هل تنقذ النماذج اللغوية الصغيرة الذكاء الصنعي من الانهيار؟
مع تزايد تكاليف تشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي الكبيرة، تبحث الشركات عن بدائل أصغر وأكثر كفاءة لإنقاذ الذكاء الاصطناعي من فقاعة الانهيار المحتملة
في السّنواتِ الأخيرةِ، شهد العالمُ سباقاً محموماً لتطويرِ أقوى النماذجِ اللغويةِ الكبيرةِ (LLMs) في مجالِ الذّكاءِ الاصطناعيِّ. هذه النّماذجُ، التي تُعدُّ بمثابةِ ثورةٍ في عالمِ التّكنولوجيا، تستندُ إلى قدرةٍ هائلةٍ على معالجةِ البياناتِ وتوليدِ النصوصِ، مما يفتحُ أبواباً واسعةً لاستخداماتٍ جديدةٍ وغيرِ مسبوقةٍ. لكن مع هذهِ القدرةِ الكبيرةِ تأتي تحدياتٌ لا تقلُّ ضخامةً.
تعدُّ تكاليفُ تشغيلِ هذهِ النماذجِ أحد أبرزِ التّحدياتِ التي تواجهُ الشركاتِ العاملةِ في هذا المجالِ. فمزارعُ الخوادمِ التي تدعمُ هذهِ النّماذج تستهلكُ كميّاتٍ هائلةً من الطّاقةِ، وتفرضُ أعباءً ماليةً باهظةً. على سبيلِ المثالِ، تبدأُ الاشتراكاتُ المؤسسيةُ لمنصةِ OpenAI من 60 دولاراً شهرياً لكلِّ مستخدمٍ، بحدٍّ أدنى 150 مستخدماً. بالنسبةِ لشركةٍ تضمُّ هذا العدد الأدنى، يعني ذلك تكلفةً شهريةً تصلُ إلى 9,000 دولارٍ.
هذهِ الأرقامُ تثيرُ قلق العديدِ من المستثمرين، حيثُ صرّح ديفيد كاهن، الشّريكُ العامُّ في Sequoia Capital، في يونيو الماضي بأنّ شركاتِ الذكاءِ الاصطناعيِّ التوليديِّ بحاجةٍ إلى تحقيقِ إيراداتٍ سنويةٍ مجمعةٍ تبلغُ 600 مليار دولارٍ لتبريرِ هذهِ الاستثماراتِ الهائلةِ.
سباقٌ نحو المستقبلِ: هل النماذجُ الأصغرُ هي الحل؟
مع تزايدِ المخاوفِ من احتمالِ انفجارِ فقاعةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، بدأت بعضُ الشّركاتِ والباحثين في المجالِ يتساءلون: هل يمكنُ أن تكون النّماذجُ اللغويةُ الأصغرُ هي الحلّ الأمثل؟ في ظلِّ السباقِ المحمومِ نحو تطويرِ النّماذجِ الكبيرةِ، ربما يكونُ من الحكمةِ التفكيرُ في بدائل أصغر وأكثر كفاءةً.
يقولُ كارتك ديناكار، المديرُ التنفيذيُّ للتكنولوجيا في شركةِ Pienso، المتخصّصةِ في تطويرِ نماذجِ ذكاءٍ اصطناعيٍّ صغيرةٍ للشركاتِ: "إيراداتُ الذكاءِ الاصطناعيِّ المؤسسيِّ لم تتبلور بالشّكلِ المأمولِ حتى الآن". في ظلِّ هذا الواقعِ، بدأ البعضُ في التّفكيرِ في تقليلِ حجمِ النماذجِ لتقليلِ التكاليفِ وزيادةِ الكفاءةِ.
الشركاتُ الصغيرةُ تدخلُ اللعبة
شركةُ Pienso هي إحدى الشركاتِ التي تتصدرُ حملةً لبناءِ نماذج ذكاءِ اصطناعيٍّ أصغر حجماً تستهدفُ مشاكل محددةً داخل المؤسساتِ. وفقاً لديناكار، فإنّ المنافسة بين الشركاتِ الناشئةِ في مجالِ الذكاءِ الاصطناعيِّ والشركاتِ الكبرى في التكنولوجيا هي معركةٌ غيرُ متكافئةٍ بسببِ التكاليفِ الباهظةِ. على سبيلِ المثالِ، قامت مايكروسوفت بتمويلِ جزءٍ كبيرٍ من أعمالِ OpenAI بتكلفةٍ تصلُ إلى 13 مليار دولارٍ، بينما استثمرت أمازون أكثر من 4 ملياراتِ دولارٍ في شركةِ Anthropic. وفي العامِ الماضي، حصلتِ الشركاتُ في هذا المجالِ على استثماراتٍ تبلغُ 25.5 مليار دولارٍ، ومن المتوقعِ أن تصل الاستثماراتُ هذا العام إلى 45 مليار دولارٍ. لكن طريقُ تحقيقِ الإيراداتِ الضخمةِ ما زال غير واضحٍ.
كفاءةٌ أكبرُ بتكاليف أقلّ
الحلُّ الذي يطرحهُ ديناكار وآخرون هو النماذجُ اللغويةُ الصغيرةُ (SLMs). يشيرُ ديناكار إلى أنّ هذهِ النماذج تعملُ على عددٍ أقلّ من وحداتِ معالجةِ الرّسومياتِ، وتستهلكُ طاقةً أقلّ، لكنها قادرةٌ على تنفيذِ معظمِ المهامِّ التي تحتاجُها المؤسساتُ. وعادةً ما تكونُ هذهِ النّماذجُ مصممةً لحلِّ مشكلةٍ محددةٍ أو خدمةِ قطاعٍ معينٍ. على سبيلِ المثالِ، قامت شركةُ Acree بتطويرِ أداةٍ تجيبُ عن أسئلةِ الضرائبِ لموظفي Thomson Reuters، بينما تساعدُ نماذجُ Pienso الشركات في تشغيلِ برامج لمراقبةِ المحتوى واكتشافِ المخاطرِ التجاريةِ.
مارك مكواد، الرئيسُ التنفيذيُّ لشركةِ Acree، يشيرُ إلى أنّ "النّماذج الأصغر تسمحُ بأن تكون أكثر دقةً وتركيزاً في معالجةِ المهامِّ المحددةِ"، مضيفاً أنّ هذا النهج يتيحُ للشركاتِ تحقيق كفاءةٍ أكبر بتكاليف أقلّ.
إعادةُ التفكيرِ في النماذجِ اللغوية الكبيرة
في ظلِّ هذا التوجهِ الجديدِ نحو النماذجِ الأصغرِ، يطرحُ شيرون زو، مؤسسُ شركةِ Lamini لتطويرِ الذكاءِ الاصطناعيِّ، تساؤلاتٍ حول جدوى النماذجِ اللغويةِ الكبيرةِ للشركاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ. يقولُ زو: "النماذجُ اللغويةُ الكبيرةُ للشركاتِ تتطلبُ التعلم من بياناتِ الشركةِ نفسها، وتكييفها لتحقيقِ الأهدافِ المحددةِ وتصحيح المعلوماتِ الخاطئةِ؛ لكن لم يعد من الضروريِّ أن يكون النموذجُ عاماً وشاملاً."
بالطبع، ستستمرُّ الشركاتُ المطورةُ للنماذجِ اللغويةِ الصغيرةِ في الترويجِ لفوائدِها، لكنّ بعضَ الحقائقِ تبقى واضحةً: هذهِ النماذجُ تتطلبُ تدريباً على كمياتٍ أقلّ من البياناتِ، وتستهلكُ طاقةً أقلّ، مما يجعلُها خياراً أكثر كفاءةً للشركاتِ التي تسعى لتقليلِ التكاليفِ وزيادةِ العائداتِ.
شاهد أيضاً: فهم حدودِ الذكاء الاصطناعي: ما لا يمكنه فعله
مستقبلُ النماذجِ اللغويةِ الصغيرة
وفقاً لديناكار، بدأتِ الشركاتُ الناشئةُ الكبرى في مجالِ الذكاءِ الاصطناعيِّ تدركُ أهمية هذا الاتجاهِ، وتسعى لتطويرِ مساراتِها الخاصةِ في مجالِ النماذجِ اللغويةِ الصغيرةِ. ويضيفُ: "Meta تقومُ بإنتاجِ الكثيرِ من النماذجِ المفتوحةِ المصدرِ الأصغرِ حجماً، وAnthropic تعملُ على نماذج أصغر بكثيرٍ وأكثر كفاءةً."
في خضمِّ هذا التّحوّلِ، قد تكونُ النماذجُ اللغويةُ الصغيرةُ هي الفرصة المقبلة للشركاتِ الصغيرةِ والمتوسطةِ. فهي توفرُ حلاً عملياً يوازنُ بين الكفاءةِ والتكلفةِ، وقد تكونُ الخيار الأمثل لتجنبِ انفجارِ فقاعةِ الذكاءِ الاصطناعيِّ المحتملةِ.