هل جربت الامتنان كاستراتيجية عمل؟
الامتنان لا يزيل التّحديات، لكنّه يمنحك الوضوح لمواجهتها
ما الذي يدفعك إلى النّهوض من السّرير في الصّباح؟ كمؤسّس، غالباً ما يتّسم كلّ يومٍ بالسّاعات الطّويلة واللّيالي الّتي لا تنام فيها والألغاز الّتي لا تنتهي. لكن الإجابة على هذا السؤال هي سعيٌّ مستمرٌّ أعمل على تطويره باستمرارٍ، بينما أوازن بين مسؤوليّات فريقي، ومستثمريّ، وعائلتي، ومجتمعي.
لقد كنت على هذا الطّريق لمدة ثماني سنواتٍ، لذا يبدو الأمر طبيعيّاً في هذه المرحلة. لقد واجهت تحدياتٍ لم أكن لأتخيلها عندما بدأت لأول مرةٍ، من استخدام بطاقات الائتمان إلى أقصى حدٍ لتمويل عملي إلى التّساؤل عن الخطوة الكبيرة التّاليّة. ولكن من خلال كلّ ذلك، كانت هناك ممارسةٌ واحدةٌ شكلت وجهة نظري بشكلٍ عميقٍ، ودعمت مرونتي وهي: الامتنان.
والآن، قد لا يكون الامتنان هو أول ما يتبادر إلى الذّهن عندما يتم إعداد قائمةٍ بـ "ما يتطلبه النّجاح كرائد أعمالٍ". ومن السّهل بكثير الانشغال باللّحظة، والاندفاع نحو الإنجاز التّالي. ومع ذلك، فإنّ دمج الامتنان في حياتي اليوميّة، وفي الأعمال التّجاريّة كان بمثابة تحوّلٍ في عقليتيّ، وثقافة شركتي، ونتائجنا الماليّة.
وفيما يلي خمسة طرقٍ أدمج بها هذه الممارسة في حياتي وأعمالي، وكيف يمكنك دمجها في حياتك وأعمالك:
1. ابدأ بالامتنان الشخصي
في الأيام الأولى من عملي، كنت أشعر غالباً بالإرهاق بسبب حجم التّحديات الهائل الّتي واجهناها. لكنّني أدركت سريعاً أنّ التّركيز فقط على المشاكل، كان يبعدني من فرص الأمل والفرح. لذا منذ الأيام الأولى لي في العمل، قررت أن أدمج هذه العادة: كلّ يومٍ على الأقل، أقضي بضع دقائق في تدوين أو التّفكير في الأشياء الّتي أشعر بالامتنان لها. في بعض الأحيان يكون الأمر كبيراً مثل تحقيق إنجازٍ كبيرٍ في العمل، وفي أحيانٍ أخرى يكون صغيراً مثل ضحكةٍ شاركتها مع ابنتي أو أول رشفةٍ من قهوتي.
أعلم أن هذا يبدو وكأنّه عبارةٌ مبتذلةٌ، لكن الحقيقة هي أنّ هذه الطّقوس البسيطة تذكّر عقلي بما يسير على ما يرام، حتى في اللّحظات الفوضويّة. لا يمحو الامتنان التّحديات، لكنه يمكن أن يوفر التّوازن، أيّ أنّ يكون وسيلةً لترسيخ نفسي والمضي قدماً بوضوحٍ تامٍ.
2. دمج الامتنان في ثقافة الفريق
بصفتي قائداً لشركتي، أعلم أنّ لعقليتي تأثيراً غير مباشرٍ على فريقي - على المدى القصير والطّويل. إذ تعزّز القيادة بروح التّقدير ثقافةً يشعر فيها الجميع بالاهتمام والتّقدير والتّحفيز. ورغم أنّ الاحتفال بالانتصارات، الكبيرة والصّغيرة، داخل شركتي ليس بالأمر السّهل بالنسبة لي، فقد جعلته أولويّةً مقصودةً.
على سبيل المثال، لدينا قناة "القيم" في تطبيق "سلاك" (Slack) الخاص بشركتنا، حيث يمكن لأيّ شخصٍ تسليط الضّوء على مساهمات أحد أعضاء الفريق الّتي تتوافق مع قيم شركتنا. ولا تكلّف لحظات التّقدير هذه شيئاً سوى بناء شعورٍ بالانتماء والاحترام المتبادل. وباعتبارنا فريقاً يعمل عن بُعدٍ بالكاملٍ، فإنّها تتيح لنا الاستمتاع بلحظاتٍ من التّقدير والدّعم لبعضنا البعض، بعيداً عن المهامّ اليوميّة المشتركة بيننا.
