هل تسعى لتحقيق ثروة من الذكاء الاصطناعي؟ إليك 4 مفاتيح لذلك
يمكن للشّركات النّاشئة أن تحقّق نجاحاً كبيراً بتطبيق هذه العوامل الأربعة بشكلٍ صحيح، ما يجعلها قادرةً على المنافسة في سوق التّكنولوجيا المتسارعة
في مرحلةٍ مبكرةٍ من مسيرتي المهنيّة، وجدت نفسي جزءاً من فريق عملٍ في شركةٍ ناشئةٍ كانت تحمل أحلاماً كبيرةً باستخدام الذّكاء الاصطناعي لتغيير صناعة التّخطيط المالي الشّخصي. كان الهدف بسيطاً، ولكنّه كان طموحاً: تمكين المخطّطين الماليين من تحقيق نجاحٍ أكبر من خلال استخدام أدوات الذّكاء الاصطناعي المتّقدمة. ومع أنّ الفكرة كانت جذّابةً للغاية، إلا أنّ الشّركة لم تستطع الاستمرار. رغم أنّها نجحت في جمع رأسِ مالٍ كبير، لم تستطع تحقيق الهدف الأسمى وهو جذب عددٍ كافٍ من العملاء الذين يمكنهم تحويل الفكرة إلى نجاحٍ تجاريٍ مستدام.
تلك التّجربة كانت درساً قاسياً، ولكنّه كان مهمّاً للغاية. تعلّمت أنّ التّكنولوجيا المثيرة قد تجذب المستثمرين الذين يبحثون دائماً عن الصّفقاتِ المربحة، ولكنّها وحدها ليست كافيةً لضمان نجاح الشّركة الناشئة. كان عليَّ أن أفهمَ أنّ النّجاح الحقيقيَّ يتطلَّب أكثر من مجرد ابتكارٍ تقنيّ. هناك عواملُ أخرى يجب أن تكون في مكانها لتحقيق النّجاح، وهي عوامل تتجاوز بكثيرٍ توافر التّكنولوجيا الرّائدة.
إذاً، ما هي هذه العوامل الحاسمة التي يمكن أن تحوّل التّكنولوجيا الجديدة إلى قصّة نجاح؟ من خلال تجربتي الشّخصية، ومن خلال تدريسي في كلية بابسون، توصّلت إلى أربعة عوامل رئيسية يمكنها أن تكون الفرق بين النّجاح والفشل لأيّ شركةٍ ناشئة:
1. تحديد مشكلةٍ حقيقيةٍ يعاني منها العملاء
الخطوة الأولى نحو النّجاح تبدأ بفهمٍ عميقٍ ودقيقٍ للمشاكل التي يواجهها العملاء في حياتهم اليومية أو في أعمالهم. ليس أيّ مشكلة، بل تلك التي تؤرّقهم وتسبّب لهم إحباطاً حقيقياً. يجبُ على الشّركة النّاشئة أن تحدّد بدقةٍ تلك المشكلة التي تخلق ألماً حقيقياً لعملائِها المحتملين. إذا لم تكن المشكلةُ الّتي تحاول حلّها واضحةً ومؤلمةً بما يكفي، فإنّ احتمال وجود سوقٍ حقيقيٍ لهذه الحلول سيكون ضعيفاً. التّكنولوجيا مهما كانت متقدّمة لن تجد طريقها إلى السّوق إذا لم تكن موجّهةً لحل مشكلةٍ يعاني منها العملاء بشكلٍ يومي.
2. تطوير منتجٍ باستخدام التّكنولوجيا الجديدة لحلّ هذه المشكلة بفعاليةٍ أكبر من الحلول الحالية
عندما تجدُ الشّركةُ النّاشئةُ المشكلةَ الحقيقيّةَ، يأتي دور التّكنولوجيا. هنا يجب أن يتمّ تطوير منتجٍ لا يكتفي بحلِّ المشكلة، بل يتفوّق على الحلولِ الموجودةِ في السوق. هذا يتطلّب من الشركة أن تستغل التّكنولوجيا الجديدة بطريقةٍ ذكيّةٍ وفعّالةٍ لتحقّقَ قفزةً نوعيّةً في كيفية التّعامل مع المشكلة. لكنّ النجاحَ هنا لا يعتمد فقط على فكرةٍ رائعة، بل على تنفيذٍ دقيقٍ وشامل. من الضّروري العمل مع العملاء الأوائل لتحسينِ المنتجِ باستمرارٍ، حتى يصل إلى مستوىً يمكن فيه للمنتج أن يقدّم قيمةً لا يمكنُ تجاهلها.
3. التعاون مع العملاء الأوائل لتحسين المنتج، حتى يحقق قيمةً كبيرةً تجذب العملاء
العملاء الأوائل ليسوا مجرّد مستخدمين؛ هم شركاءٌ استراتيجيون يمكنهم توجيه الشّركة النّاشئة نحو النجاح. من خلال التّعاون الوثيق مع هؤلاء العملاء، يمكن للشركة تحسين المنتج وتطويره ليصبح أداةً قويةً تحلّ مشاكلهم بفعالية. هذه العملية تتطلّب استماعاً مستمرّاً لملاحظات العملاء واقتراحاتهم، ومرونةً في تعديل المنتج بناءً على تلكَ الملاحظات. النّجاح الحقيقي يأتي عندما يشعر العملاء أنّ المنتج قد أصبح جزءاً أساسياً من عمليّاتهم اليوميّة، وأنّهم مستعدّون لدفع مبالغ معتبرةً للاستفادة منه.
