نهضة قويّة ومستقبل واعد لصناعة الطيران في الشرق الأوسط
الاستثمارات والرؤى الطموحة تدفع نمو قطاع الطيران في السعودية والإمارات
على هامش منتدى الطَّيران المُستَقبلي في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، أَعلن النَّاقِل الوطني للمملكة، الخُطوط الجوِّيَّة السُّعوديَّة، عن طلبِيَّة ضَخمة لشراء 105 طائرة من طِراز إيرباص A320neo، وهي الأكبر في تاريخ الطَّيران السُّعودي. تأتي هذه الخطوة في سياق تقارير تُشير إلى أنَّ صُندوق الاستثمارات العامَّة السُّعودي (PIF) يُجري محادثات للاستحواذ على الخُطوط السُّعوديَّة. هذا الاستحواذ المُحتمل يتماشى مع أهداف الصُّندوق لتعزيز الاستثمارات في السِّياحة والنَّقل، ويدعم رؤية المملكة 2030.
وتتوافق هذه التطورات مع استراتيجيَّة الطَّيران الوطنيَّة للمملكة، التي تهدف إلى جمع 100 مليار دولار من القطاعين العام والخاص بحلول عام 2030، لتحويل السُّعوديَّة إلى مركز رئيسي لقطاع الطَّيران في المنطقة. تهدف الاستراتيجيَّة إلى نقل 330 مليون راكب عبر أكثر من 250 وجهة، و45 مليون طن من الشحن الجوِّي بحلول عام 2030.
أمّا في مايو الماضي، فقد أفادت OAG أنَّ المملكة العربيَّة السُّعوديَّة شهدت نموّاً كبيراً في سعة شركات الطَّيران على مدار العام الماضي، بزيادة نسبتها 9.9%، حيث ارتفعت المقاعد من حوالي 5.78 مليون في مايو 2023 إلى 6.36 مليون في مايو 2024. في منتدى الطَّيران المُستَقبلي، أَعلن رئيس الهيئة العامَّة للطَّيران المدني في السُّعوديَّة عن زيادة بنسبة 20% في أعداد المسافرين هذا العام، ليصل إجمالي عدد الرُّكاب إلى 111 مليوناً. في العام الماضي، سَجّلت المملكة زيادة بنسبة 26% في أعداد الرُّكاب، مع إضافة 148 وجهة جديدة وتوسيع الاتِّصال بنسبة 48%.
كما أعلنت الهيئة العامَّة للطَّيران المدني أنَّها ستَكشف عن خارطة طريق لزيادة الناتج المحلِّي الإجمالي لقطاع الطَّيران العام بمقدار عشرة أضعاف، ليصل إلى 2 مليار دولار بحلول عام 2030 في منتدى الطَّيران المُستَقبلي.
وفي عام 2023، نقلت الخُطوط السُّعوديَّة 30 مليون راكب، مسجّلةً زيادة بنسبة 21% مقارنة بعام 2022. وإذا تمّ الاستحواذ عليها من قبل صُندوق الاستثمارات العامَّة، فقد يتم خصخصة الخُطوط السُّعوديَّة أو دمجها مع طيران الرِّياض، النَّاقِل الجديد الذي يَمتلكه أيضاً صُندوق الاستثمارات العامَّة.
لكن الخُطوط السُّعوديَّة ليست الشركة الوحيدة التي تتوسع في المملكة. في سوق السَّفر العربي في دُبي في مايو، وقع طيران الرِّياض مُذكرة تفاهم مع الهيئة السُّعوديَّة للسِّياحة (STA) التي ستوسع عملياتها إلى أكثر من 100 دولة بحلول عام 2030، وتحسن تجربة السَّفر للمسافرين. ستعمل الشراكة على تحسين الوصول إلى منصات السِّياحة مثل مراصد السِّياحة المُستَدامة في المدن (STOCH). كما ستوفر مزايا برامج الولاء المشتركة، والعروض الترويجية، والحوافز، والتقنيات المُتقدِّمة للدَّفع لجذب المزيد من الزُّوار إلى المنطقة.
كذلك، تُشارك الجهات الخاصة في هذا التَّحول؛ ففي يناير الماضي، أطلقت شركة "BIM Ventures" منصة الطَّيران الخاص "SKYNA" في الرِّياض. وفي الواقع، سجلت شركة الطَّيران الخاصة منخفضة التكلفة "طيران ناس" أكبر زيادة في السعة، بزيادة قدرها 28.5% على مدار العام الماضي، مقارنةً بزيادة 6.5% للخُطوط السُّعوديَّة، حسب تقارير OAG. وفي أبريل، أفادت طيران ناس، التي يمتلك جزءاً منها صُندوقُ الاستثمارات العامَّة، بزيادةٍ سنوية بنسبة 32% في الإيرادات، وأعلنت عن خططٍ لطرحٍ عامٍ أولي في وقتٍ لاحق من هذا العام. وفي مايو، كشفت عن خططٍ لتوسيع بصمتها في الإمارات العربيَّة المتَّحدة.
وبذلك، تسعى السُّعوديَّة لتصبح أكبر مركز طيران في المنطقة، حيث تتنافس مع الإمارات التي تعد حاليّاً السوق الأولى في المنطقة من حيث سعة شركات الطَّيران، بوجود 7.25 مليون مقعد اعتباراً من مايو. ووفقاً لـ OAG، يبلغ إجمالي سعة شركات الطَّيران في الشَّرق الأوسط حوالي 22.25 مليون مقعد، بزيادة 6.76% على أساس سنوي. اعتباراً من مايو 2024، تَهيمن الرِّحلات الدوليَّة على الرِّحلات الجوِّيَّة، حيث بلغ عدد المقاعد الدوليَّة 17.93 مليون مقارنة بـ 4.32 مليون مقعد داخلي.
ومن جهةٍ أخرى، تعد الإمارات موطناً لأكبر شركة طيران في الشَّرق الأوسط، وهي طيران الإمارات، التي تعمل على قدمٍ وساق على تعزيز قطاع الطَّيران لديها. فتحتضن الإمارات أكثر المطارات ازدحاماً في المنطقة وثاني أكثر المطارات ازدحاماً في العالم، DXB، الذي استضاف 86 مليون راكب العام الماضي.
وفي أبريل، أَعلنت دُبي عن خطط لإنشاء مطار آل مكتوم الدولي (AMI) بقيمة 35 مليار دولار. سيستوعب AMI 260 مليون راكبٍ سنويّاً عند اكتماله، وسيكون أكبر بخمس مرات من DXB، بوجود 400 بوابة طائرات وخمسة مدارج متوازية. وعند اكتمال المرحلة الأولى خلال 10 سنوات، سيتمكن المطار من استيعاب 150 مليون راكب سنويّاً.
أمّا على صعيد شركات الطَّيران، فتُخطِّط شركة الاتحاد الوطنيَّة في الإمارات لطرحٍ أولي متوقعٍ في وقتٍ لاحق من هذا العام، والذي قد يجمع ما يصل إلى مليار دولار. في مايو، وأفادت الاتحاد للطَّيران بتحقيق زيادةٍ في الأرباح بلغت 143 مليون دولار في الربع الأول من عام 2024. ووفقاً لتقرير صادر عن الشركة، فقد نقلت حوالي 4.2 مليون راكب خلال الربع الأول من هذا العام، بزيادةٍ كبيرة بنسبة 41% منذ العام الماضي. بالإضافة إلى زيادة عدد الركاب، فقد قامت الشركة بزيادة كفاءة التشغيل، حيث انخفضت تكاليف التشغيل لكل كيلومتر مقعد مُتاح (CASK) بنسبة 9% على أساس سنوي. كما قامت بتوسيع أسطولها التشغيلي من 75 إلى 89 طائرة على مدار العام الماضي.
ومن الجدير بالذكر أنّ طيران الإمارات سجّل، أكبر شركة طيران في دُبي والمنطقة، أيضاً زيادة في الأرباح العام الماضي. في عام 2023، بلغت إيرادات النَّاقِل الطويل المدى 33 مليار دولار، مع تحقيق أرباح بلغت 4.7 مليار دولار مقارنة بـ 2.9 مليار دولار في عام 2022. نقلت النَّاقِل الوطني لدُبي 51.9 مليون راكب في عام 2023، بزيادة بنسبة 19% منذ العام الماضي.
وفي ظل تنافس الإمارات والسُّعوديَّة على قيادة صناعة الطَّيران في المنطقة من جهة، يُعتَبر مطار الدَّوحة في قطر الأسرع نموّاً في المنطقة من جهةٍ أخرى، حيث نما بنسبة 18.7% من 2.62 مليون العام الماضي إلى 2.69 مليون في 2024. يقود هذا النُّمو بشكل كبير نمو الخُطوط الجوِّيَّة القطريَّة، التي سجلت نموّاً بنسبة 17.6% في عدد المقاعد منذ مايو الماضي، مما يجعلها ثاني أكبر شركة طيران في المنطقة.