استراتيجيات التمويل المثلى للمشروعات الريادية
رأس المال المغامر ليس الخيار الوحيد في مجال التمويل، إذ يٌمكن للدين أن يكون أداةً قويةً للنمو عند استخدامه بحكمة.
في كتابه الحديثِ، "ليس كلُّ المالِ يُصاغ على نفسِ الميزانِ: استراتيجياتُ فتحِ أبوابِ التّمويلِ المثلى للمشروعاتِ الرّياديةِ"، يُقدم ديفيد سبرينغ، المُؤسّسُ الرّئيسيُّ لـ "رنواي غروث كابيتال"، إشاراتٍ توجيهيّةٍ مُفصّلة، ويُطلعنا على نماذج تُظهر كيف يمكن للدّينِ أن يُصبحَ أداةً فعّالةً لتحقيقِ ِالنمو المُستدام. والفقراتُ التّاليةُ هي ملخصٌ مُعدّلٌ من هذا الكتابِ. [1]
يُعتبرُ رأسُ المالِ المُغامرُ غالباً كالمعيارِ الذّهبيّ للمُؤسّسين الطّموحين، إذ يُشكّل وسيلةَ التّمويلِ الأوّليةِ في مراحلِ الإطلاقِ الأوّليةِ للشّركةِ. ولكن، كما هو الحالُ مع كلّ أشكالِ التّمويلِ، يأتي رأسُ المالِ المُغامرِ مُرفقاً بتكلفةٍ مُعيّنةٍ. للعديد من المُؤسسين، تُصبح هذه التّكلفة في النّهايةِ مُرهقةً للغايةِ. وعلى مدى ثلاثة عقود من الخبرةِ في مُساعدةِ الشّركاتِ على تأمينِ الرّصيد الماليّ اللّازمِ لتحقيقِ النّمو، لاحظتُ أنّ الكثيرَ من روّادِ الأعمالِ الأذكياء والمُجتهدين يُحقّقون عائداتٍ ضئيلة مُقابل مجهوداتهم وتعبهم وتضحياتهم.
عدّةُ دوراتٍ من الاستثمارِ الرّأسمالي يُمكن أن تُؤدّي إلى تقليلِ حصصِ المُؤسّسين بشكلٍ كبيرٍ، حتّى لا يتبقّى لهم في النّهايةِ إلّا جزءاً مُحدوداً جداً من ملكيةِ الشّركةِ التي قاموا بتأسيسها. ومن خبرتي، يُمثّل التّنازلُ عن القدرةِ على التّحكمِ في الشّركةِ سبباً رئيساً للإحباطِ والاستياءِ بالنّسبة للمُؤسّسين، خصوصاً عندما يُصاحب ذلك تقليل حصصهم في الملكيّةِ، ممّا يُقلّل من عائداتهم ويُحدّ من نفوذهم على الشّركةِ.
المخاطرةُ هي العنصرُ الّذي يُعطي المستثمرين المُغامرين الحقّ في الحصولِ على نسبةِ ملكيّةٍ كبيرةٍ ودرجةِ سيطرةٍ عاليةٍ على الشّركةِ. ولكن يُمكن تحقيقُ توازنٍ بين مكافأةِ المستثمرين الذين يتحمّلون المخاطرَ في المراحلِ الأوليّةِ، وبين الحفاظ على حقّ روّاد الأعمال في السّيطرةِ على مشروعاتهم، دونَ أن يكونَ الأمرُ خياراً مُستبعداً للآخر.
رأسُ المالِ المُغامرُ ليس الوسيلة الوحيدة للتّمويلِ، وقد لا يكونَ هو الخيارُ الأمثلُ في كلّ الحالاتِ. هذا ليس انتقاداً للمستثمرين المُغامرين أو للأساسياتِ الّتي يقوم عليها نموذجُ رأسَ المالِ المُغامرِ. فقد كنتَ مُستثمراً مُغامراً لفترةٍ طويلةٍ، وأنا فخورٌ بالأعمالِ التي قمت بها مع زملائي. لكن في مرحلةٍ معيّنةٍ، بدأت أدرك أنّ هناك طريقةً بديلةً لمساعدةِ الشّركاتِ النّاشئةِ على الحصولِ على رأسِ المالِ اللّازم لها، وهي "الدّينُ".
شاهد أيضاً: ماهي أنواع جولات التمويل وماذا تعني؟
يُمكن أن يتّخذَ الدّينُ أشكالاً مُتنوعةً: قد يكونُ على شكلِ قرضٍ مُعتمدٍ على الحساباتِ المُستحقّة الدّفع و/أو المخزون، أو على الإيراداتِ المتوقّعةِ، أو نسبةٍ من الإيراداتِ المستقبليّةِ التي قد تكونُ أقل توقّعاً. ويُمكن أن يكونَ هذا الدّين مُتاحاً في أيّ مرحلةٍ يُمكن فيها للشّركةِ النّظرُ في الحصولِ على رأسِ المالِ المُغامر تقريباً.
شركتي، "رنواي غروث كابيتال"، تُقدمُ قروضاً للشّركاتِ في مراحلٍ مُتقدّمةٍ والّتي لم تصل بعد إلى مرحلةِ الرّبحيّةِ. هذه القروض تُنظَّمُ عادةً كقروضٍ لأجلٍ تتراوحُ مدّتها بين ثلاثة إلى خمسة سنواتٍ، ويُستخدمُ رصيدها لتمويلِ رأس المالِ العاملِ، ومبادراتِ النّمو، والاستحواذات، أو لإعادةِ تمويلِ الدّيونِ القائمةِ. ويُمكن أن يكون الدّين مُكملاً، أو بديلاً لتمويلِ الملكيّةِ. وعند استخدامه بشكلٍ صحيحٍ، يُمكن للدّين المُغامر أن يُساعدَ الشّركةَ على النّمو دون أن يحتّمَ على مُؤسّسيها تقليلُ حصصهم في الملكيّةِ أو التّنازلِ عن السّيطرةِ على شركاتهم. وعلى عكسِ القروضِ المصرفيّةِ التّقليديّةِ، فإنه مُتاحٌ للشّركاتِ التي لا تملكُ تدفقاتٍ نقديّةٍ إيجابيّةٍ أو أصولٍ كبيرةٍ يُمكن استخدامها كضمانٍ.
من الأهميّةِ بمكانٍ للفرقِ الإداريّةِ أن تُدرك بعمقٍ كيف يُمكن للدّينِ، عندما يُستخدم بحكمةٍ وبصيرةٍ، أن يتحوّلَ إلى أداةٍ فعّالةٍ لتحقيقِ النّمو المُستدامِ. ويُمكن لهذا النّوعِ من التّمويل أن يُمهّد الطّريقَ للشّركة للاستثمارِ في مجالاتِ توسّعٍ مُحتملةٍ، سواءً كان ذلك في تطويرِ منتجاتٍ جديدةٍ أو في اختراقِ أسواقٍ جديدةٍ، دون الحاجةِ لتخفيضِ حصصِ المُساهمين الحاليّين في رأسِ المالِ.
المفتاحُ يُكمن في الاستعانةِ بالدّين بحذرٍ شديدٍ وبتقديرٍ عميقٍ للوضعِ الماليّ للشركةِ، مُرافقاً ذلك بخطّةٍ مُدروسةٍ للسّدادِ، ليصبحَ بالتّالي رافعةً استراتيجيّةً لتحقيقِ النّموِ.
تُطلق بعض المفاهيم المُغلوطة الانطباعَ بأنّ التّمويلِ عبر الدّين هو خيارٌ يُستخدمُ أساساً للشّركاتِ النّاشئةِ في مراحلها المبكّرةِ، وأنّه يُعتبرُ خطيراً، أو أنّه يُستخدم فقط عندما يكون الحصولُ على حصصِ ملكيّةٍ ليس خياراً مُتاحاً. ولكن الواقع يُظهر صورةً مُختلفة تماماً. الشركات التي تلجأ للدّين هي في الغالبِ تلك التي يُمكنها الحصول على حصصِ ملكيّةٍ، لكنّها تُفضّلُ عدم القيامِ بذلك لتجنّبِ التّخفيضِ في حصصِ الملكيّةِ.
يعتبرُ المستثمرون المُغامرون عنصراً حيويّاً في نجاحِ نظام الابتكارِ الأمريكيّ، ليس فقط من خلالِ التّمويلِ الذي يُقدمونه، ولكن أيضاً من خلالِ الخبرةِ التّجاريّةِ، والعلاقاتِ القيمةِ، والهيبةِ التي يُضفونها على الشّركاتِ النّاشئةِ. ومع ذلك، توجد طُرق متعددة لتمويلِ النّمو. فاللّجوءُ للديّن في الوقتِ المُناسبِ، وتحتَ شروطٍ مُدروسةٍ، من جهة مُعترفٍ بها وقد قُمت بالتّحقق منها بقدرِ ما قامت بالتّحققِ منكَ، يُمكن أن يفتحَ أمامكَ وأمام شركتك آفاقاً جديدةً وواسعةً.