كيف يمكن للقادة دعم الصحة العقلية في العمل؟ إليك 3 طرق فعالة
مناقشةٌ لدور القادة في تعزيز الصحة العقلية للموظفين عبر إرساء القيم القويّة، وتشجيع الحوار الشّفّاف، وتقديم البرامج التّدريبيّة
أصبحت الصحة العقلية من الأولويّات الهامّة في أماكن العمل، إذ يُدرك القادة والمسؤولون مدى تأثير رفاهيّة الموظّفين على إنتاجيّتهم وسعادتهم في العمل، فخلال مهرجان الابتكار الّذي نظّمته مجلة "فاست كومباني" (Fast Company)، اجتمع 3 من كبار التّنفيذيّين من شركاتٍ رائدةٍ لمناقشة دور القادة في دعم الصحة العقلية للموظفين، وتشمل هذه الشّركات: "رير بيوتي" (Rare Beauty) و"إيكيا" (Ikea) و"باي" (Pie)، إذ شارك الحاضرون تجاربهم الشّخصيّة واستراتيجياتهم لدعم الصحّة العقليّة، ممّا يُبرز أهميّة هذا الموضوع في عالم الأعمال اليوم.
كيف يمكن للقادة دعم الصحة العقلية في العمل؟
يُمكن للقادة دعم الصحّة العقليّة من خلال اتّباع الاستراتيجيّات التّالية:
إرساء قيم قويّة في بيئة العمل
تُعتبر القيم المؤسّسيّة الأساس الّذي يُمكن من خلاله خلق بيئة عملٍ داعمةٍ للصحّة العقليّة، حيث شدّد لينوس كارلسون، كبير مسؤولي الإبداع في "إيكيا" (Ikea)، على أهميَّة وجود قيمٍ قويّةٍ تُركّز على رفاهيّة الموظفين، وأشار إلى أنَّ الجميع في النّهاية يستفيد من هذه القيم، حيث يتمتّع الفريق بالاحترام والرّاحة، وهو ما ينعكس على جودة العمل والأداء.
شدّد كارلسون على أهمّية توفير الرّاحة الكافية للموظّفين كجزءٍ أساسيٍّ من قيم الشركة، مستنداً إلى دراسةٍ أجرتها "إيكيا" (Ikea) كشفت أنّ 55% من المشاركين يرون أن النّوم الجيّد هو عاملٌ رئيسيٌّ يُؤثّر على رفاهيّتهم في المنزل، كما وأكّد أنّ على الشّركات إعادة النّظر في الفكرة السّائدة بأنّ النّجاح يتطلّب العمل لساعاتٍ طويلةٍ مع قلّة النّوم، بل ينبغي عليها الاهتمام بتوفير فرصٍ حقيقيّةٍ للرّاحة والنّوم الجيّد.
تشجيع الحوار المفتوح والشّفّاف
في بيئات العمل النّاشئة، قد تكون ساعات العمل الطّويلة مرهقةً، حيث ذكر آندي دان، الرّئيس التّنفيذيّ لشركة "باي" (Pie)، أنَّ العملَ لديهم قد يتطلّب 50 إلى 60 ساعةً أسبوعيّاً. ومع ذلك، أشار إلى أنَّ هذا الأمر يتم مناقشته بشكلٍ صريحٍ مع الموظفين منذ البداية، حيث يتطلّب الانضمام لفريقه التّفاني والاستعداد لخوض تحديّاتٍ شخصيّةٍ ومهنيّةٍ.
يعتقدُ دان أنَّ الحوارَ المفتوح بين القادة والموظّفين هو المفتاح لتخفيف الضّغط. على سبيل المثال، في فريقه، يتمّ تحديد مدى إلحاح الرّسائل وتحديد الوقت المناسب للاستجابة لها، ممّا يساعد على تجنّب الشعور بالإرهاق، فهذا الحوار يساهم في خلق بيئة عملٍ تدعم الصحّة العقليّة، وتوازن بين الجهد المطلوب والرّاحة النّفسيّة.
دمج التّعليم والتّدريب
تُعدّ "رير بيوتي" (Rare Beauty)، وهي شركة تجميلٍ تأسّست على يد سيلينا جوميز، نموذجاً آخر للشّركات الّتي تضع الصحّة العقليّة في صميم اهتماماتها، فمن خلال برامج تدريبيّة على الإسعافات الأوليّة للصحّة العقليّة، تهدف الشّركة إلى زيادة الوعي بين موظّفيها حول العلامات المُبكّرة للمشاكل النّفسيّة وكيفيّة التّعامل معها. يُشير إليس كوهين، نائب الرّئيس التّنفيذيّ للتّأثير الاجتماعيّ في الشّركة، إلى أنَّ الهدف من هذه البرامج تمكين الموظفين من فهم الصّحّة العقليّة بشكلٍ أعمق وتعزيز بيئة عملٍ صحيّةٍ وداعمةٍ.
ويضيف كوهين: "لم تكن هذه التّدريبات مهمّةً للموظفين فحسب، بل كانت أيضاً سبباً في جذب مواهب جديدةٍ للشّركة، حيث يرى الموظّفون الجدد في هذه البرامج قيّمةً إضافيّةً تٌعزّز رفاهيّتهم، وتجعلهم يشعرون بالدّعم والتّقدير".
أهميَّة دعم الصحة العقلية في العمل
تظهر أهميّة هذا النّقاش من خلال نتائج الدّراسات الّتي تُشير إلى أنَّ الصحة العقلية تُمثّل أولويّةً بالنّسبة للعديد من الموظّفين، إذ جاء في استطلاعٍ أجرته الجمعيّة الأمريكيّة لعلم النفس، أنَّ 92% من العمّال في الولايات المتّحدة يرون أنَّ العمل في منظّمةٍ تهتمّ بصحّتهم العاطفيّة والنّفسيّة أمرٌ مهمٌّ أو مهمٌّ إلى حدٍ ما، بل إنَّ ثلثي الموظّفين قالوا إنّهم سيكونون مستعدّين لقبول رواتب منخفضةٍ إذا ما كانت الوظيفة تُوفّر دعماً أكبر لصحتّهم العقليّة.
شارك آندي دان تجربته الشّخصيّة عندما تم تشخيصه باضطراب ثنائي القطب في العشرينات من عمره، فرغم نجاحه المهنيّ مع شركة "بونوبوس" (Bonobos)، إلّا أنّه تجاهل التّشخيص لفترةٍ طويلةٍ، حتّى وصل إلى نقطةٍ اضطرته لدخول جناح الأمراض النّفسيّة في عام 2016. ولكن اليوم، يُركّز دان على معالجة مشكلة الشّعور بالوحدة، الّتي تُعتبرُ أزمةً عامةً.
إنَّ دعم الصحة العقلية في مكان العمل ليس مجرّد خيارٍ، بل هو ضرورةٌ مُلحّةٌ، فالقادة الّذين يسعون إلى تحسين بيئة العمل يجب أن يضعوا رفاهيّة الموظفين في مقدّمة أولويّاتهم، سواء من خلال إرساء قيمٍ تُعزّز الرّاحة، أو من خلال فتح أبوابٍ للحوار الشّفاف، أو بتوفير تدريباتٍ لزيادة الوعي بالصحة العقلية، إذ تعود هذه الجهود بالنّفع على الجميع، حيث يشعر الموظّفون بالتّقدير والدّعم، ممّا يُعزّز من إنتاجيّتهم وسعادتهم في العمل.