يتجاوز الامتنان أيضاً الفرق الدّاخليّة. فقد اعتدت على إرسال رسائل شكرٍ مكتوبةٍ بخط اليد إلى الشّركاء والمستثمرين وحتى العملاء. وفي عالمٍ رقميٍّ متزايد الاتّساع، تَبرز هذه الإيماءات الصّغيرة المدروسة، وتعمل على تعزيز العلاقات.
3. ممارسة الامتنان في مواجهة التّحديات
أجد أن الامتنان يكون أقوى عندما أتمنى أن تسير الأمور على نحوٍ أفضل. لقد واجهت لحظاتٍ صعبةٍ - سواءً كان ذلك في صعوبة تأمين التّمويل أو التّعامل مع اضطرابات سلاسل الإمداد- وفي تلك اللحظات، اتجهت إلى الامتنان. وبدلاً من التّفكير فيما لم يكن ناجحاً، سألت نفسي، "ما الذي يمكنني تعلّمه من هذا؟"
على سبيل المثال، أطلقنا خلال جائحة كوفيد-19 صنفاً جديداً من المخبوزات. وعندما عدنا، بحمد الله، إلى العالم بأمان، انخفض الطّلب على هذا الصّنف بشكلٍ حادٍ، كما أنّ الشّركاء التّجارييّن لم يعودوا مهتمّين كما كان الحال سابقاً. وكان من الضّروري إعادة النّظر تماماً في خطّة منتجاتنا للسّنوات القادمة. في تلك الفترة، كان الأمر يبدو كأنّه تحدٍ كبيرٍ. لكن من خلال تغيير طريقة تفكيري، تمكّنت من رؤية الفرصة الّتي يمكن أن تتيح لنا تحسين استراتيجيّتنا وإعادة الاتصال بالمستهلكين لمعرفة ما يحتاجونه فعلاً من شركتنا. فساعدني هذا الامتنان للتّحدي الذي واجهناه في البقاء هادئاً، والتّكيف مع الظّروف الجّديدة بشكلٍ فعالٍ، والتّركيز على تطوير منتجاتنا.
4. دمج الامتنان في استراتيجيّة عملك
إلى جانب الممارسات الشّخصيّة والجماعيّة، يؤثر الامتنان على طريقة تفاعلي مع مجتمع الأعمال الأوسع. بدءاً من دعم المنظمات غير الرّبحيّة الّتي تكافح انعدام الأمن الغذائيّ إلى توجيه رواد الأعمال الآخرين وإنشاء أطعمةٍ شاملةٍ، وإنَّ إدراكي لمدى الدعم الذي حظيتُ به من الآخرين، وإيماني بأنَّ الوقت لم يَفُت لدعمهم بدوري، ينبع من شعورٍ عميق بالامتنان.
الأمر لا يقتصر على فعل الخير فحسب، بل يمتد إلى تحسين أداء الأعمال. فالمستهلكون أصبحوا يولون اهتماماً متزايداً بدعم الشّركات الّتي تتوافق مع قيمهم. وفي الواقع، يؤكّدون لنا باستمرار أنّ هذا التّوافق يلعب دوراً حاسماً في توجيه قراراتهم الشّرائية.
5. التأمّل والاحتفال بالتّقدّم
نحن، كروّاد أعمال، غالباً ما نُبرمِج أنفسنا على السَّعي المُستمرّ نحو الهدف التّالي، مُتناسين التَّوقّف لتقدير المَسافة التي قطعناها. ومع ذلك، فإنَّ تخصيص وقتٍ للتَّأمّل في رحلتنا ليس رفاهيةً، بل ضرورة. لذا، احرص على مُراجعة إنجازاتك، سواء تلك الفَصليّة أو الشَّخصيّة، وكذلك إنجازات فريقك. فالتَّأمّل في هذه الإنجازات يُعزّز شعور الامتنان تجاه المَسار الذي سرناه، من لحظات النَّجاح إلى الفَشل، ومن العوائق إلى النُّموّ الذي تحقّق بينها.
إنَّ دَمج الامتنان في عملك يتطلّب التزاماً مُستمراً، ولكنه يحمل فوائد لا تُقدَّر بثمن. جوهر هذه المُمارسة يكمن في تحويل تركيزك من النَّواقص إلى الفُرص، ومن العوائق إلى الإمكانيات، ومن الخوف إلى الثِّقة. بالنسبة لي، كان الامتنان دائماً ركيزةً أساسيّةً في رحلتي المهنيّة، وأتمنى أن يُصبح لك مصدر إلهامٍ وقوّة كما كان لي.