هل تريد أن تشعر بالسعادة والرضا؟ فكّر في الموت أكثر!
دراسات حديثة تؤكد أن التفكير في الموت، سيجعلك تعيش حياة أكثر إيجابية وإنتاجية.
إنَّ ما تفكِّرُ فيه أو تشعر به يُشكّل تأثيراً مباشراً على أفعالك وأقوالك، كما أنَّ ما تقوله ليس انعكاس أفكارك ومشاعرك فحسب، فقد نُشرت دراسةٌ في مجلة Pain تبيِّن أنَّ نُطقَ الكلمات السَّلبيَّة أو سماعها يؤدّي إلى إفراز هرموناتٍ تُسبِّب القلق والإجهاد، إذاً فالكلمات التي تسمعها أو تقولها يمكن أن تُسهمَ في تغيير طريقة تفكيرك أو شعورك، ولو لم تكن تتحدَّث إلّا مع نفسكَ.
والأمر الأكثر غرابةً هو أنَّ التَّفكيرَ يؤثّر بشكلٍ إيجابيٍّ عندما يتعلَّق بالموت، فقد نُشرت دراسةٌ في مجلَّة "العلوم النَّفسيَّة" تقول إنَّ الأشخاص الَّذين دُفعوا للتَّفكير في الموت شعروا بعد ذلك بالسَّعادة وبما يُسمَّى بالإشباع النَّفسيّ، ولو بشكلٍ جزئيٍّ، وذلك بسبب إظهارهم مزيداً من الاهتمام بمن حولهم، ويذكر الباحثون في ذلك:
يُوجّه تفكير الإنسان نحو المعلومات العاطفيَّة الإيجابيَّة، عند تفكيره بالموت، ويكون ذلك بشكلٍ لا شعوريٍّ، فالموت حقيقةٌ نفسيَّةٌ وواقعٌ يُهدّد كلَّ النَّاس، ولكن عندما يبدأ أيُّ شخصٍ بالتَّأمُّل فيه، فإنَّه تلقائيَّاً يبدأ بالبحث عن أفكارٍ سعيدةٍ.
وبناءً على كلّ تلك الحقائق، ستجدُ أنَّ التَّفكيرَ في الموت لا يجعلك تُفكِّر في أمنياتك الشَّخصيَّة، بل يجعلك أقلّ تركيزاً على ذاتك، وتميل لأن تشارك في السُّلوكيَّات الاجتماعيَّة الإيجابيَّة. وقد كتب ماركوس أوريليوس: "قد تغادر الحياة الآن؛ دع هذا يحدِّد ما تفعله وما تقوله وما تفكِّر فيه"، ومن هنا جاءت عبارة: "memento mori" أو "قد تغادر الحياة الآن".
من السَّهل أن تعيشَ حياتك كلَّها بدون وعيٍ، وذلك عندما تظنُّ أنَّك ستعيش للأبد ولن تموت، ووفقاً لمثلٍ شعبيٍّ بوتاني: "من أجل أن تعيش سعيداً، يجب أن تفكِّر في الموت خمس مرَّاتٍ في اليوم"، ويقول لاما دامتشو جيلتشين في كتاب مايكل إيستر "The Comfort Crisis":
عندما تفهم أنَّه لا شيء يدوم أبداً في هذه الحياة، ستتبع مساراً حياتيَّاً أفضل وأسعد، ممّا سيُهدِّأ من تفكيرك، وستميلُ لعدم الإفراط في الغضب أو الانتقاد، وإذا تعامل النَّاس مع الآخرين بهذا المبدأ ستتحسَّن علاقتهم، وسيصبحون أكثر كرماً وامتناناً.
فكِّر في الأمر بهذه الطَّريقة، فقد يكون اليوم هو اليوم الأخير الذي ستتمكَّن فيه من التَّأثير إيجابيَّاً في حياة شخصٍ آخر، وقد تكون اليوم فرصتك الأخيرة لتجعل شخصاً ما يشعر بأهميَّته، كما يمكن أن يكونَ هذا اليوم هو الأخير الذي يمكنك فيه قول كلمة "أحبُّك" للأشخاص الذين يُهمّك أمرهم، كما يتعدَّى الأمر ذلك طبعاً، فإذا أردت أن تبدأ عملاً تجاريَّاً لا تنتظر خمس سنواتٍ بل ابدأ به الآن، فربَّما ليس في عمرك خمس سنواتٍ أُخرى، وإذا أردت تغيير مهنتك فإنَّ انتظارك الطَّويل قد لا يجعلك تحظى بالفرصة المطلوبة أبداً، وإذا أردت تعلُّم شيٍ ما أو إنجاز شيءٍ ما أو إذا أردت أن تكون شيئاً ما، فلا تنتظر ابدأ في فعل ذلك حالاً.
وعلى الرَّغم من أنَّه من الممكن ألّا تغادر الحياة الآن، لكن لكلِّ إنسانٍ يومٌ سيرحلُ فيه، وهذه حقيقةٌ! ولكنَّها حقيقةٌ من السَّهل أن ينساها الإنسان ويغفل عنها؛ لذلك لا تخف من أن تفكِّرَ في الموت من وقتٍ لآخر، فالتَّفكير فيه لخمس مرَّاتٍ في اليوم قد يبدو أمراً مبالغاً فيه، ولكن في الحقيقة من الواضح أنَّ البوتانيين لم يقولوا ذلك المثل عبثاً، فعلى الرَّغم من أنَّ بوتان تحتلُّ المرتبة 134 بين الدُّول المتقدِّمة، فإنَّ الأبحاث تُظهر أنَّ 93% من سكَّانها يعدُّون أنفسهم سعداء، فبدلاً من شعورك بالكآبة فكِّر في الموت، وذلك سيبعث في نفسك النَّشاط والإقبال على استدراك ما تبقَّى لك في الحياة.
والخلاصة من كلِّ ذلك، أنَّك كلَّما أردت اتخاذ قرارٍ ما، أو كلّما أردت الرَّدَّ على أحدٍ، أو عندما تحتاج لتحديد أفضل سبيلٍ للعمل، خذ لحظةً واحدةً وفكِّر فيما كنت ستفعله لو كان اليوم هو يومك الأخير وفرصتك الأخيرة في الحياة، فربَّما سيدفعك ذلك التَّفكير لتصرُّف بشكلٍ أفضل، وربَّما لا يكون ذلك، ولكن على كلّ حالٍ سيمنحك ذلك فرصةً لتتصرَّف بطريقةٍ قد تجعلك سعيداً يوماً ما.