لماذا تتزايد أهمية الاستدامة للمشروعات الرّيادية عالمياً؟
تقارير متزايدة تشير إلى تعزيز الربحية عبر التزام الاستدامة في الشركات
رغم أن الاستدامة والتكنولوجيا الصديقة للبيئة ليستا ظاهرتين جديدتين، إلا أنّني أرى أنّهما أصبحا اليوم أكثر صلةً وأهميةً للمشروعات الصغيرة والمستثمرين من أي وقتٍ مضى. فالاحتباس الحراري ليس مجرد هاجسٍ، بل حقيقةٌ ملموسة تستدعي الابتكار والتطوير في مجالاتٍ تتعلّق بالاستدامة. هذه الابتكارات تفتح الأبواب أمام فرصٍ جديدة في السّوق، ما يمنح المشروعاتِ الرّيادية والشركاتِ المتّعددة الأحجام، بالإضافة إلى المستثمرين، فرصةً لزيادة الربحية. بحسب دراسات شركة NTT، يشهد حوالي 44% من الشركات تحسيناً في الرّبحية نتيجةً لالتزامها بمبادئ الاستدامة.
الاستدامة تتصدر الأجندة الإعلامية
في ظلّ تصاعد وتيرة الكوارث الطبيعية، من حرائق وفيضانات، احتّلت الاستدامة مكانةً بارزةً في الأخبار والتّقارير الإعلامية. إذ تأخذ الأمم المتحدة على عاتقها دوراً رياديّاً في وضع أهداف التّنمية المستدامة لتوجيه الإنسانية نحو مستقبلٍ أفضل. تلك الأهداف تتناول موضوعاتٍ تتراوح من الفقر والصحة إلى التّعليم وعدم المساواة، مروراً بتغيّر المناخ والنّمو الاقتصادي.
بينما أنا مؤمنٌ بالرأسمالية كنظامٍ اقتصادي، أعتقد بأنّه من الضروري أن نتحلّى بروح النبل والمثالية في العمل نحو تحقيق هذه الأهداف. هناك اهتمامٌ مشترك يجمع بين المنظمات غير الرّبحية والحكومات والقطاع الخاص في التّعاون لتحقيق هذه الأهداف.
شاهد أيضاً: One Moto: رحلةٌ ملهمة للابتكار في عالم الدراجات الكهربائية والاستدامة
فهم المصطلحات
لأن مصطلحات الاستدامة لا تُستخدم دائماً بشكل متّسق، من المفيد توضيح المصطلحات الأساسية، وهي كالتالي:
-
الاستدامة: هي تجنب استنزاف الموارد الطبيعية بهدف الحفاظ على التوازن البيئي.
-
المسؤولية الاجتماعية للشركات: نموذج عمل يساعد الشركة على أن تكون مسؤولة اجتماعياً تجاه نفسها، وأصحاب المصلحة، والجمهور.
-
البيئة، والمجتمع، والحكم (ESG): إطار عملٍ يُستخدم لتقييم ممارسات وأداء الشركة في مجال الاستدامة والقضايا الأخلاقية.
-
تغيّر المناخ: تحوّلات طويلة الأمد في درجات الحرارة وأنماط الطقس. قد تكون هذه النتائج طبيعية، نتيجةً لتغيرات في نشاط الشمس أو الثورات البركانية الكبيرة. يُعتقد أن الأنشطة البشرية في القرن الماضي هي المحرك الرئيس لتغيّر المناخ، وذلك بشكلٍ أساسي بسبب حرق الوقود الأحفوري.
-
التكنولوجيا النظيفة: أي خدمة، أو عملية، أو منتج، يقلّل من الأثر البيئي السّلبي من خلال تحسين كفاءة الطاقة، أو استخدام الموارد المستدامة، أو أنشطة حماية البيئة.
هناك بعض الاتجاهات التي أعتقد أنها الأكثر أهمية لأولئك العاملين في عالم الشركات الناشئة، والمؤسسات الكبيرة، والاستثمار. من الحاسم فهم هذه الظواهر لاتخاذ قرارات تجارية ذكية.
إدارة الفضلات وإعادة التدوير
تتضمن التطورات الرئيسية في هذا المجال معالجة مياه الصرف الصحي وتنقية المياه، حيث أصبحت المجتمعات تدرك أنه لا يمكننا إهدار هذا المورد الثمين. تسهم إدارة الفضلات وإعادة التدوير في تقليل استخدام مدافن النفايات. تحويل الفضلات إلى طاقة هو ابتكار يستخدم النفايات كمورد قيم، حيث يتم حرقها لتوليد الكهرباء. يحول التسميد العضوي الفضلات الغذائية إلى سماد، بينما يعيد التصنيع الإبداعي للمنتجات المهملة ويحولها إلى شيء ذي قيمة أكبر.
