الرئيسية الريادة هل انتهى عصر الشهادات الجامعية؟ سوق العمل سيجيبك

هل انتهى عصر الشهادات الجامعية؟ سوق العمل سيجيبك

يواجه الخريجون الجدد تحدّياتٍ غير مسبوقةٍ، من تزايد المنافسة إلى تأثير الذكاء الاصطناعي على الوظائف، فهل حان وقت إعادة التّفكير في المسار المهنيّ؟

بواسطة فريق عربية.Inc
images header

يبدأ الخريجون الجدد بعد إنهاء دراستهم الجامعيّة في التّفكير مباشرةً في الحصول على وظيفةٍ، فبعد سنواتٍ من الدّراسة والامتحانات، تأتي اللّحظة الحاسمة: كيف يمكنهم سداد قروضهم الطّلّابيّة والتّأسيس لحياتهم المهنيّة؟ ولكن الواقع الّذي يواجهونه ليس كما كانوا يتوقّعون.

أوضح تقريرٌ حديثٌ نشرته "سي إن إن" (CNN) أنّ الخرّيجين الجُدد يواجهون صعوبةً غير مسبوقةٍ في العثور على فرص عملٍ مناسبةٍ، بل إنّ الأمر بات أكثر تعقيداً، ممّا كان عليه في الماضي. لم تعد الشهادة الجامعيّة كافيةً لضمان وظيفةٍ جيّدةٍ، بل أصبح السّوق أكثر تنافسيّةً، ممّا كان عليه قبل عقودٍ، فسوق العمل يتغيّر.. والفجوة تتّسع بين الخرّيجين وأصحاب الخبرة.

أظهرت دراسةٌ حديثةٌ أجراها "بنك الاحتياطيّ الفيدراليّ في نيويورك" (Federal Reserve Bank of New York) إنّ الفجوة بين معدّلات البطالة لدى الخرّيجين الجدد وحاملي الشّهادات من ذوي الخبرة بلغت أوسع مستوياتها منذ التّسعينيّات، ويشير هذا إلى أنّ حاملي الشّهادات الجامعيّة الجدد يواجهون منافسةً شرسةً، ليس فقط مع بعضهم البعض، ولكن أيضاً مع أصحاب الخبرات الطّويلة الّذين يتمتّعون بفرصٍ أفضل في سوق العمل.

يتداخل في هذه الأزمة عددٌ من العوامل، ولكنّ من أبرزها التّزايد الكبير في أعداد الخرّيجين مقارنةً بفرص العمل المتاحة، إذ أكّد ديفيد ديمينغ، أستاذ السّياسات العامّة في "مدرسة هارفارد كينيدي" (Harvard Kennedy School)، أنّ هذه المشكلة تعود إلى "نجاحنا في تعليم عددٍ أكبر من الأشخاص، ممّا أدّى إلى زيادةٍ كبيرةٍ في أعداد حاملي الشّهادات الجامعيّة". ولكنّ هذا النّجاح خلق تحدّياً جديداً، فكلّما زاد عدد الخرّيجين، تضاءل الفارق التّنافسيّ بينهم في سوق العمل، وأصبح العثور على وظيفةٍ أمراً أكثر صعوبةً.

ارتفاع متطلّبات الوظائف وتراجع توافق المهارات

لم يقتصر التّحدّي على زيادة عدد الخرّيجين فقط، بل ارتفعت متطلّبات سوق العمل للوظائف المبتدئة، حيث أوضح ديمينغ أنّ ما كان يعتبر وظيفةً للمبتدئين قبل عشر سنواتٍ، بات اليوم يتطلّب مهاراتٍ أكثر تعقيداً، ممّا جعل التّنافس عليها أصعب.

ولكنّ المشكلة لا تتوقّف عند ذلك، بل توجد فجوةٌ واضحةٌ بين ما يطلبه أصحاب العمل وما تقدّمه الجامعات من مهاراتٍ لخرّيجيها، فأظهر استطلاعٌ أجرته مجلّة "إنتليجنت" (Intelligent) أنّ 58% من مدراء التّوظيف يرون أنّ الخرّيجين الجدد غير مستعدّين لسوق العمل، لا يعود السّبب فقط إلى نقص الخبرة العمليّة، بل أيضاً إلى عدم تأهيل الجامعات للطّلّاب بشكلٍ كافٍ، سواءً على المستوى الشّخصيّ أو المهنيّ، لمتطلّبات الوظائف الحقيقيّة.

تصاعد ريادة الأعمال وتراجع قيمة الشهادات

دفعت هذه التّحدّيات الكثير من الخرّيجين الجدد، خاصّةً من "جيل زد(Gen-Z) وجيل الألفيّة (Millennials)، إلى البحث عن بدائل خارج الوظائف التّقليديّة، مثل ريادة الأعمال أو إطلاق مشاريعهم الخاصّة. إذ أظهرت البيانات أنّ نسبة الشّباب الّذين يتّجهون إلى إنشاء أعمالهم الخاصّة بعد التّخرّج أعلى بكثيرٍ مقارنةً بالأجيال السّابقة، مثل "جيل إكس" (Gen-X) أو "جيل الطّفرة السّكّانيّة" (Baby Boomers)، الّذين كانوا يعتمدون بشكلٍ أساسيٍّ على الوظائف التّقليديّة بعد إنهاء دراستهم الجامعيّة.

