كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على المهارات الإنسانية في العمل؟
إليك 3 محاور أساسية ستتغير عند الاعتماد على قدرات التكنولوجيا الذكية في سبيل تحسين التواصل البشري
يشغلُ الذّكاء الاصطناعيّ تفكيرَ الجميعِ في هذه الأيام، خاصّةً مع عودةِ الشّريك المؤسّس والرّئيس التّنفيذي لشركة OpenAI "سام ألتمان" إليها بعدَ إقالتهِ منها. وقبلَ أن أبدأَ، يجبُ أن أعلمكم بأنّني لا أستخدمُ الذّكاء الاصطناعيّ لكتابةِ هذا المقال حولَ الذّكاء الاصطناعيّ، ولا يعودُ السّبب لأنّني عدوٌّ للتّقدمِ التّكنولوجيّ، أو لأنّني غير قادرٍ على تحمّلِ تكاليفِ برامج الذّكاء الاصطناعيّ، مثل: ChatGPT أو Bard (التي هي "مجانيّة" حاليّاً)، أو لأنّ وكالات الأنباءِ -مثل Inc- تطلبُ من مساهميها عدم استخدامِ الذّكاء الاصطناعيّ؛ وإنّما يعودُ السّببُ في ذلك إلى إحساسي بالمللِ من طريقةِ كتابةِ الذّكاء الاصطناعيّ، إذ يستخدمُ أحرفاً كبيرةً عند كتابتهِ للحرفِ D.
على الرّغم من أنّ الذّكاء الاصطناعيّ قد ينتج جملاً بلغةٍ سليمةٍ قواعديّاً إلى درجةٍ كبيرةٍ، ويمكنه الكتابة عن أيّ موضوعٍ، إلّا أنّ كتابةَ الذّكاء الاصطناعيّ غير ملهمةٍ حتّى هذه اللّحظةِ. وبالتّأكيد سوف يصل الذّكاء الاصطناعيّ إلى مستوى متطوّرٍ، لكنّه في الوقتِ الحاليّ يشبه قراءةَ مقالاتِ الصّف العاشرِ، فهو يتّبع نهجاً نمطيّاً في صياغته للجملِ، إذ تميلُ فيه إلى التّشابه (حتّى إذا اخترت توجيهاتٍ مختلفةٍ باستخدام برمجيّاتِ الذّكاء الاصطناعيّ). [1]
من ناحيةٍ أخرى، أنا أؤمنُ أشدّ الإيمانِ باستخدامِ برامجِ الذّكاء الاصطناعيّ في الأعمالِ التّجاريّة، وكذلك الأمرُ بالنّسبة إلى عددٍ متزايدٍ من الشّركاتٍ، فقبل عامٍ، أفادت شركة IBM بأنّ 35% من الشّركاتِ كانت تستخدمُ الذّكاء الاصطناعيّ في أعمالها، وكلّ عشر سنواتٍ، كان خبيرُ الذّكاءِ الاصطناعيّ "آدم شاير" يضعُ توقّعاتٍ حولَ ما يلي ذلكَ من أشياءٍ بالغةِ الأهميةّ قد تحدثُ، مع العلمِ أنّ آدم هو واحدٌ من آباء الذّكاء الاصطناعيّ، إذ طوّر مساعدَين صوتيَّين، هما: Siri و Viv، وقضى عقوداً في التّنقيبِ داخلِ السّراديبِ العميقةِ للذّكاء الاصطناعيّ، ويعتقدُ شاير أنّنا نرى فقط البدايةَ لما يُمكن أن يساعدنا فيه الذّكاء الاصطناعيّ في العملِ والمنزلِ، وفي كلٍّ شيءٍ نفعلهُ تقريباً.
كذلك يعتقدُ متنبّئ الذّكاء الاصطناعيّ -زاك كاس، الّذي عملَ في OpenAI كرئيسٍ مشرفٍ على إستراتيجيّة الدّخول إلى السّوق- أنّ منافعَ الذّكاء الاصطناعيّ ستتجاوزُ كونها مجرّد منافع تجاريّة للأفرادِ، إذ يعتقدُ زاك أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيمنحُ الجميعَ المزيدَ من الوقتِ، ليجعلنا أكثرَ صلةً ببشريتنا، علاوة على ذلك، يعتقدُ زاك أنّ الذّكاء الاصطناعيّ سيزيدُ من أهميّة بصيرتنا وحكمتنا وشجاعتنا وفضولنا وتعاطفنا وغيرها من الصّفات الإنسانيّة التي نتحلّى بها؛ وأنا أتّفقُ معه في هذا الرّأي.
