متى عليك العدول عن فكرة مشروعك الصاعد؟
ضع هذا الإطار التقريري الآن، قبل أن تحتاجه، لأنك ستحتاجه قطعاً.
إنّها إحدى رسائلِ البريدِ الإلكترونيّ الأقلِّ تفضيلاً لديّ لتلقّيهَا.
وردَ إليّ البريدُ من خبيرةِ مؤسّسةٍ لعديدِ الشّركاتِ، كانتْ قدْ أنشأتْ شركاتٍ عدّة على مدارِ مسيرتهَا المهنيّةِ. أقلعَ بعضهَا بسرعةٍ لتخرجَ هي في نهايةِ المطافِ. القليلُ منها انهارَ بسرعةٍ، وبذلكَ تعلّمتْ مجموعةً من الدّروسِ ومضتْ قُدُماً للتّوالي.
الشركة الناشئة الّتي كانتْ تكتبُ إليّ بشأنها، كانتْ واحدةً من تلكَ المواربةٍ في الوسطِ.
شركتهَا الأخيرةُ، بعمرِ الثّلاثِ سنواتٍ الآن، وُلدَتْ في منتصَفِ الوباءِ، حالها حالُ مليونَ شركةٍ ناشئةٍ أخرى، قدْ أقبلتْ وأدبرتْ منذُ 2020. تلكَ الحقيقةُ وحدهَا كانتْ تُثقلُ عليهَا. في الوقتِ الّذي يستمرُّ فيهِ الاقتصادُ الكلّيّ في التّخبطِ نحوَ إيجادِ وضعٍ اعتياديٍّ مستجدٍّ، فإنَّ مخطّطاتِ التّسييرِ خاصّتَها مخبولةٌ، إنْ جازَ القولُ، لأنّها تفتقرُ لأيّ بياناتٍ توجيهيّةٍ يمكنُ لها الوثوقَ بها. وأضفْ لذلكَ لغوَ الأزماتِ الشّخصيّةِ، والخيباتِ المهنيّةِ، وفيضاً من التّضخّمِ، و ستشعرُ بأنّها في نهايةِ طريقِ شركتها النّاشئةِ.
أنا لنْ أعمدَ إلى إخبارها ما إذا كانَ عليها إقفالُ شركتهَا النّاشئةِ أم لا، لكنّ ما فعلتُهُ هو إخبارهَا ما كنتُ لأقومُ بهِ، لأنّي عايشتُ هذا الأمرَ عشراتِ المرّاتِ على الأقلِّ.
متى يحين الاستسلام
آهٍ. لا توجدُ إجابةٌ صحيحةٌ هنا. إنَّ وضعيّةَ كلّ مؤسّسٍ مختلفةٌ، وللوقتِ طريقتهُ في فرضِ الانحسارِ والتغلغلِ على العملِ، بغضِّ النّظرِ عن مدى روعةِ الفكرةِ أو مدى الجودةِ الّتي تُنفَّذُ فيها الفكرةُ. وعلى القدرِ ذاتهِ من الأهميّةِ، بطبيعةِ الحالِ، تكمنُ مقاساةُ الإحباطِ من المؤسّسِ عينهِ.
يستسلمُ البعضُ بسرعةٍ، وقد تبيّنَ بأنَّ هذهِ الفتاةُ المؤسّسّةُ كانتْ أقدمتْ على ذلكَ في الماضي. يمكنُ أنْ يُعزى ذلكَ إلى امتلاكها تحمّلاً متدنيّاً للإحباطِ، لكنّي أشكّ في الأمرِ، إذ إنّها تمتلكُ عدّةَ خروجاتٍ ناجحةٍ في ملفّها، وهذهِ لا تأتي من دونِ سيلٍ من الإحباطِ على طولِ الدّربِ.
لعلّ السّببَ الأرجحَ هو أنَّ لديها حسّاً سريعاً حيالَ متى يبدأُ الفشلُ بالظّهورِ مظهرَ الفشلِ. على المقلبِ الآخرِ من الطّيفِ، بعضُ النّاسِ -وهذا غالباً أنا- يميلونَ لعدمِ التّخلّي بتاتاً عن فكرةٍ ما إلى أنْ تهلِكَ آخرُ جذوةٍ من جرنِ النّارِ نفسها بالكاملِ. كما في فيلمِ Inception. كنتُ لأكونَ معرَّضاً جدّاً لأن يزرعَ أحدٌ ما فكرةً داخلَ أحلامي.
على كلٍّ، حتّى وإنْ كانتْ هي وأنا نديرُ بشكلٍ متباينٍ، إلّا أنّا قد وجدنا نفسَينا في موضعٍ موحلٍ متشابهٍ في حياةِ شركتنا النّاشئةِ، حين لا يبدو وأنَّ شيئاً يتحرّكُ. لذا، إنْ كانَ هذا أنا، إليكَ هنا ما كنتُ لأخبرُ نفسيَ بهِ.
توقّفْ عن التّفكيرِ في وجودِ فكرةِ الشّركةِ النّاشئةِ ضمنَ هيئةً مزدوجةِ الحالِ. هناكَ فعليّاً فقطْ عاملانِ ثنائيّانِ يتوجّبُ على المؤسّسِ وضعهما في الحسبانِ لقراراتٍ من قبيلِ إمّا أنْ تحبّهُ أو تتركهُ.
- المالُ. لا يمكنُ للمالِ أن يُساقَ، أو أنْ يُسألَ الصّفحَ، أو يُتَفاوَضَ معهُ. الصّفرُ صفرٌ. وعندما أباشرُ الصّفرَ، تكونُ يدي مجبرةٌ. لكنْ إلى أنّ أستقرَّ على الصّفرِ، فالسّؤالُ هو إحدى درجاتَ المخاطرةِ، والألمِ، والإحباطِ.
- النّاسُ. كقائدٍ، أنا المسؤولُ الأوّلُ والرّئيسُ عن طاقمي، حتّى أكثرَ من أيّ مستثمرينَ، أو شركاءَ، أو حتّى زبائنَ. إنْ كنتَ على اعتقادٍ بأنّي أضعُ عناصرَ فريقي وسطَ مخاطرةٍ غير مقبولةٍ، ماليّاً أو ذهنيّاً، إذاً فالإغلاقُ خيارٌ للطّرحِ، لكنْ لا يعني بأيّ حالٍ كونهُ مخرجاً هيّناً.
على نحوٍّ أقلّ، تسري القاعدةُ عينهَا على مستثمريّ وزبائني أنا. لا أريدُ سحبَ البساطِ من تحتهمْ، وهو شيءٌ شهدناهُ حرفيّاً يحدثُ عبر عشراتٍ من مشاريعِ الكربتو وNFT. لذلكَ أنا أسألُ نفسي، هل بلغتُ أيٌّ من ذلكمَا العاملَينَ الثّنائيَّين؟ هلْ أشعرُ بأنّ الاحتمالاتِ تعارضُ إمكانيّتي على الانسحابِ قبلَ أن ينحدرَ المالُ إلى العدمِ وأستنزفَ مجموعةً من النّاسِ الّذين وضعوا ثقتهم فيّ؟
ذلكَ عندما سأقرّرُ الإغلاقَ. الآن، فعلتُ الأمرَ مرَّتَين. المرّةُ الأولى كان بحوزتي كلّ المجالِ الذّي أردتهُ، واستطعتُ أن أضمنَ تلقّي فريقي وزبائني كاملَ التّعويضِ اللّازمِ (لمْ يكنْ لديّ مستثمرونَ). الكرّةُ الثّانيةُ كانَ حينما تخلّفَ مستثمرٌ كبيرٌ كنتُ معوّلاً عليهِ وكان عليّ أنْ أقرّرَ إلى أيّ مدى أنا أرغبُ في إقحامِ نفسي داخلَ حفرةٍ قبلَ أن أتمكّنَ من الخروجِ من الأمرِ.