وبينما يستمرّ الجدل حول القيمة الحقيقيّة للشّهادات الجامعيّة في سوق العمل، كشفت دراسةٌ حديثةٌ أجراها "معهد بيرننغ غلاس" (Burning Glass Institute) و"معهد سترادا لمستقبل العمل" (Strada Institute for the Future of Work) في بداية عام 2024، أنّ 52% من الخرّيجين الجدد يعملون في وظائف لا تتطلّب شهادةً جامعيّةً بعد عامٍ من تخرّجهم، إذ تُشير هذه النّسبة إلى أنّهم يعانون من "التّوظيف النّاقص"، أي أنّهم يعملون في وظائف لا تتناسب مع مؤهّلاتهم الأكديميّة، وهو ما يعكس أزمةً أعمق في توافق التّعليم مع احتياجات السّوق.

إذاً كيف يمكن للخرّيجين التّكيّف؟

أصبح الخرّيجون الجدد يواجهون تحدّياتٍ غير مسبوقةٍ، حيث لم تعد الشّهادات الجامعيّة وحدها كافيةً لضمان مستقبلٍ مهنيٍّ ناجحٍ. في ظلّ هذه التّغيّرات، يصبح من الضّروريّ على الطّلّاب والخرّيجين تطوير مهاراتٍ إضافيّةٍ، والبحث عن فرص تدريبٍ عمليٍّ أثناء الدّراسة، والتّكيّف مع متطلّبات سوق العمل المتغيّرة.

كما أصبح من الواضح أنّ النّجاح المهنيّ في العصر الحاليّ لم يعد يعتمد فقط على المؤهّلات الأكديميّة، بل يتطلّب مهاراتٍ عمليّةً، وفهماً أعمق لاحتياجات السّوق، واستعداداً مستمرّاً لاكتساب خبراتٍ جديدةٍ. لذلك، على الخرّيجين الجدد التّفكير بشكلٍ استراتيجيٍّ في مستقبلهم المهنيّ، سواءً من خلال البحث عن وظائف تتناسب مع مهاراتهم أو عبر خوض تجربة ريادة الأعمال والاعتماد على الذّات.

الذكاء الاصطناعي يغيّر مفهوم قيمة الشّهادات

بدأ الجدل حول قيمة الشّهادات الجامعيّة يأخذ منحى جديداً مع التّطوّرات السّريعة في الذكاء الاصطناعي، حيث باتت الشّركات تعتمد بشكلٍ متزايدٍ على أدوات الذكاء الاصطناعي القادرة على أداء مهامٍّ كانت تسند تقليديّاً إلى الموظّفين الجدد، فقد أصبح من الممكن الآن أن يجد الخرّيجون الجدد أنفسهم في منافسةٍ مع أنظمة الذكاء الاصطناعي، الّتي قد تكون أكثر كفاءةً وأقلّ تكلفةً من توظيف شخصٍ جديدٍ.

وفي ظلّ هذا التّحوّل، قد يكون من المفيد للخرّيجين تعلّم كيفيّة استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي وإدارتها بفعّاليّةٍ، بدلاً من التّركيز فقط على إتقان المهارات التّقليديّة، إذ لم يعد سوق العمل كما كان قبل سنواتٍ، حيث لم تعد بعض الوظائف المبتدئة بحاجةٍ إلى موظّفين بشريّين، بل أصبحت تُدار بواسطة أنظمة ذكاءٍ اصطناعيٍّ متطوّرةٍ تستطيع تنفيذ المهامّ الإداريّة والكتابيّة بشكلٍ شبه مستقلٍّ.

التّطوّر السّريع للتّقنيّات يزيد التّحدّيات

لكنّ هذا الجدل لا يتوقّف عند هذا الحدّ، بل يزداد تعقيداً مع التّسارع الهائل في تطوّر تقنيّات الذكاء الاصطناعي، فلم يعد التّغيير يحدث على مدار سنواتٍ، إذ تُطرح أدوات ذكاءٍ اصطناعيٍّ جديدةٌ تقريباً كلّ أسبوعٍ. في منتصف عام 2024، أظهرت تقاريرٌ كيف أنّ "كوبايلوت" (Copilot AI) من "مايكروسوفت" (Microsoft)، الّذي تمّ دمجه في برامج الإنتاجيّة الخاصّة بالشّركة، يستطيع أداء المهامّ الّتي كانت تسند سابقاً إلى المتدرّبين الجدد.

