هل تشعر بالتوتر قبل إلقاء عرضٍ تقديميٍ؟ إليك الحل
طريقة مُثبتة لتهدئة قلق عقلك، فقط ابحث عن الابتسامة كأسلوبٍ لتعديل نشاط دماغك
لنفترض للحظة أنّك تُقدّم عرضاً تقديميّاً في قاعةٍ مليئةٍ بأفرادٍ مُهمّين. تتطّلع إلى ردود أفعالهم، وتفضّل أن تكون إيجابيّةً، لأنّك تعلم أنّهم يقيمونك. فجأة، تلاحظ شخصاً في الصّف الأماميّ.
ترى تعابيرَ وجهه: حاجبان متجهّمان، ابتسامة جانبية، وربّما يهزّ رأسه بعدم الرضا. تبدأ تشعر بالهلع. تلاحظ أنّ الجمهور يظهرُ نفسَ التّعبيرات. تتسارع أفكارُك وتصبحُ غيرَ قادرٍ على التّركيز. تفشل في العرض التّقديميّ بشكلٍ كامل. يظلّ الشّعور السّلبيّ ملازماً لك، وكلّما كان عليك تقديم محاضرةِ، تواجهُ شعوراً بالقلق يشلّ أطرافك، يُثيره التفكير في إمكانيّة الفشل مجدداً.
لكن الأمر يكمن هنا؛ ما لم تلاحظه في المرّة الأولى هو أنّ هناك وجوهاً مبتسمةً وسعيدةً في الجمهور أكثر من الوجوه المتجهّمة. نعم، صحيحٌ أنّنا غالباً ما نُولي اهتماماً أكبر للجوانب السّلبيّة عن الإيجابيّة. هذا ردّ فعلٍ مُدمج على مستوى التّطوّر البشريّ الّذي يجعل الدّماغ يُركّز على الخسائر أكثر من المكاسب. وللأسف، تلك الانحيازات في التّفكير الّذي توصلّنا إليه تطوّرياً يمكن أن تُسهم أيضاً في توليد عواطف سلبيّة.
في الواقع، التّحيّز الانتباهيّ نحو التّهديد أو السّلبيّة يُعدّ الآليّة المعرفيّة الأساسيّة الّتي تقف وراء الكثير من قلقنا. على الرّغم من ذلك، تُظهر الأبحاث التّجريبيّة الحديثة أنّ هذا التّفكير الافتراضيّ قابلٌ للتّغيير. يُمكننا تدريب انحيازاتنا لنُحوِّل تركيزنا (وتفكيرنا) بعيداً عن السّلبيات وباتجاه الإيجابيّات.
التّدريب على تعديل التحيّز المعرفي: تدّخلٌ جديد لمعالجة القلق
بالنّسبة للأشخاص الّذين يعانون من القلق، يؤدّي الإصرار على الانتباه فقط للأمور الّتي قد تكون خطيرةً إلى دورةٍ متكرّرةٍ تجعل العالم غامضاً ومصدر تهديدٍ، حتّى عندما لا يكون كذلك في الواقع. ويُعتبر التّدريب على تعديل التّحيّز المعرّفي (CBM) تدخّلاً مبتكراً، تمّ التّوصل إليه لإنهاء هذه الدّورة الشّريرة، وقطع طريق القلق من المصدر.
يعتقد الباحثون أنّ تعديل التّحيّز المعرفيّ فعَّالٌ في قدرته على التّأثير وتغيير المصدر المستهدف للتّحيّز السّلبيّ الّذي يُفترض أنه مُدمجُ ضمنيّاً في أدمغتنا. ويتمّ ذلك من خلال تدريبٍ ضمنيٍّ، تجريبيٍّ، وسريعٍ. على سبيل المثال، في نوعٍ واحدٍ من التّدخل، يُوجّه الأفراد ببساطةٍ لتحديد موقع وجهٍ مبتسمٍ في مصفوفةٍ من الوجوه الغاضبة، مراراً وتكراراً. ثبت أنّ مئات هذه التّجارب المتكرّرة فعَّالةٌ في تقليل التّحيّز السّلبي للانتباه الّذي يُسهم في القلق غير التّكيّفيّ.