وتستخدمُ شركتي تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعيّ منذُ ما يقربُ من عامين في نظامِ إدارةِ العلاقاتِ مع العملاء (CRM)، والموقعِ الإلكترونيّ، وتجربةِ العملاء، وإنشاءِ المحتوى. وبينما ساعدت تلك التكنولوجيا الشّركةَ على أن تكونَ أكثر إنتاجيّةً بفضلِ وجودِ عددٍ قليلٍ ممن يعملون في فريقِ العملِ، فإنّها أيضاً جعلتها تهتمّ بشكلٍ أكبرَ بالبعدِ الإنسانيّ، ما منحنا المزيدَ من الوقتِ للتّواصلِ، وأضفى جوّاً أكبر من المرحِ، وأدّى إلى التّطويرِ على الصّعيدِ الشّخصيِ.
المزيد من الوقت للتواصل
بالنّسبةِ إلى شركتي، أعطتنا تكنولوجيا الذّكاء الاصطناعيّ المزيدَ من الوقتِ لتطويرِ العلاقاتِ الشّخصيّة مع العملاء والزبائن وفريق عملنا. على سبيل المثال، عندما يُمكنكَ استخدامُ الذّكاء الاصطناعيّ لمساعدتكَ في كتابةِ رسائلِ البريدِ الإلكترونيّ والمقترحات بشكلٍ أسرع، عندها سيكونُ لديكَ المزيدُ من الوقتِ للتّحدثِ مع النّاس وفهمهم، ويكون هذا مفيداً خاصّةً في نشاطٍ تجاريٍّ يتعاملُ تعاملاً مباشراً مع العملاء مثل شركتي، التي تُعنى بمجال الفعاليّاتِ والتّرفيهِ.
جواً أكبر من المرح
وجدت شركتي أيضاً أنّ استخدامَ التّكنولوجيا الذّكيّة، قد ساعدَ على التّخلصِ من مللِ المهامِ المُتكرّرةِ. على سبيل المثال، إذا كان لديكَ روبوت دردشةٍ عبر الويب للرّدِّ على الاستفساراتِ المُتكررةِ أو منشئ محتوى لملءِ مقترحٍ ما، فحينها يكون لديك المزيدُ من الوقتِ لقضائهِ على أنشطةٍ تتطلّبُ مهاراتٍ بشريّةٍ أكثر، وعندها بإمكانكَ أن تُعطي الأجزاء الّتي تتطلُبُ إبداعاً في العملِ قدراً أكبر من الوقتِ، مثل: العصفِ الذّهنيّ، وتجربةَ أفكارٍ جديدةٍ، والتّجريبِ بإستراتيجياتٍ جديدةٍ.
التطوير على الصعيد الشخصي
وبما أنّ الذّكاء الاصطناعيّ يستطيعُ الآن القيامَ بالعديدِ من الأنشطةِ التّجاريّةِ، ويوماً بعد يوم، نجدُ تحسّناً في أدائهِ لها، يصبحُ لدى شركتي المزيدُ من الوقتِ للتّركيزِ على التّطويرِ الشّخصي، ولقد استغلينا بعضَ هذا الوقتِ للقيامِ بدوراتٍ في مجالِ الذّكاء العاطفيّ، وكيفيّة التّعاملِ مع الضّغوطِ، والتّواصلِ. كما ويتيحُ الذّكاءُ الاصطناعيّ المجالَ أمام قادتنا وموظّفينا للحصولِ على أقصى استفادةٍ من حياتهم بشكلٍ فعليٍّ، ممّا يساعدهم على أن يصبحوا أشخاصاً أفضلَ.
ويُمكن للشرّكات الأخرى القيامَ بذلك أيضاً، إذ يتوقّع زاك كاس مستقبلاً يُمكننا فيه: "امتلاكُ المزيدِ من الوقتِ لتطويرِ مهاراتنا الاجتماعيّة، وذلك لاستخدامِ وقتِ فراغنا بشكلٍ أفضل، بما يخدمُ تحسينَ الرّضا الوظيفيّ، في محاولةٍ لإيلاءِ الاهتمام بالموظّفين". وأنا متفائلٌ مثل زاك. ومع ذلك، لا أعلمُ ما إذا كانت جميع المؤسّساتِ ستحصلُ على هذه الفائدة، ما لم تكن في نيّتها استخدام الوقتِ الإضافيّ للتّركيزِ على الموظّفين.
لكن للحصولِ على هذه الفوائدِ في العملِ، ستحتاجُ المؤسّساتُ إلى أن تضعَ في نيّتها استخدام التّكنولوجيا الذّكية لتوليّ المهامّ المُتكرّرة والمملّة، ومن ثمّ إيجاد مساحةٍ للقادةِ والموظّفين للتّركيزِ على الصّفات الإنسانيّةِ، مثل: الفضول، والتّعاطف، والإبداع. فإذا فعلت المؤسّسات ذلك، عندها سيساعدُ الذّكاء الاصطناعيّ في جعلنا أكثر صلةً ببشريتنا من أيّ وقتٍ مضى.
لمزيدٍ من الأخبارِ الحديثة في عالم التكنولوجيا، تابع قناتنا على واتساب.