ولكن منذ ذلك الحين، تطوّرت تقنيّات الذكاء الاصطناعي بسرعةٍ مذهلةٍ، ممّا دفع شركاتٍ مثل "أوبن إيه آي" (OpenAI) إلى إطلاق جيلٍ جديدٍ من أنظمة الذكاء الاصطناعي ذاتيّ التّنفيذ (Agentic AI)، القادرة على أداء العديد من المهامّ المكتبيّة الرّوتينيّة دون تدخّلٍ بشريٍّ مباشرٍ. ومع هذا التّطوّر، قد يصبح دور الخرّيجين الجدد في بعض الوظائف المبتدئة أقلّ أهمّيّةً، ممّا كان عليه في الماضي، وهو ما يثير تساؤلاتٍ جديدةً حول مستقبل التّوظيف في عصر الذكاء الاصطناعي.

الخريجون الجدد يزيدون توقّعاتهم من أصحاب العمل

لم يقتصر التّغيير على التّقنيّات الّتي يستخدمها أصحاب العمل، بل امتدّ أيضاً إلى توقّعات الخرّيجين الجدد بشأن الرّواتب والمزايا الوظيفيّة، إذ أصبح الخرّيجون من جيل زد أكثر وعياً بأهمّيّة الاستقرار الماليّ والمزايا طويلة الأجل، مقارنةً بالأجيال السّابقة.

حيث كشف تقريرٌ صدر عام 2023 عن شركة "آي سي آي إم إس" (iCIMS)، المتخصّصة في برمجيّات التّوظيف، أنّ الخرّيجين الجدد يتوقّعون الحصول على متوسّط راتبٍ سنويٍّ يزيد عن 66,000 دولارٍ. فلم يعد الهدف فقط العثور على وظيفةٍ، بل الحصول على وظيفةٍ تضمن مستوى معيشيّاً مريحاً وقدرةً على سداد القروض الطّلّابيّة، الّتي تشكّل عبئاً كبيراً على العديد من الشّباب حديثي التّخرّج.

كما أظهر التّقرير أنّ أكثر من 40% من الخرّيجين الجدد يبحثون عن مزايا تقاعديّةٍ، بينما يرغب حوالي 30% منهم في الانضمام إلى برامج توجيهٍ ماليٍّ تساعدهم على الاستثمار وسداد ديونهم الطّلّابيّة، إذ يشير هذا التّحوّل إلى أنّ الأجيال الجديدة أصبحت أكثر وعياً بضرورة التّخطيط الماليّ على المدى الطّويل، بدلاً من مجرّد قبول أيّ وظيفةٍ متاحةٍ.

يبقى السّؤال الأهمّ: هل ستظلّ الشّهادات الجامعيّة ضروريّةً كما كانت في الماضي؟

من الواضح أنّ الجدل حول قيمة الشّهادات الجامعيّة سيظلّ قائماً لفترةٍ طويلةٍ، وربّما لن يحسم أبداً. لا تزال هناك فجوةٌ واضحةٌ بين المهارات الّتي تقدّمها المناهج الأكديميّة التّقليديّة، وتلك الّتي يبحث عنها أصحاب العمل، ممّا يترك الكثير من الخرّيجين في حالة عدم يقينٍ بشأن مستقبلهم المهنيّ.

مع التّطوّر المستمرّ للذكاء الاصطناعي، يرى البعض أنّه قد يحدث ثورةً في بيئات العمل، ممّا يجعل بعض التّخصّصات الجامعيّة أقلّ أهمّيّةً في المستقبل. ومع ذلك، يظلّ هناك طلبٌ كبيرٌ على المهارات الّتي يصعب على الذكاء الاصطناعي محاكاتها، مثل: التّفكير النّقديّ، والإبداع، والتّواصل الفعّال، وحلّ المشكلات المعقّدة.

لكن، ما الّذي يجب على الخرّيجين فعله لمواكبة التّغييرات؟

في ظلّ هذه التّغيّرات، يصبح من الضّروريّ على الطّلّاب والخرّيجين أن يعيدوا التّفكير في مهاراتهم المهنيّة، وأن يتوجّهوا نحو اكتساب مهاراتٍ تكميليّةٍ تتماشى مع احتياجات السّوق الحديثةبدلاً من الاعتماد فقط على الشّهادة الجامعيّة، يحتاج الخرّيجون إلى تعلّم كيفيّة استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي بذكاءٍ، وتطوير مهاراتٍ تحليليّةٍ واستراتيجيّةٍ تجعلهم أكثر قدرةً على التّعامل مع مستقبل العمل المتغيّر.

إذا استمرّ الذكاء الاصطناعي في التّطوّر بهذه الوتيرة السّريعة، فقد يصبح التّحدّي الأكبر أمام الخرّيجين الجدد ليس فقط العثور على وظيفةٍ، بل إثبات أنّهم يقدّمون قيمةً مضافةً لا يمكن للذكاء الاصطناعي استبدالها.

تابعونا على قناتنا على واتس آب لآخر أخبار الستارت أب والأعمال
آخر تحديث:
تاريخ النشر: