لماذا يكون رواد الأعمال الأكبر سناً أكثر نجاحاً؟
السر في الاستمرار بالبحث عن تحديات جديدة بعد الوصول إلى مستوى عالٍ من النجاح
عادةً ما يستأثَّر رواد الأعمال الشَّباب (أو أولئك الذين كانوا شباباً عند تأسيس شركاتهم الناشئة) بقدرٍ وافرٍ من الاهتمام الإعلاميّ، كجوبز، وغيتس، وبيج، وبرين، وزوكربيرج... وغيرهم، ولكن كشفت دراسةٌ أجراها مكتب الإحصاء الأمريكيّ بالتَّعاون مع أستاذين من معهد ماساتشوستس للتُّكنولوجيا أنَّ الأكثر نجاحاً من روَّاد الأعمال عادةً ما يكونون في منتصف العمر أو أكبر، حتَّى في قطَّاع التُّكنولوجيا، وبشكلٍ عامٍّ، يزداد احتمال نجاح رائد الأعمال الذي يبلغ من العمر 60 عاماً في تأسيس شركةٍ ناجحةٍ بشكلٍ استثنائيٍّ بثلاثةِ أضعافٍ تقريباً مقارنةً بشابٍّ في الثَّلاثين من عمره، ومرتين أكثر قابليةً لإطلاق شركةٍ تُصنَّف ضمن أعلى 0.1% من جميع الشَّركات. [1]
بينما يتمتَّع مؤسّسو الشركات الناشئة الأصغر سنَّاً بمعرفةٍ تقنيَّةٍ معمَّقةٍ وميلٍ أقلّ للتَّحفُّظ على المخاطر، فإنَّ نظراءهم الأكبر سنَّاً يستفيدون من خبرةٍ أوسع، ومجموعة مهاراتٍ أكبر، وشبكات تواصلٍ أشمل، وإمكانيَّةٍ أفضل للوصول إلى رأس المال. وكما أورد ستيف جوبز يوماً:
"لا يمكنك فهم الأحداث وربطها ببعضها مستقبلاً، بل تستطيع فقط ذلك عند النَّظر إلى الماضي، وعليك إذاً أن تثقَ بأنَّ الأحداث ستكون مرتبطةً بطريقةٍ ما في مستقبلك، وعليك أن تثقَ بشيءٍ، سواءً كان حدسك، أو مصيرك، أو الحياة، أو الكارما، أو أيَّ شيءٍ آخر، هذا النَّهج لم يخذلني أبداً وقد أحدث فارقاً كبيراً في حياتي".
لهذا السَّبب، حين نتحدث عن الاستفادة الممكنة، فإنَّ التَّركيز ينصبُّ على كلمة "يمكن"، كما هو الحال مع كلّ شيءٍ، والطَّريقة التي تدير بها المهارات والمعرفة المتوفِّرة لديك. والأهمُّ من ذلك، ما إذا كنت تسعى بنشاطٍ لتعزيز تلك المهارات والمعارف بشكلٍ مستمرٍّ، حتَّى إن كنت غير متأكّدٍ من كيفيَّة استفادتك منها في الوقت الرَّاهن أو إلى أين قد تقودكّ، إذ سيحدث ذلكَ فارقاً كبيراً، خصوصاً إذا كنت قد بلغت بالفعل مراتب عليا من النَّجاح.
خذ مثالاً كيرت مينيفي Curt Menefee، الذي يعرفه عشَّاق كرة القدم جيّداً: إنَّه مقدِّم برنامج Fox NFL Sunday، أكثر برامج ما قبل المباراة مشاهدةً في البلاد، ومقدّم برنامج The OT، برنامج ما بعد المباراة على قناة Fox، كما قدَّم تغطيةً لدوري الأبطال والبطولة المفتوحة في الولايات المتَّحدة و UFC، والآن تريد الوصول إلى القمَّة؟ يصعب ذلك عندما تكون قد وصلت بالفعل إلى أعلى درجةٍ.
ومع ذلك، خلال السَّنوات القليلة الماضية، ظهر مينيفي كمعلّقٍ رئيسيٍّ لتغطيات قناة Fox المباشرة للدَّوري الأمريكيّ لكرة القدم UFL، وهو يقدِّم أيضاً برنامج Good Day New York، وبرنامج Fox 5 morning show. وفي عام 2022، حصل على درجة الماجستير في السّياسة العامَّة والإدارة من جامعة Northwestern، وبالنِّسبة إلى تطوير الإمكانيَّات الموجودة، فمينيفي يعرف الكثير عن ذلك، وعن التَّوجُّه نحو مساراتٍ لا تبدو نهاياتها واضحةً.
يقول منيفي: "إنَّك تقوم بجمع المعلومات، ولكن في نهاية المطاف، يجب أن تثقَ بحدسك، بغضِّ النَّظر عن حجم التَّحليل، ستصل دائماً إلى نقطةٍ تقف فيها عند مفترق طرقٍ، ويتوجَّب عليك الاختيار، قم بأداء واجباتك، ولكن بعد ذلك، اتَّبع ما تشعر أنَّه الصَّواب".
إذا بدا هذا الأسلوب شبيهاً بالفلسفة الرّواقيَّة، فهناك سببٌ مقنعٌ لذلك، ولا نستطيع التَّحكُّم في كلِّ ما يحدث، لكن بإمكاننا التَّحكُّم في كيفيَّة ردِّ فعلنا، وأحياناً تكون القرارات صحيحةً لأنَّنا نجعلها صحيحةً.
ويضيف مينيفي: "في تسعِ مرَّاتٍ من أصل عشرةٍ، تنجح القرارات لأنَّنا نجعلها تنجح، والمرَّة التي لا تنجح فيها هي مؤسفةٌ، لكنَّك لن تحقِّق التِّسع من عشرةٍ إذا جلست تنتظر اتِّخاذ قرارٍ تعرف بالتَّأكيد أنَّه سينجح". ويتابع قائلاً: "علاوةً على ذلك، أشعرُ دائماً أنَّه إذا لم تسر الأمور كما يجب، سأجد طريقةً لجعل هذا الفشل مفيداً، وإذا كنت فضوليَّاً ستجد دوماً إجابةً، قد لا تكون هي الإجابة التي كنت تتوقَّعها، أو ليست الإجابة التي تريدها في الوقت الذي تريده، لكن يمكنك دائماً العثور على إجابةٍ، حتَّى لو كانت تلك الإجابة تعلِّمك كيف تتعلَّم من تجربة الفشل وتواصل المضي قدماً نحو ما هو قادمٌ".
شاهد أيضاً: 4 كتب لتعزيز التفكير الابتكاري والنجاح الريادي
ويقول مينيفي: "تُثري المساعي المتنوِّعة حياتك، ويحسِّن الانخراط في تجاربَ مختلفةٍ من أدائك في المجالات التي تعمل بها بالفعل، أمَّا فيما يخصُّ معاودة الدّراسة لنيل درجة الماجستير، فلم أكن أتوقَّع أن هذا سيقودني إلى تقديم برنامج أخبارٍ صباحيٍّ في نيويورك، ولكنَّه فعل ذلك بالفعل؛ لأنَّني أثبتت التزامي بفهم السّياسة العامَّة، والأمر نفسه ينطبق على السَّفر؛ السَّفر يفتح الأبواب، ويخلق شعوراً بالتَّجربة المشتركة ويجمعك بأشخاصٍ لم تعرفهم من قبل، لقد مارست العزف على الغيتار طوال حياتي، وانتهى ذلك بمشاركاتٍ في البرامج مع فنانين مثل كريستيان ماكبرايد وستينغ، وحتَّى الوقوف على المسرح مع ديف جروهل من فرقة فو فايترز".
من الممكن أن يستخدمَ مينيفي شهرته لفتح الباب أمام الفرص، لكن بدلاً من ذلك، فضَّلَ أن يفتحَ الأبواب بمعرفته وخبرته وجهوده، ويوضِّح ذلك بقوله: "عندما غيَّرت جائحة كوفيد العالم، راقبت بعض الحكومات وهي تجد حلولاً، في حين فشل بعضهم الآخر، ثمَّ جاءت قضية جورج فلويد... وفكَّرت: لديَّ صوتٌ يسمح لي بدخول العديد من المجالات، والنَّاس سيجرون محادثاتٍ معي ببساطةٍ؛ لأنَّهم يستمتعون بمشاهدتي في برامج كرة القدم، كيف يمكنني استخدام هذه المنصَّة لأنفع العالم وليس فقط لتعلُّم المزيد عنه؟، عرفت أنَّني بحاجةٍ إلى أساسٍ معرفيٍّ أعمق، وكان ذلك دافعاً رئيسيَّاً لعودتي إلى الدّراسة".
