فن إدارة الحوارات: 3 نصائح لخلق محادثات ثنائية الاتجاه
استراتيجية بسيطة لتجنّب الحوار أحادي الجانب، ممّا يمهّد الطريق لثقافاتٍ أكثر تعاوناً وتفاعلاً.
غالباً ما يتحكَّم المدراء في مجريات الحوار دون أن يدركوا ذلك، فهم يهيمنون على الاجتماعات دون ترك مساحةٍ للنِّقاش ويسارعون بإعطاء حلولهم الخاصَّة للمشكلات التي تُطرح أمامهم، وبصفتك مدير، إذا لم تفسح المجال للحوار، فسيتمُّ ذلك في أماكن أُخرى عبر -برنامج Slack، أو في غرف الدَّردشة وقنوات الاتِّصال البديلة في برنامج Zoom- وقد لا تكون على علمٍ بذلك. [1]
تولِّد تلك العادة في السَّيطرة على الحوار فجوةً بين المدراء وفرقهم وتغذِّي ثقافاتٍ تُعاني من نقص الثِّقة المتبادلة والتَّعاون، كما أنَّها تُقلِّل من الفرص المتاحة للموظَّفين لتطوير مبادراتهم الخاصَّة والإبداع ومهارات حلِّ المشكلات المستقلِّة، الأمرُ اللَّازم لتحقيق أداءٍ مرتفعٍ.
في كتابهما The Answer is a Question، تبحث خبيرتا إدارة التَّغيير دومينيك أشلي-تيمز ولورا أشلي-تيمز في كيفيَّة تعامل القادة مع المحادثات في العمل، مستندتين إلى البحث الأكاديميّ حول نهجهم، وتقدِّمان للقادة والمدراء ممارساتٍ فعَّالةٍ لتعزيز مهارات التواصل واستغلال محادثاتهم مع الفرق إلى أقصى حدٍّ.
ولقد اجتمعت مؤخَّراً مع هاتين المؤلِّفتين، اللَّتان قدمتا بعض النَّصائح من كتابهما لمساعدة المدراء على تشجيع الحوار الثُّنائيّ في العمل وتحفيز فرق أكثر تفاعلاً وتماسكاً.
اطرح الأسئلة بدلاً من الأوامر
وفقاً للمؤلِّفتين، يعدُّ طرح السُّؤال أكثر فائدةً من إصدار الأوامر للأشخاص بما يجب عليهم القيام به، إذ عندما يتَّخذ القادة منهجاً توجيهيَّاً يظهر أنَّهم يمتلكون جميع الإجابات في المحادثات، سواءً في الاجتماعات أو النِّقاشات الفرديَّة، وينتهي الأمر بالطَّرف الآخر محروماً من فرصة التَّعلُّم التي كان من الممكن أن يحظى بها لو جرى تحفيزه على التَّفكير بنفسه، وهناك أيضاً احتمال أن يحول المدراء دون ظهور فكرةٍ قد تكون أفضل بكثيرٍ بسبب تمسُّكهم بمعرفتهم القديمة.
بدلاً من ذلك، يُنصح بتقييم المحادثة وفهم الشَّخص الآخر، ثمَّ اختيار سؤالٍ مدروسٍ يُقدِّم الفائدة الأكبر له في تلك اللَّحظة، وهذا النَّهج سيحفِّز تفكيرهم ويفتح آفاقاً جديدةً أو يخلق فهماً أعمق للموقف، وبحسب لورا: "الأسئلة المستخدمة بهذه الطَّريقة هي المفتاح لتحسين الأداء والتَّفاعل مع الآخرين، وهذه الطَّريقة تغيُّر توازن المحادثة من خلال دعوة الآخرين للتَّفكير بشكلٍ مستقِّلٍ"، ويمكن أن يُسهم سؤالٌ عميقٌ في تطوير مهارات تحديد الأولويَّات لدى الموظَّفين، أو يعزِّز ثقتهم في اتِّخاذ القرارات، أو يحفِّزهم لمواجهة تحدّياتٍ أكبر.