ولكن كيف يحدث ذلك بالتّحديد؟ ما هي التّغيرات الّتي تحدث في الدّماغ، إن وجدت؟
تدريب تعديل التحيّز المعرفي
تُظهر الأبحاث الحديثة في مجال علم النّفس البيولوجي أنّ التّدريب على تعديل التّحيّز المعرفيّ ينتج تغيّراتٍ سريعةٍ في نشاط الدّماغ. وقد توصّل فريق الباحثين بقيادة برادي نيلسون في جامعة ستوني بروك إلى التّنبّؤ بأنّ جلسةَ تدريبٍ واحدة من التّدريب على تعديل التّحيّز المعرفيّ ستؤثّر على مُؤشرٍ عصبيٍّ يُعرف باسم "السّلبيّة المتعلّقة بالخطأ" (ERN).
الـ ERN هو إشارةٌ عصبيّةٌ تعكس حساسيّةَ الشّخص للتّهديد. تُطلق عندما يواجه الدّماغ أخطاراً محتملةً أو أشياء غامضةٍ. ممّا يجعل الشّخص يلاحظ الأمور الّتي من المحتمل أنّها تسير على نحوٍّ سيئٍ حوله. وهذا ليس أمراً جيّداً بالكامل. إذ يمكن للـ ERN أن يخرج عن السيطرة؛ على سبيل المثال، من المعروف أنّه يكون أعلى في الأشخاص الّذين يعانون من القلق واضطراباتٍ مرتبطةٍ بالقلق، مثل: اضطراب القلق المعمّم، واضطراب الوسواس القهريّ. ويعتبر ERN المرتفع دليلاً على دماغٍ متنبّهٍ بشكلٍ مفرطٍ، ويبحث باستمرارٍ عن مشكلاتٍ محتملةٍ، حتّى عندما لا توجد.
في الدّراسة الحاليّة، توصّل الباحثون إلى التّنبّؤ بأنّ جلسة تدريبٍ واحدةٍ من التّدريب على تعديل التّحيّز المعرفيّ، ستساعد في الحدّ من هذه الاستجابة للتّهديد، وتؤدّي إلى انخفاضٍ فوريٍّ في الـ ERN.
بالاستعانة بتقنيّات التّسجيّل الكهربائيّ للدّماغ (EEG)، وجّه الباحثون المشاركين بشكلٍ عشوائيٍّ إلى إما جلسةٍ تدريبيّة على تعديل التّحيّز المعرفيّ (CBM) أو إلى مجموعة تحكّمٍ. كلتا المجموعتين أدّيتا مهمّةً قبل وبعد جلسة التّدريب أو الجلسة التّحكّميّة.
وفقاً للتّوقّعات، تبيّن أنّ المشاركين الّذين خضعوا لجلسة التّدريب المكثّفة على تعديل التّحيّز المعرفيّ قد أظهروا نشاط ERN أقلّ مقارنةً بالمشاركين في المجموعة التّحكّميّة. بمعنى آخر، تمّ تقليل استجابة الدّماغ للتّهديد بمجرّد توجيه الأفراد لتحويل انتباههم نحو المحتوى الإيجابيّ بعيداً عن السّلبيّ.
تشير النّتائج إلى أنّ تدريب تعديل التّحيّز المعرفيّ يمكنه التّقليل من تحيّز الدّماغ السّلبيّ عن طريق استهداف ERN، وهو ما يُدلّ على تقليل حساسيّة الدّماغ للفشل والشّكّ.
ما يثير البهجة حقّاً هو التّغيير الفعليّ في حالة الدّماغ من خلال جلسة تدريبٍ واحدةٍ على تعديل التّحيّز المعرفيّ، خصوصاً عند الأخذ في الاعتبار أنّ العلوم لم تثبت بعد قدرة العلاج السلوكيّ المعرفيّ على إحداث مثل هذه التّغيّرات العصبيّة.
من الجدير بالذكر أنّ هناك تطبيقاتٍ وألعاباً جديدة تركّز على تعديل التّحيّز المعرفيّ، أصبحت متاحةً الآن للجمهور العريض. فعلى سبيل المثال، هناك برنامجٌ إلكترونيّ يُدعى "عادات العقل" يقدّم مجموعةً من الألعاب الّتي تُجبر المستخدمين على البحث عن "الوجه المبتسم" في مجموعةٍ من الوجوه.
في الختام، يجدر بنا الإشارة إلى أنّ تعديل التّحيّز المعرفيّ يُعدّ واحداً من أدوات الجيل القادم الّتي قد تسهم في تحسين الوظائف النّفسيّة وتحسّن الحال العامّ للإنسان. لذا، في المرّة القادمة الّتي يكون عليك إلقاء عرضٍ، تذكّر أنّ الابتسامات (وكلّ الأمور الجيّدة الأخرى) موجودةٌ هناك، فقط عليك تدريب دماغك للعثور عليها.