النقل منخفض الكربون
يصبح النقل المستدام أكثر شيوعاً، وأتوقّع استمرار هذا الاتجاه. تشير شركات صناعة السيارات مثل فورد وجنرال موتورز وفولكس واجن إلى أنّها ستركّز بالكامل على السيارات الكهربائية في الفترة الزمنية بين 2030 و2035. كذلك بدأت الحكومات في تحديد المواعيد النهائية التي لن يُسمح بعدها بالمركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري. لا نرى اليوم زيادةً في عدد السيارات الكهربائية فحسب، بل كذلك في الشّاحنات والحافلات والدّراجات النارية وحتى الألواح المتزلّجة.
تفيد تقارير "كار آند درايفر" بأنّ هناك حوالي 15,000 سيارة تعمل بالهيدروجين في السوق، لكن هذا يتفوّق بشكل طفيفٍ مقارنة بالملايين من السيارات الكهربائية.
شاهد أيضاً: ما هو صافي الانبعاث الصفري؟
توليد وتخزين الطّاقة النّظيفة
تشهد هذه المنطقة تطوّراتٍ جديدة تتضمّن طاقة الموجات، وهي تقنيةٌ تستفيد من أمواج المحيط لتوليد الكهرباء. تعتبر تكنولوجيا البطاريات مجالاً مهمّاً للابتكار، حيث يعد تخزين الطاقة عنصراً أساسياً في الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجدّدة. نلاحظ أيضاً تزايد الابتكار في تكنولوجيا الطاقة النووية وتكنولوجيا الطاقة من الملح المنصهر.
الامتصاص الكربوني
يشير هذا المصطلح إلى عملية القبض على الكربون وإزالته من الغلاف الجوي، وهو مجالٌ في تطوّرٍ متسارع. تقوم برامج تتّبع الكربون بحساب انبعاثات الكربون لشركةٍ معيّنة. بدأت العديد من الشركات الكبيرة في حساب ونشر انبعاثاتها ووضع أهدافٍ عامّة لتقليلها.
العمران والأبنية الخضراء
نشهد مزيداً من الابتكار في مواد البناء الخضراء، بما في ذلك المواد المتجددة مثل الخيزران والقنّب والقش. تبني الشركات باستخدام الخشب المتقاطع المغشّى للاستفادة الأمثل من البناء الخشبي حتى في الأبراج السماوية. يعني البناء المنخفض الكربون تطوير المباني ذات الكفاءة العالية في استهلاك الطاقة والمصنوعة من موادٍ خضراء وببصماتٍ كربونية أصغر.
تلعب التكنولوجيا دوراً حاسماً أيضاً في العمران والبناء، حيث تطوّر الشركات المبتكرة أجهزة تحكّمٍ حرارية قابلة للبرمجة، وإضاءة LED، وعدّادات ذكية لاستخدام الطاقة بكفاءةٍ أعلى. المباني الذاتية الكفاءة هي تلك التي تنتج طاقةً كافية سنوياً لتشغيل نفسها، عادةً ما يكون ذلك باستخدام الألواح الشمسية.
الزّراعة العمودية والتّقليد البيولوجي
في ظل تزايد عدد السكان عالمياً وندرة الأراضي المتاحة، أتوقع أن تصبح الزراعة العمودية والزراعة في المناطق الحضرية أكثر انتشاراً. تستخدم هذه الأساليب مساحاتٍ أرضية أقل وكميات ماءٍ أقل، ويمكن إقامتها في بيئات المدن المزدحمة.
التقليد البيولوجي هو تصميم وإنتاج المواد والهياكل والأنظمة التي تحاكي الكائنات والعمليات البيولوجية. يُحدث التّقليد البيولوجي في الزّراعة تحولاً في التكنولوجيا المستدامة، لا بملاءمتها مع الطبيعة فحسب، بل بجعل الطبيعة جزءاً لا يتجزأ منها أيضاً.
بينما يعتبر الابتكار التكنولوجي ظاهرةً شائعة، أعتقد أنًه من الحاسم - والعاجل - توظيف معرفتنا وخبرتنا لدفع عجلة الاستدامة قدماً. سيصبح العالم أكثر اكتظاظاً مع تقلّبات جويّةٍ أكثر حرارة وعنفوان. دعونا نعمل معاً لابتكار حلول تساعد في معالجة هذه المشكلات، بحيث نستمر في العيش حياة سعيدة ومنتجة رغم التغيرات البيئية.