إنَّ محاولةَ ربط الأحداث وفهمها بالنَّظر إلى الماضي، ورغبة مينيفي في اكتساب أساسٍ أعمق من المعرفة، قادته إلى فرصٍ مهنيَّةٍ جديدةٍ، وقاعدةٍ أوسع من المهارات للتَّفوُّق في هذه الفرص، وربَّما فرصٌ مختلفةٌ في المستقبل. إذ يقول: "لم أقل ذلك بصوتٍ عالٍ من قبل، ولكن هناك جزءاً مني قد يكون مهتمَّاً بمسيرةٍ سياسيَّةٍ في مرحلةٍ ما، لا أعتقد أنَّ ذلك سيكون في المستقبل القريب، بحصولي على درجةٍ في السِّياسة العامَّة، أصبحت أكثر تشجيعاً حيال إمكانيَّات المستقبل، ولكن أيضاً أكثر إحباطاً حيال الحاضر، لو كان لديَّ 50 عاماً أخرى، قد يكون ذلك شيئاً أودُّ تجربته".
شاهد أيضاً: أبرز 5 عادات تحوّل رواد الأعمال إلى قادة ملهمين
ومع ذلك، تجدهُ مهتمَّاً أيضاً بتعلُّم آلةٍ موسيقيَّةٍ أخرى، وإتقان لغةٍ أُخرى، كما يقول صديقٌ لي، اليوم الذي تصبح فيه رسميَّاً 'عجوزًا' هو اليوم الذي تتوقَّف فيه عن الأمل في فعلِ شيءٍ جديدٍ، 'يجب ألَّا تحقِّق كلَّ ما تريد تحقيقه'، كما يقول مينيفي: "لأنَّه إذا فعلت، فإنَّك لم تعش حياةً كاملةً بقدر الإمكان، ولكنَّك تحتاج أيضاً إلى التَّوقُّف، وبقدر الإمكان، لتقدير ما لديك".
ويروي مينيفي: "من أفضل النَّصائح التي تلقيّتها كانت عند زواجي، حينها نصحني صديقٌ قائلاً: 'في يوم زفافك، خصَّص أنت وزوجتك كلَّ ساعةٍ دقيقتين أو ثلاث للانفراد ببعضكما، استمتعا باللَّحظة وعيشاها بكلّ تفاصيلها'، لقد كانت تلك النَّصيحة من أجمل ما سمعت".
ويستطرد قائلاً: "من المهمِّ أن تجد طرقاً للاستمتاع باللَّحظة، لقد شاركت في 5 نهائيَّات Super Bowl، والعام الحاليُّ هو السَّادس، لو كان بإمكاني أن أخبر نفسي وأنا في الثَّامنة من عمري أنَّني سأكون يوماً ما في Super Bowl، أعمل وأمرح مع أفضل أصدقائي؛ لذا عليك ألَّا تركِّز كثيراً على المستقبل لدرجة أن تنسى أن تستمتع وتقدِّر ما بين يديك اليوم".
هذه الفكرة تعيدنا إلى النُّقطة الأساسيَّة حول الإنجاز والتَّطوُّر المستمرُّ والسَّعي لتكون أفضل نسخةٍ من نفسك. إذ قال: "أثناء تواجدي في إيطاليا مع صديقٍ، كنَّا نلتقط الصُّور لكلّ شيءٍ، وحينها استوقفتنا امرأة بسؤالٍ، 'لماذا يلتقط الأمريكيُّون الكثير من الصُّور؟' تساءلت، 'ماذا تعنين؟' فأجابت، 'أليس لديكم ذكريات؟'.
يقول مينيفي: "أحياناً ننسى أن نتوقَّفَ ونستوعبَ الأشياء حقَّاً، نحن مشغولون جداً بتوثيق اللَّحظات لدرجة أنَّنا لا نعيشها فعليَّاً، لا تكتف بتقدير يومك الأخير في وظيفةٍ، أو في شركةٍ، أو في مدرسةٍ، استمتع بكلِّ يومٍ، فأنت لا ترغب في أن تنظرَ إلى الوراء يوماً وتفكِّر: لقد أخطأت في تقدير ذلك الأمر، أو الأسوأ من ذلك، أخطأت في تقدير أهميَّة أولئك الأشخاص".
في نهاية المطاف، ما ستذكره بوضوحٍ لن يكون التَّكريمات التي حصلت عليها، أو المكانة التي بلغتها، أو الإنجازات التي حقَّقتها، بل ستتذكَّر الأشخاص الذين شاركتهم تلك التَّجارب، والرّحلة التي قمت بها، حتَّى وإن لم تكن مخطَّطةً بشكلٍ مثاليٍّ، والتي أوصلتك لأن تصبح الشَّخص الذي كنت تسعى لتكونه.