4. بناء شراكاتٍ استراتيجية أو توظيف المواهب اللّازمة لتحقيق النّمو
النمو لا يأتي فقط من المنتج الجيد، بل يحتاج إلى فريق عملٍ قوي وشراكاتٍ استراتيجية تساعد على التوسع. الشركات الناشئة التي تطمح لتحقيق إيراداتٍ تتجاوز 100 مليون دولار تحتاج إلى بناء فريق عملٍ يمتلك المهارات والخبرات اللازمة لتحقيق هذا النمو. كما أن الشراكات مع شركاتٍ أخرى يمكن أن توفر الموارد والتقنيات التي تحتاجها الشركة لتحقيق هذا الهدف. هذه الشراكات قد تكون حاسمةً في توسيع نطاق العمل والوصول إلى أسواقٍ جديدة. التحديات التي تواجه الشركات الناشئة في تطبيق هذه العوامل.
لكن رغم أهمية هذه العوامل الأربعة، فإنّ الكثير من الشّركات النّاشئة تجد صعوبةً في تطبيقها بشكلٍ فعّال. من خلال تجربتي في تدريس دورةِ "استراتيجيات التّوسع: إتقان المراحل الأربعة من الفكرة إلى 10 مليارات دولار" في كلية بابسون، شاهدتُ العديدَ من الشّركات التي لم تستطع تحقيقَ هذه العوامل بشكلٍ صحيح. وفي عالم الذّكاء الاصطناعي، تحديداً، نجد العديد من الشّركات النّاشئة التي لم تتمكّن من الاستمرار، واضطرّت إلى اللجوء إلى عمالقة التكنولوجيا لإنقاذها.
شركات الذكاء الاصطناعي التي تلجأ إلى عمالقة التكنولوجيا للإنقاذ
من الأمثلة على الشركات التي لم تستطع تطبيقَ هذه العوامل بشكلٍ فعّالٍ هي شركة Adept AI، التي كانت تطوّر وكلاء ذكاءٍ اصطناعي لمعالجة الفواتير أو مطالبات التّأمين. رغم أنّ الفكرة كانت مبتكرةً وواعدةً، إلا أنّ التحديات المالية والتّقنية كانت كبيرةً جداً.
في النهاية، اضطّرت الشّركة إلى اللّجوء إلى أمازون، التي قامت بتوظيف معظم موظفي Adept ودفع 330 مليون دولارٍ لترخيص تقنيّتها. تكاليف تطوير التكنولوجيا كانت مرتفعةً للغاية، بحيث لم تتمكّن الشّركة من بناء منتجٍ قابلٍ للتسويق. وعلى الرّغم من جمع 400 مليون دولار، لم تستطع Adept تحويل رؤيتها إلى منتجٍ يمكن استخدامه فعليّاً في السوق.
نموذج ناجح: شركة Glean وتطبيق العوامل الأربعة للنجاح
على الجانب الآخر، هناك شركاتٌ ناشئةٌ نجحت في تطبيق هذه العوامل بشكلٍ مثالي. شركة Glean، التي تتّخذ من بالو ألتو في كاليفورنيا مقرّاً لها، تعدّ مثالاً ناجحاً على كيفية تطبيق العوامل الأربعة وتحقيق النجاح. تقدّم Glean أدوات ذكاءٍ اصطناعي تساعد الشّركات الكبيرة في البحث عن البيانات الدّاخلية بشكلٍ أكثر فعالية. من خلال تحديد مشكلةٍ حقيقيةٍ تواجه الشّركات الكبرى – وهي صعوبةُ جمعِ وتلخيص المعلومات من مصادرَ متعددة – استطاعت Glean تطوير منتجٍ يتيح للشّركات الوصول إلى المعلومات بسرعةٍ ودقّة.
من خلال التّعاون الوثيق مع عملائها الأوائل، تمكنت Glean من تحسين منتجها بشكلٍ مستمرٍ، حتى أصبح جزءاً أساسياً من عمليات عملائها. هذا الابتكار جذبَ عدداً كبيراً من الشركات الكبرى، منها Sony Electronics وDatabricks، وحقّق للشركة إيراداتٍ سنويةٍ متكرّرةٍ بلغت 55 مليون دولار، مع توقّعاتٍ بالوصول إلى 100 مليون دولارٍ بنهاية عام 2024.
هذا النّموذج النّاجح يوضّح كيف يمكن للشّركات النّاشئة أن تحقّق نجاحاً كبيراً إذا ما طبّقت العوامل الأربعة بشكلٍ صحيح، ممّا يجعلها قادرةً على المنافسة في سوق التّكنولوجيا المتسارعة.