مهارات تُعيد رسم ملامح التعلّم الرقمي في العالم العربي
محتوى تعليمي بصناعة محليّة، يقوده كبار الخبراء العرب، ويحاكي طموحات الجيل الجديد من المبدعين ورواد الأعمال

بالنّسبة إلى "أرمان خضرلاريان"، الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذيّ لمنصّة "مهارات" (Maharat)، لا تقتصر المنصّة على كونها مركزاً للتّعلّم، بل تمثّل مسرحاً يتيح لقادة الصّناعة العرب أن يقدّموا إرثهم المهنيّ للأجيال القادمة.
في منطقةٍ غنيّةٍ بالموهبة والطّموح، تشقّ "مهارات" طريقها باعتبارها ما يمكن وصفه بـ"مقاربة عربيّة لفكرة MasterClass العالميّة"، حيث ترسّخ موقعها كمنصّةٍ تحوّليّةٍ في فضاء التّعليم والتّطوير الشّخصيّ، من خلال تقديم محتوىً يستند إلى الخبرة العمليّة، ويستهدف إلهام الجيل العربيّ المقبل من المبدعين، والرّياديين، وصنّاع القرار.
مشهد من محاضرة مهارات للممثل السوري قصي خولي.
تأسّست المنصّة عام 2022 على يد كلٍّ من باسم جمال الدّين وأرمان خضرلاريان، وهي تقوم على نموذجٍ تعليميٍّ/ترفيهيٍّ (edutainment) يقدّم مساقاتٍ تدريبيّةً مصوّرةً بجودة إنتاجٍ سينمائيّةٍ، يقودها خبراءٌ بارزون في مجالاتهم، بأسلوبٍ قصصيٍّ يدمج بين التّجربة، والمعرفة، والسّرد البصريّ.
يقول خضرلاريان في حديثه مع "عربية .Inc" إنّ فكرة المنصّة ولدت نتيجةً لتجاربه العابرة للقارات. فبعد سنواتٍ قضاها في قطاع الاستشارات الإداريّة في دولة الإمارات، انتقل إلى الولايات المتّحدة، حيث لاحظ الفارق الشّاسع في مستوى ونوع أدوات التّعلّم المتاحة في الأسواق النّاضجة. ويقول: "رأيت كيف كان النّاس هناك يُلهمون ليشقّوا طريقهم، ويصقلوا مهاراتهم بفضل ما يتاح لهم من تعليمٍ نخبويّ، ومساقاتٍ إلكترونيّةٍ تركّز على المهارات العمليّة، ومساراتٍ واضحةٍ تؤدّي إلى النّجاح". هذا التّفاوت، بحسب وصفه، ألهمه لإنشاء منصّةٍ تجسر هذه الفجوة، وتقدّم محتوىً تعليميّاً ملهماً، متاحاً، ومحلّيّ الصّياغة، يستجيب لحاجات العالم العربيّ.
لا يكمن التّميّز الرّئيسيّ لـ"مهارات" فقط في جودة الإنتاج، بل في المحتوى الحصريّ القائم على تجربةٍ شخصيّةٍ عميقةٍ. فهي لا تشبه منصّات التّعليم الإلكترونيّ النّمطيّة، بل تقدّم دروساً يقودها مشاهير وخبراء، ينقلون خلاصة تجاربهم ومساراتهم في الحياة المهنيّة، ضمن إنتاجٍ بصريٍّ عالي الجودة.
ويوضّح خضرلاريان: "محتوانا فريدٌ من نوعه؛ لأنّه مبنيٌّ على التّجارب الشّخصيّة لمدرّسينا، والدّروس الّتي تعلّموها خلال مسيراتهم الاستثنائيّة". ومن بين الأسماء الّتي تعاونت مع المنصّة حتّى الآن: بسّام فتوح، قصيّ خولي، راغب علامة، سلام دقّاق، رحمة رياض، وتوفيق كريديّه. كلٌّ منهم نقل على الشّاشة خلاصة تجربته الحياتيّة، بما تحمله من عبرٍ ومهاراتٍ وتحوّلاتٍ.
مشهد من محاضرة مهارات للمطرب اللبناني راغب علامة.
ويضيف خضرلاريان أنّ "مهارات" لا تكتفي بكونها مركزاً معرفيّاً، بل تشكّل "منبراً لقادة الصّناعة العرب كي ينقلوا إرثهم المهنيّ بمنتهى الاحتراف". ويشرح: "نحن نعمل مع كلّ شخصيّةٍ بشكلٍ وثيقٍ لضمان أن تقدّم رؤاهم وخبراتهم بأعلى درجات الجودة، وبأسلوبٍ يحمل أثراً حقيقيّاً في المتلقّي". في المقابل، يحصل هؤلاء القادة على مساحةٍ مرئيّةٍ تعزّز حضورهم ومصداقيّتهم، وتمكّنهم من التّواصل مع جمهورٍ أوسع متعطّشٍ لتعلّم تجاربهم.
تشمل مكتبة المنصّة محتوىً متنوّعاً يتراوح بين ريادة الأعمال، وفنون الطّهي، والموضة، والموسيقى، والتّجميل، والتّمثيل. وتخطّط المنصّة للتّوسّع في مساقات ريادة الأعمال، استجابةً لطلبٍ متزايدٍ في المنطقة. يقول خضرلاريان: "يوجد طلبٌ متنامٍ على التّعليم الرّياديّ في منطقة الشّرق الأوسط وشمال أفريقيا، مصدره جيلٌ شابٌّ وطموحٌ يسعى إلى اقتناص فرص السّوق في بيئةٍ اقتصاديّةٍ آخذةٍ في التّحوّل". ويضيف: "قادة الصّناعة يشكّلون عنصراً محوريّاً في صياغة مستقبل ريادة الأعمال من خلال مشاركة خبراتهم، واستراتيجياتهم، ودروسهم العمليّة".
مشهد من محاضرة مهارات للمطربة العراقية رحمة رياض.
كما يشدّد على أنّ هذه المساقات لا تقدّم وصفاتٍ جاهزةً، بل تسهم في بناء عقليّةٍ قائمةٍ على الصّمود، والمرونة، والإبداع، وهي سماتٌ أساسيّةٌ لنجاح أيّ مشروعٍ رياديٍّ في السّوق التّنافسيّ اليوم. "هم لا ينقلون فقط المهارات، بل يزرعون ذهنيّةً قادرةً على التّعامل مع التّقلّبات، وابتكار الحلول، وتحويل الفشل إلى فرصٍ"، يقول خضرلاريان.
وعن أثر المنصّة حتى الآن، يشير إلى أنّ ردود الفعل من المستخدمين كانت "إيجابيّةً بشدّةٍ". ويقول: "يقدّر المشاركون نوعيّة المحتوى، وعمق التّجربة، والأسلوب المهنيّ الّذي يقدّم به قادة الصّناعة قصصهم". ويضيف: "ما يميّزنا عن التّعليم التّقليديّ هو أنّنا نقدّم أصواتاً حقيقيّةً، وتجارب حيّةً، تتيح للمتعلّم أن يكتسب معرفةً قابلةً للتّطبيق، واستراتيجياتٍ مجرّبةً، وخارطة طريقٍ واقعيّةً للنّجاح".
ويكشف خضرلاريان أنّ المرحة القادمة في "مهارات" ستشهد توسيعاً لمكتبة المحتوى وتعزيزاً للشّراكات الاستراتيجيّة. الفريق يعمل حالياً على تطوير فئاتٍ جديدةٍ، وإضافة دروسٍ ضمن الفئات القائمة، بهدف تقديم تجربةٍ تعليميّةٍ أكثر شمولاً وتنوّعاً. "نخطّط لتوسيع مكتبتنا لتشمل صناعاتٍ، وفي الوقت ذاته نضيف مساقاتٍ إضافيّةٍ ضمن التّخصّصات الحاليّة، لنمنح مستخدمينا محتوىً غنيّاً وشاملاً"، يقول.
أمّا على صعيد الشّراكات، فتجري "مهارات" حالياً مفاوضاتٍ مع جهاتٍ عاملةٍ في الإعلام، والتّعليم، والتّكنولوجيا الماليّة، والبنية التّحتيّة التّقنيّة، بهدف تحسين تجربة المستخدم، وتوسيع نطاق التّوزيع. ويؤكّد خضرلاريان أنّ التّوسّع الجغرافيّ يشكّل أولويّةً استراتيجيّةً، ولا سيّما في المملكة العربيّة السّعوديّة ودول مجلس التّعاون. ويصرّح: "رغم أنّ لدينا مستخدمين من أكثر من 100 دولةٍ، إلّا أنّنا نركّز على تعزيز حصّتنا في السّوق الخليجيّة وبلاد الشّام، حيث نلاحظ أعلى مستويات الطّلب".
ويختم خضرلاريان حديثه بتوجيه نصيحةٍ للرّياديين الرّقميين الطّامحين إلى بناء منصّاتٍ تعليميّةٍ في العالم العربيّ، قائلاً: "لا تفترض أنّك تعرف ما يريده جمهورك". ويضيف: "الحدس مهمٌّ، لكن الاعتماد على البيانات والأبحاث هو الضّمان الأفضل لاتّخاذ قراراتٍ صائبةٍ".
في الصورة الرئيسية، يظهر أرمان خضرلاريان، المؤسس المشارك لمؤسسة مهارات. جميع الصور مقدمة من مؤسسة مهارات.