدخالُ البياناتِ، بأنظمةٍ قادرةٍ على تجميعِ، ومعالجةِ، وتقييمِ الموادّ فوريّاً للارتقاءِ بالإنتاجيّةِ. كذلك بهدفِ تجنّبِ أخطاءِ الإدخالِ والحسابِ، وضمانِ امتثالٍ مستدامٍ للّوائحِ والقوانين التّنظيميّةِ، وتوفيرِ الوقتِ، وتحسينِ رضا الجميعِ.
إنّ أذكى ما بإمكانِ أيّ صاحبِ عملٍ القيامُ به اليومَ هو جردُ عمليّاتهِ الخاصّةِ بعنايةٍ، ومن ثمّ تحديدُ أيّ من أقسامِ سيرِ العملِ تحملُ الخصائص الرّئيسيّة القابلة للتّحسينِ والتّعزيزِ من خلالِ تطبيقِ تعلّمِ الآلةِ، والبدءِ بإنفاذِ تلك الأنواعِ من التّحسيناتِ. ولا شيء مصطنعٌ حيالَ العوائدِ والوفوراتِ الّتي ستراها في وقتٍ قصيرٍ جدّاً.