الرئيسية المفاهيم منزلق فرويد: كيف يفضح العقل الباطن ما يخفيه الوعي؟

منزلق فرويد: كيف يفضح العقل الباطن ما يخفيه الوعي؟

قد تبدو الهفوات اللّغويّة عفويّةً، لكنها تكشف أحياناً أفكاراً دفينةً تنزلق من العقل اللّاواعي لتفضح المشاعر والنّوايا المخفيّة دون إدراكٍ

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

تُعدّ زلات اللّسان لحظاتٍ غامضةً يمرّ بها الجميع، حين تخرج كلماتٌ لم تكن مقصودةً، فتُثير الضّحك أحياناً، أو الإحراج في أحيانٍ أخرى. لكن، هل هذه الأخطاء اللّغويّة مجرّد سهوٍ عابرٍ، أم أنّها تحمل دلالاتٍ أعمق تكشف خبايا النّفس البشريّة؟ وفقاً لعالم النّفس الشّهير سيغموند فرويد، فإنّ هذه الهفوات ليست عشوائيّةً، بل تعكس صراعاتٍ دفينةً وأفكاراً مكبوتةً في العقل اللّاواعي، وهذا ما يُعرف بمفهوم منزلق فرويد  أو "Freudian Slip".

ما هو مفهوم منزلق فرويد

منزلق فرويد هو مصطلحٌ يُشير إلى الأخطاء اللّغويّة أو السّلوكيّة الّتي تحدث دون قصدٍ، لكنّها تعبّر عن رغباتٍ وأفكارٍ مكبوتةٍ في اللّاوعي، إذ اقترح فرويد أنّ هذه الزلات ليست مجرّد مصادفاتٍ، بل نوافذٌ صغيرةٌ تطلّ على أعماق النّفس، حيث تُخزَّن المشاعر والرّغبات الّتي لا يسمح لها الوعي بالظّهور.

كيف تحدث زلات اللسان؟

تنجم زلات اللّسان عن تعارضٍ بين الأفكار الّتي يرغب الشّخص في التّعبير عنها والأفكار المكبوتة في عقله الباطن، فعندما يحاول العقل الواعي صياغة الكلمات، قد يتدخلّ اللّاوعي، ممّا يؤدّي إلى خروج كلمةٍ غير مقصودةٍ لكنّها تُعبّر عن مشاعر حقيقيّةٍ أو نوايا مخفيّةٍ.

أمثلة على زلات اللسان الشهيرة

  • السّياسيون أمام الميكروفون: شهدت خطاباتٌ عديدةٌ لحظات زلّاتٍ كشفت ما لم يكن يُراد الإفصاح عنه، مثل قول مسؤول حكومي أثناء حملةٍ انتخابيّةٍ: "سنزيد الضّرائب" بدلاً من "سنخفّض الضّرائب".
  • المواقف العاطفيّة: قد يقول شخصٌ لحبيبته اسم شريكةٍ سابقةٍ دون قصدٍ، ما يفتح باب التّساؤلات حول مشاعره الحقيقيّة.
  • المقابلات الرّسميّة: في مقابلات العمل، قد يُخطئ المتّحدث بقول "أنا أحبّ النّوم في العمل" بدلًا من "أنا أعمل بجدٍّ"، وهو ما قد يُفسَّر بأنه تعبيرٌ غير واعٍ عن تململه من وظيفته.

التفسير النفسي لمنزلق فرويد

  • تصادم العقل الواعي واللّاواعي: يحتفظ العقل الباطن بأفكارٍ قد تكون غير مقبولةٍ اجتماعيّاً أو غير مريحةٍ نفسيّاً، وعندما يحاول الشّخص التّحكّم في كلماته، قد تتسلّل هذه الأفكار إلى حديثه، ممّا يؤدّي إلى زلة لسان غير متوقّعةٍ.

  • دور القلق والتّوتر: يزداد احتمال حدوث زلّاتٍ فرويديّةٍ في حالات التّوتر أو القلق، حيث يصبح التّحكم في الكلمات أكثر صعوبةً، ممّا يسمح للأفكار المكبوتة بالظّهور على السّطح دون رقابةٍ كافيةٍ من العقل الواعي.

  • العلاقة بين زلات اللّسان والمشاعر الدّفينة: أحياناً، تكون زلة اللّسان انعكاساً لمشاعر لا يعترف بها الشّخص حتّى لنفسه. على سبيل المثال، قد ينادي شخصٌ مديره بلقب والده دون قصدٍ، ممّا قد يشير إلى رؤيته له كسلطةٍ أبويّةٍ بشكلٍ غير واعٍ.

هل زلات اللسان دائماً انعكاسٌ للّاوعي؟

على الرّغم من أنّ فرويد يرى زلّات اللسان انعكاساً للرّغبات المكبوتة، إلّا أن بعض علماء النّفس الحديثين يفسّرونها بشكلٍ مختلفٍ، فوفقاً لعلماء الإدراك العصبيّ، قد تكون الأخطاء اللّغويّة ناتجةً ببساطةٍ عن تشابه الكلمات في الدّماغ أو إجهادٍ ذهنيٍّ دون أيّ دلالةٍ نفسيّةٍ خفيّةٍ.

كيف نستفيد من تحليل زلات اللسان؟

يُمكن أن يكون تحليل زلات اللسان أداةً قويّةً لفهم الذّات بشكلٍ أعمق، فهي تكشف عن مشاعر دفينةٍ قد لا يكون الشّخص واعياً بها، مثل: القلق أو الرّغبات المكبوتة أو حتى التّوترات العاطفيّة تجاه الآخرين. عندما ينتبه الإنسان إلى هذه الزلات ويفكّر في سياقها، قد يتمكّن من التّعرّف على صراعاته الدّاخليّة والعمل على حلّها، ممّا يُعزّز وعيه بذاته.

كما يُمكن أن تلعب دوراً مهمّاً في تحليل العلاقات الشّخصيّة، حيث تساعد على الكشف عن مشاعر غير معلنةٍ تجاه الأصدقاء أو الشّركاء أو حتّى الزّملاء في العمل، ممّا يسهم في تحسين التّواصل وفهم الدّيناميكيّات العاطفيّة بشكلٍ أعمق. بالإضافة إلى ذلك، يُمكن لهذه الزلات أن تكون مؤشّراً على مستويات التّوتر أو الضّغط النّفسيّ، ما يُتيح للفرد فرصةً للتّعامل مع هذه الضّغوط بطرقٍ أكثر وعياً وإيجابيّةً.

منزلق فرويد ليس مجرّد هفوةٍ لغويّةٍ، بل نافذةٌ تكشف عن صراعات العقل الباطن وأفكاره الدّفينة. وبينما قد يكون بعضها نتيجة إرهاقٍ أو تشابهٍ لغويٍّ، تظلّ بعض الزلات تحمل معاني خفيّة تستحقّ التّأمّل. لذا، في المرّة القادمة الّتي يزلّ فيها لسانك، قد يكون من المفيد أن تتساءل: هل كان ذلك مجرّد خطأ بريءٍ، أم أنّ عقلك الباطن يحاول أن يقول شيئاً لم تكن تودّ الإفصاح عنه؟

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: