هل الذكاء الاصطناعي التوليدي مفتاح النمو أم فخ رقمي؟
لم تعد مواكبة التّطوّرات الحديثة مجرّد ميّزةٍ تنافسيّةٍ، بل أصبحت ضرورةً حتميةً للشّركات الطّامحة للنّموّ، فإمّا أن تتكيّف مع التّغيير أو تخاطر بفقدان مكانتها

كيف يجب على شركتك مواجهة تحديات الذكاء الاصطناعي التوليدي؟ هل ينبغي عليك إهمال روبوتات الدّردشة الذّكيّة أم الاستفادة منها يوميّاً؟ وهل تعدّ هذه التكنولوجيا عنصراً أساسيّاً لتحقيق نموّ أعمالك أم أنّ ليس لها تأثيرٌ حقيقيٌّ؟
تستند الحجّة الدّاعية إلى الاستخدام اليوميّ لروبوتات الدّردشة بالذكاء الاصطناعي وإدماج تقنيّات الذكاء الاصطناعي التوليدي في بيئة العمل إلى مخاوف حقيقيّةٍ من أن يتخلّف المنافسون عن الرّكب في ظلّ موجة الضّجّة الإعلاميّة. فقد قدّمت مؤسّساتٌ مرموقةٌ مثل "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) و"ماكينزي" (McKinsey) توقّعاتٍ دقيقةً حول تأثير هذه التّكنولوجيا في تعزيز النّموّ الاقتصاديّ، وزيادة الإنتاجيّة، وحتّى استبدال الوظائف؛ كما تناولت هذه المواضيع في كتابي "اندفاع العقل" (Brain Rush).
ومن ناحيةٍ أخرى، تبدو حجّة الانتظار والتّأنّي قويّةً أيضاً، فمن المتوقّع أن تنفق الشّركات ما يقارب تريليون دولارٍ على تطوير قدراتها في مجال الذكاء الاصطناعي التوليدي. ومع ذلك، لم يظهر بعد تطبيقٌ ثوريٌّ يشبه المتجر "آي تيونز" (iTunes) الّذي أحدث قفزة نموٍّ بمعدّل ستّة أضعافٍ في مبيعات أجهزة "آي بود" (iPod)، والّذي يمكن اعتباره مثالاً على كونه تطبيقاً مثاليّاً في مجال روبوتات الدّردشة.
يبرز هذا السّياق أهمّيّة التّفكير المتأنّي، خاصّةً في ضوء قرار شركة "أمازون" (Amazon) بالاستثمار بمبلغ 100 مليار دولارٍ في الذكاء الاصطناعي خلال عام 2025، وذلك وفقاً لتقرير أرباح الشّركة الصّادر في 6 فبراير. وقد أوضح المدير التّنفيذيّ لأمازون، آندي جاسي، خلال مكالمةٍ مع المحلّلين: "من المحتمل أن يعاد اختراع كلّ تطبيقٍ نعرفه اليوم بإدخال الذكاء الاصطناعي فيه، فربّما يمثّل الذكاء الاصطناعي أكبر تحوّلٍ تكنولوجيٍّ وفرصةً في عالم الأعمال منذ ظهور الإنترنت".
وفقاً لتقريرٍ نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" (The Wall Street Journal)، تُخطّط شركاتٌ كُبرى، مثل: أمازون، و"غوغل" (Google)، و"ميتا" (Meta)، و"مايكروسوفت" (Microsoft) لاستثمار ما يقارب 320 مليار دولارٍ خلال عام 2025 في إنشاء مراكز بياناتٍ، وتطوير رقائق الذكاء الاصطناعي، وبناء البنى التّحتيّة ذات الصّلة.
ومع ذلك، لم تحظَ هذه الاستثمارات بترحيب المستثمرين على النّحو المتوقّع؛ ففي حين سجّلت أسهم ميتا ارتفاعاً بنسبة 7% عقب إعلان أرباحها، شهدت أسهم أمازون، و"ألفابيت" (Alphabet)، ومايكروسوفت انخفاضاتٍ نسبتها 4%، و7%، و6% على التّوالي بعد صدور نتائجهم الأخيرة، كما ذكرت الصّحيفة.
وهنا يبرز تساؤلٌ حول ما إذا كان آندي جاسي قد بالغ في تقدير التّأثير الاقتصاديّ للذكاء الاصطناعي التوليدي مقارنةً بما حدث مع الإنترنت. فما هو الدّليل على ذلك؟ في صفّ الذكاء الاصطناعي التوليدي لنموّ الأعمال والاستراتيجيّة، الّذي أدرّسه في كلّيّة "بابسون" (Babson)، طلبتُ من الطّلّاب تقييم التّأثير الاجتماعيّ والاقتصاديّ لثلاث تقنيّاتٍ بارزةٍ في بداياتها:
- الإنترنت في عام 1998.
- البلوكشين في عام 2011.
- والذكاء الاصطناعي التوليدي في عام 2023.
وبناءً على تحليلٍ استند إلى 5 أسئلةٍ محوّريّةٍ، صنّف الطّلّاب الإنترنت والذكاء الاصطناعي التوليدي على أنّهما الأكثر تأثيراً، بينما جاء البلوكشين في المرتبة الأخيرة. ويعزى ذلك إلى اختلاف الجمهور المستهدف، فالمستهلكون وجدوا قيمةً جمّةً في الإنترنت وهم يستكشفون الآن الطّرق المتعدّدة الّتي يمكن أن يقدّمها روبوت الدّردشة المدعوم بالذكاء الاصطناعي لمساعدتهم.
في المقابل، رغم أنّ البلوكشين تبدو فكرةً واعدةً من النّاحية النّظريّة للشّركات، إلّا أنّ التّجارب العمليّة، مثل المبادرة الّتي ألغتها شركة "ميرسك" (Maersk)، أظهرت أنّ الفوائد المرجوّة من تطبيق البلوكشين عبر سلسلة التّوريد لا تتحقّق إلّا إذا شارك جميع الأطراف، وهو ما جعل التّكاليف تفوق المنافع بالنّسبة للكثير من المشاركين.
إذاً، كيف يُمكن للشّركات استغلال الذكاء الاصطناعي دون الانجراف وراء موضةٍ عابرةٍ؟ يجب على القادة طرح 5 أسئلةٍ أساسيّةٍ للتّأكّد من تحقيق الفائدة المرجوّة:
1. هل تخفّف التّكنولوجيا من معاناة العملاء؟
خلال جائحة كورونا، ساعد الإنترنت العديد من الشّركات -من تجّار التّجزئة إلى المطاعم والشّركات الّتي اعتمدت على العمل عن بعدٍ- على الاستمرار في العمل. وفي الوقت الرّاهن، تساعد روبوتات الدردشة بالذكاء الاصطناعي في التّغلّب على مشاكل قد تبدو أقلّ أهمّيّةً، مثل تخطّي عوائق الإبداع.
2. هل سيدفع العملاء مبلغاً كافياً لجعل التّكنولوجيا نموذجاً تجاريّاً مستداماً؟
باستثناء بعض الحالات النّادرة مثل شركة "إنفيديا" (Nvidia) الّتي تحقّق هامش ربحٍ صافٍ يصل إلى 55%، "وخدمات أمازون ويب" (AWS) الّتي تساهم بنسبةٍ كبيرةٍ في أرباح أمازون، يبدو أنّ معظم مورّدي تقنيّات وخدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي لم يحقّقوا أرباحاً ملموسةً حتّى الآن. ورغم أنّ الكثير من خدمات الإنترنت تقدّم مجّاناً، فإنّ أعمال الإعلان المرتبطة بها أثبت جدواها وربحيّتها الكبيرة لشركاتٍ مثل غوغل وميتا.
3. هل توفر التكنولوجيا قفزةً نوعيّةً في القيمة، أي زيادةً عشريّةً في نسبة الفوائد مقارنةً بالسّعر؟
عندما بدأت أمازون في بيع الكتب عبر الإنترنت، نجحت في تقديم مجموعةٍ واسعةٍ من الكتب مع مراجعاتٍ قيّمةٍ للعملاء وبأسعارٍ أقلّ. وفي هذا السّياق، يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي -وخاصّةً تقنيّات مثل "نوتبوك إل إم" (Notebook LM)- أن يلخّص المستندات الطّويلة في ثوانٍ معدّودةٍ، ممّا يوفّر وقتاً ثميناً للقرّاء.
4. هل يؤدّي تجاهل التّكنولوجيا إلى تهديد نموذج العمل القائم للشّركة؟
في حقبة ازدهار شركات الإنترنت، شهدنا أنّ العديد من اللّاعبين الكبار تابعوا التّطوّرات دون اتّخاذ خطواتٍ جذريّةٍ، ممّا أدّى في نهاية المطاف إلى تراجع عددٍ من الصّحف والمجلّات. وعلى النّقض، فإنّ عدداً قليلاً من الشّركات تتجاهل اليوم أهمّيّة الذكاء الاصطناعي التوليدي.
5. هل تمتلك الشّركة القدرة على سدّ فجوة المهارات والتّقنيّات لاستغلال فرصة النّموّ؟
في عصر الإنترنت، تمكّنت العديد من الشّركات الكبرى من تطوير القدرات اللّازمة للبيع عبر الإنترنت وفي المتاجر الفعليّة، وما زالت الشّركات تقيّم ما إذا كانت روبوتات الدّردشة بالذكاء الاصطناعي قادرةً على تحسين عمليّاتها بشكلٍ فعّالٍ.
الخلاصة: إذا كانت إجابتك على جميع هذه الأسئلة بـ«نعم»، فلا عذر لعدم الانطلاق قدماً في دمج الذكاء الاصطناعي التوليدي في استراتيجيّة عملك.
شاهد أيضاً: مفاتيح للحصول على أقصى استفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي