يوسف الديب: عن السَّرد القصصي، عمليات التّخارج، وحب السينما
مقابلتنا مع صانع الأفلام ورائد الأعمال يوسف الدِّيب عن فن السَّرد القصصي، وصناعة السينما، وكيف أسَّس - وباع - أول قناة للطّهي في المنطقة
هذا المقال متوفر أيضاً باللغة الإنجليزية هنا
لطالما كان يوسف الدِّيب شغوفاً بالفنون، وسرعان ما أصبح السَّرد القصصيّ محور رحلته المهنيَّة التي تنقَّلت بين صناعة الأفلام، والإعلان، وإنشاء المحتوى للشّبكات الإعلاميَّة، قبل أن يعود مجدّداً إلى صناعة الأفلام. يقول الدِّيب: "لطالما شعرتُ بالحاجة للتّعبير عن الذات"، وهو الذي قضى 10 سنواتٍ في إخراج الإعلانات التجاريَّة لمجموعة "أمريكانا" (Americana)، وأربع سنواتٍ كرئيسٍ للإنتاج والبرمجة في "إم بي سي" (MBC)، قبل أن يُحقِّق إنجازاً جديداً بإطلاق أول قناة طهي في المنطقة، "فتافيت" (Fatafeat)، في عام 2006.
ورغم أنّ زملاءه اعتقدوا أنه كان يُخاطِر في مشروعه، إذ قال: "كلّ زملائي اعتقدوا أنّني مجنون، فالنّاس لم يهتمُّوا ببرامج الطبخ"، إلّا أن الدِّيب كان يؤمن بأنّ القناة تمتلك القدرة على إحداث تغييرٍ حقيقي في برامج الطَّهي في المنطقة. ومدفوعاً برؤيته وإيمانه بأنّ المنطقة تحتاج إلى شبكة طهيٍ محليَّة، حصل على دعمٍ من المستثمر الكويتي ناصر الخرافي. وعن هذا يعلِّق فيقول: "ناصر الخرافي كان مستثمري، لكنّه كان أيضاً شريكي. لقد آمن بي".
معاً، أطلق الدِّيب والخرافي ما أصبح لاحقاً شبكة طعامٍ محليَّةٍ ناجحة. والسِّر، كما يكشف الدِّيب، كان في السَّرد القصصي. ويوضِّح: "نجحت فتافيت بسرعة كبيرة بالنسبة لقناةٍ صغيرة ذات تخصُّصٍ ضيِّق. وسر نجاحها كان السّرد القصصي. لم يكن الأمر مرتبطاً بالطعام، بل بالجو العام. كان شعارنا 'الحياة جميلة'، وهذا كان الجو العام للقناة. كنّا ندعو الناس للطَّهي معنا في المطبخ". ويضيف: "في ذلك الوقت، كانت الأحداث في العراق تهيمن على الأخبار، وكنت أعتقد أنّ الإعلام بحاجةٍ إلى واحةٍ من الحياة الطبيعيَّة".
ورغم شغفه العميق، أدار الدِّيب قناة فتافيت كعملٍ تجاري منذ اليوم الأوّل، مع التّركيز على التّصوير والبثِّ بجودةٍ عالية الدِّقة. إلا أنّ الأرقام لم تكن مشجِّعة. "بعد سنةٍ ونصف من الإطلاق، اتصل بي الخرافي، وقال 'لقد استثمرنا كثيراً، لكنني لا أرى أيّ عائدات، لذا دعونا نغلقها ونقوم بشيء آخر معاً'. في تلك اللّيلة، أرسلتُ له فاكساً، وقلتُ 'دعونا نجرّب شيئاً مختلفاً!'"، يتذكَّر الدِّيب.
ما حدث بعد ذلك كان نقطة تحوُّلٍ حاسمةٍ في مسيرة فتافيت. فعلى مدار الـ 15 يوماً التّالية، نشر الدِّيب إعلاناً على القناة يقول فيه إنّهم يبحثون عن مشترٍ، وجمع الطّلبات وأرسلها إلى الخرافي، وكان ذلك كافياً لتغيير رأيه. قرَّرا الاستمرار في تشغيل القناة، رغم أنّهما لم يكونا متأكِّدَين من كيفيّة تحقيق الأرباح.
"في ذلك الوقت، كنّا صغيرين جداً بالنسبة لممثليّ وسائل الإعلام. وكان المسؤولون التّنفيذيّون في وسائل الإعلام من الرّجال، لذا لم يستوعبوا الأمر، لأنّ جمهورنا الأساسي كان من النّساء. وفي يوم من الأيام، جاءت بيبسي كولا (Pepsi-Cola) مع كويكر أوتس (Quaker Oats) وقالوا إنّهم يريدون إنتاج محتوى على قناتنا. وسرعان ما انتهى بنا الأمر بنموذجٍ كانت المنتجات تموِّلنا فيه"، يروي الدِّيب.
كان هذا الاتفاق بداية تحوُّلٍ للشبكة، حيث اعتمدت على المنتجات والمكوّنات من بعض أكبر الشّركات الاستهلاكيَّة في المنطقة لتحقيق الإيرادات. وفي عام 2012، باع الدِّيب قناة فتافيت لشركة "ديسكفري كوميونيكيشنز" (Discovery Communications). ومنذ ذلك الحين، أخرج فيلماً وعمل مستشاراً بدوامٍ كامل مع العديد من الشّبكات الإعلاميَّة لتطوير استراتيجيات البرمجة والحضور الرّقميّ، قبل أن يعود إلى شغفه الأصلي بالسَّرد القصصيّ.
السّرد القصصيّ
في مارس من هذا العام، أطلق الدِّيب "ميزون ديب" (Maison Deeb)، وهو ذراعٌ للمحتوى الفنيّ كقسمٍ فرعيٍّ لدار المحتوى الإبداعي "بيكتشر بوند ميديا" (Picture Pond Media). كما يخطّط لإطلاق معرضٍ فني عبر الإنترنت ومتجرٍ فاخر كجزءٍ من "ميزون ديب"، حيث سيحتوي المشروع على متجرٍ مُنسَّقٍ للمنتجات الفاخرة والأعمال الفنيَّة لفنَّانيه المفضَّلين.
تهدف دار المحتوى إلى ابتكار قصصٍ تستكشف حدود الخيال، بهدف أن يكونوا "مهندسي القصص"، كما يصفهم الدِّيب. ويقول: "نحن بحاجة إلى القصص لتعريف عالمنا. نروي القصص للهروب من عالمنا، ولكن لنفهمه أيضاً. السّرد القصصي هو شيءٌ أبدي، وربما هو الشّيء الأطول عمراً الذي ورثناه من جيلٍ إلى جيل".
ويرى الدِّيب، الذي شهد تطوُّر الإعلام في المنطقة من الشّبكات الخاصة إلى البثّ عند الطلب، أنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مهيَّأة لدخول عصرٍ جديد من التّرفيه. وعلى الرّغم من انتشار المحتوى التّجاري الذي يتمحور حول النّجوم، إلّا أنّه يؤمن بأن الصِّيغ الجديدة وزيادة التعرُّض ستُسهِم في تنويع الأذواق.
ويضيف: "البث عند الطلب حرَّر كتَّاب التلفزيون من صيغة الـ 12 دقيقة مع النهاية المشوِّقة. فأصبحت الحلقات أكثر مرونةً من حيث الوقت والصِّيغة. ومع ذلك، فإنّ هيكل الصّناعة لا يزال غير متطوِّر بسبب التّركيز على النّجوم الكبار".
يشيد الدِّيب بالسياسات السُّعوديَّة الأخيرة للانفتاح ورؤية 2030، خاصّةً مع افتتاح دور السينما في المملكة، ويعتبرها خطوات أنقذت الصّناعة بطرقٍ عديدة. ويقول: "لدى السّعودية تعدادٌ سكانيٌّ كبير، والطّريقة التي أراها تستثمر في الشباب، وتدعو النّاس للقدوم والتّصوير، وتقدّم الحوافز وتضع أساساً جيّداً للمستقبل".
ويضيف: "سنرى أنواعاً مختلفةً من القصص تظهر. نشهد مشاريع هوليووديّة ضخمة، نشاهد الأفلام المصرية السّريعة، وقريباً، سنرى المزيد من الأفلام ذات الطّابع المميَّز والمتقن".