شاهد أيضاً: 5 دروس عن المال لم تتعلمها في المدرسة
متى يحين التغيير الشامل
بعيداً عن تلكَ اللّحظاتِ الثّنائيّةِ، إذا ما نظرتُ للوراءِ نحوَ مسيرتي الرّياديّةِ، فقدْ كانتْ عبارةً عن سلسلةٍ واحدةٍ طويلةٍ من التّحوّلاتِ؛ تحوّلاتٍ في الأفكارٍ، وتحوّلاتٌ في الأسواقِ، وتحوّلاتٌ في الإخفاقاتِ، وحتّى تحوّلاتٌ في النّجاحاتِ.
إنّ إعادةَ التّمحورِ استناداً إلى الأفكارِ والأسواقِ أمرٌ يسهلُ استيعابهُ ككلٍّ، بالأخصِّ حينمَا لا يزالُ العملُ مدرّاً للمالِ، إنّما لا ينموْ. أنا أغيّرُ شيئاً واحداً صغيراً في المرّةِ ما يفعلهُ المنتجون، وإلى ما أصوّبُ إعلاناتي، وطريقةُ التّوصيلِ الّتي أعتمدُ، واعتماداً على نجاحٍ أو فشلٍ أو ذاكَ التّغييرِ البسيطِ، أشرعُ في بناءِ فرضيّةٍ لتغييرٍ أكبرَ. ينتهي بي المطافُ بمُنتَجٍ، أو سوقٍ، أو تموضعٍ مختلفٍ بالكاملِ.
إنّ التحوّلَ بناءً على الفشلِ كان شيئاً تعلّمتهُ من الإغلاقِ الأوّلِ الّذي ذكرتهُ آنفاً، والّذي كانَ Intrepid Media، شبكةً اجتماعيةً للكتّابِ وإحدى أوائلِ الشّبكاتِ الاجتماعيّةِ على الإطلاقِ، تأسستْ في عام 1999. لم تكنْ Intrepid بالفعلِ فشلاً حتّى، قياساً بالمدى الّذي استمرّتْ فيهِ وحجمُ الإيراداتِ والأرباحِ التّي حقّقتها. لمْ تصلْ أبداً إلى الحضيضِ. لكنْ الفكرةَ قد انقضتْ بطبيعتهَا، وفي ذاكَ الوقتِ كنتُ متأخراً جدّاً لأكونَ مثلَ Facebook ومبكراً جدّاً لأغدو مثلَ Medium. أغلقتها، وتحوّلتُ، وأخذتُ الشّفرةَ، وأعدتُ توظيفها في ExitEvent -التّصوّرُ عينهُ تقريباً إنّما منتَجٌ، وسوقٌ، وموضعٌ مختلفٌ- وبعتها بعد ثلاثِ سنواتٍ. بغرضِ الإفادةِ، أنا في طورِ التحوّلِ في تلكَ الفكرةِ مجدّداً معَ Teaching Startup.
التّحوّلُ من النّجاحِ حدثَ معي رفقةَ Automated Insights، إحدى أوائلِ منصّاتِ الذّكاءِ الاصطناعيّ التّخليقيّةِ لتوليدِ اللّغةِ الطّبيعيةِ (NLG)، والمُستَحدَثَة في عام 2010. كانتْ هذهِ شركةٌ للتّنقيبِ عن بياناتِ الرّياضةِ كنتُ قدْ انضممتُ إليها للانتقالِ صوبَ توليدِ اللّغةِ الطّبيعيةِ، وبعدَ جمعِ التّمويلِ الأوّلِ لنا وتحقيقِ نجاحٍ مقبولٍ نسبيّاَ في توليدِ محتوى إلى Yahoo Fantasy Football، قررنَا التّحوّلَ وبناءُ تمويلنا التّالي حولَ توليدِ المُحتوى لأيّ صناعةٍ. لقد كُنّا في الأساسِ نتخلّى عن علاقاتنا في مجالِ الرّياضةِ للقيامِ بذلكَ، وكانَ أمراً مخيفاً، لكنّهُ نجحَ، وجرى الاستحواذُ على شركتنا على يدِ شركةٍ خاصّةٍ للأسهمِ بعد 4 سنواتٍ.
شاهد أيضاً: سبب فشل قادة الشركات الناشئة: الملل
متى يجب التّمسّك بالمسار
هل تصدّقُ أنَّ معظمَ المؤسسين في هذا الوضعِ يختارونَ هذا المسارِ، وهوَ يعملُ ويصيبُ كثيراً من الأحيانِ؟ كمَا سبقَ وقلتْ، إنّ للوقتِ طريقةٌ في خلقِ مدٍّ وجزرٍ، ولدى المؤسسينَ طريقةٌ لتنفيذِ تغييراتٍ دقيقةٍ تكادُ لا تُدركُ في نموذجِ الأعمالِ وخطّةِ النّموّ الّتي يمكنُ أنْ تخلقَ ثقةً تشبهُ الانحرافَ الّذي لمْ يُعلنْ رسميّاً. على أنّ هذا الأمرَ عادةً ما يعملُ فقطْ عندما تكون أذرعِ الجذبِ قد ثُبّتَت بالفعلِ.
هذا أمرٌ قدْ تعلّمتهُ على مدى السّنواتِ القليلةِ الماضيّةِ في شركةِ Spiffy - خدمةِ صيانةِ المركباتِ المحمولةِ حسبَ الطّلبِ، حيثُ أشغلُ منصبَ رئيسِ قسمِ المنتجاتِ. يتمتعُ الرّئيسُ التّنفيذيّ لدينا ببراعةٍ في بناءِ نُظمٍ وأساليبَ في العمليّاتِ، والمبيعاتِ، والتّسويقِ تتيحُ لنا تحويلَ تركيزنا دونمَا عوائقْ. في حالِ أظهرتْ خطوطُ أحدِ المنتجاتِ ضعفاً، نصبُّ كلّ طاقتنا في خطٍّ آخرَ حتى يتعافى.
بالحديثِ عن الإقبالِ والإدبارِ، أحدُ الدّروسِ الرّئيسيّةِ الّتي استقيتُها من الجائحةِ هوَ أنّ الوقتَ أصبحَ على الفورِ وبشكلٍ اصطناعيّ أكثرَ قيمةً من المالِ في عامِ 2020. هرعَ النّاسُ لإنفاقِ المالِ على منتجاتٍ وخدماتٍ تملأ وقتهمْ، مثلَ خدماتِ البثِّ، والتعلّمِ الإلكترونيّ، والمنتجاتِ المنزليّةِ مثلَ Pelotons.
في عامِ 2023، تعافتْ الأموالُ بشكلٍ جليٍّ وهي الآنْ أكثرَ قيمةٍ من الوقتِ. مع ارتفاعِ تكاليفِ كلّ شيءٍ، يقلّصُ المستهلكُ النّفقاتِ ويفعلُ مزيداً بالقليلِ. العديدُ من الصّناعاتِ الاستهلاكيّةِ -مثلُ التّرفيهِ الشّخصيّ والتّعليمِ الشّخصيّ والصّحّةِ الشّخصيّةِ- تراجعَ زخمهَا بشكلٍ كبيرٍ فجأةً، وأُجبرتْ جميعُ الشّركاتِ على السّاحةِ إلى تقليمِ مساعيها بطُرقٍ صعبةٍ. ولكنْ إلى متى؟ وهلْ سَتنجو؟
إنّ هذا ليسَ أبداً بموقفٍ مميّزٍ لتكونَ فيهِ، إلّا أنّه يحدثُ في حياةِ كلِّ شركةٍ ناشئةٍ. تغدو زائدَ الوزنِ في أوقاتَ الفرصِ والنقصانِ في أوقاتِ الضّعفِ. إنْ كنتُ قادراً على التّعاملٍ مع ذلكَ وما زلتُ قادراً على نومٍ ليليّ، فسألتزمُ المسارَ أو أتحوّلَ إلى أن يغدو القرارُ ثنائيّاً. وسأعلمُ أنّني قد فعلتُ كلّ ما في وسعِي للحفاظِ على الفكرةِ حيّةً.