شاهد أيضاً: 3 نصائح لاحتراف فنّ الحوارات الصّعبة في عملك
فضّل استخدام "ماذا؟" على "لماذا؟"
لفتت دومينيك ولورا الانتباه إلى أنَّه في العديد من المحادثات، يميل القادة إلى طرح أسئلةٍ قد تبدو كما لو كانت تحمل نيةً غير صادقةٍ أو نقديَّةٍ، أو كأنَّها محاولةٌ لإحراج الطَّرف الآخر، ولتجنُّب الوقوع في هذا الأمر ولخلق بيئةٍ آمنةٍ نفسيَّاً تسمح للمحادثات الثُّنائيَّة الاتجاه بالازدهار، تقترح كل من دومينيك ولورا تجنُّب استخدام الأسئلة المبنيَّة على كلمة "لماذا" قدر الإمكان.
فقد توحي الأسئلة التي تبدأ بـ"لماذا" بالتَّوجيه الشَّخصيّ، كما لو كان المرء يُلام بطريقةٍ ما على الموضوع المطروح أو يتعرَّض للنَّقد، وقد تُعيد هذه الأسئلة الشَّخص إلى مرحلة الطُّفولة، ما يذكِّره بالتَّوبيخ الذي كان يتلقَّاه من أحد الوالدين، وكنتيجةٍ لذلك، يمكن أن تجعلَ الأسئلة المبنيَّة على "لماذا" الشَّخص دفاعيَّاً، كما تشير دومينيك.
تضيف لورا: "استبدال سؤال 'لماذا...؟' بـ 'ماذا...؟' يُمكن أن يزيلَ إلى حدٍّ ما هذه النَّبرة الشَّخصيَّة (غير المقصودة)، ويُركّز بدلاً من ذلك على الموقف ذاته". وعند استخدام هذا النَّوع من الأسئلة، من المرجَّح أن يفتح الشَّخص الآخر قلبه ويكون مرتاحاً في الحديث أكثر، كما سيكون أكثر استعداداً لاستكشاف الأسباب بنفسه بدلاً من الشُّعور بالحاجة إلى تبرير أفعاله أو الدّفاع عنها.
شاهد أيضاً: تقنيات فعّالة لإدارة الحوارات الصعبة: بناء جسور التواصل في مكان العمل
قاوم الرَّغبة في المقاطعة
قد يواجه القادة في البداية تحديّاً يتمثّل في مقاومة الدَّافع لمقاطعة شخصٍ ما، إذ غالباً ما تُفسّر فترة الصَّمت بعد طرح القادة لسؤالٍ ما بعدم فهم الشَّخص له، ونتيجةً لذلك قد يشعر القادة بالحاجة إلى توضيح السُّؤال من خلال تقديم أمثلةٍ للنَّظر فيها أو تقديم التَّوجيه، لكنَّ قد يمنع هذا الشَّخص الآخر من التَّفكير بنفسه بالفعل.
وحسبما تقول دومينيك: "تعدُّ مقاومة الدَّافع لمقاطعة تفكير الشَّخص الآخر من إحدى أروع الهدايا التي يُمكنك تقديمها لهم"، وتُضيف: "بعد أن تكونَ قد أتحت فرصةً أمام الشَّخص الآخر ليقوم ببعض التَّفكير، امنحه المساحة للقيام بهذا العمل الذّهنيّ المهمّ" إذ قد يكون ملء وقت الصَّمت بكلامك كارثيَّاً، وقد يُطفئ فعلاً شرارة فكرةٍ أو رأيٍ كانت تتشكَّل، والتي كان من الممكن أن تتحوَّلَ إلى شيءٍ مذهلٍ.
ويجب على القادة أن يشعروا بالارتياح حيال تلك الفترات الحرجة أحياناً؛ لأنَّها تمكِّنهم من الاستماع إلى موظَّفيهم ومعرفة كيف تعاملوا مع السُّؤال وما توصَّلوا إليه، كما ذكرت دومينيك ولورا، ويساعد السَّماح بفترة الصَّمت القادة على البقاء متقبِّلين، ويتيح لهم الانخراط في المحادثة والاستماع الفعَّال لردّ الموظَّف.
ومن المرجَّح أنَّ المدى الذي يمكننا الوصول إليه ضمن نطاق التَّقدُّم في مهارات التواصل لدينا وإجراء محادثاتٍ جذَّابةٍ أن يلعب دوراً رئيسيَّاً في مساراتنا المهنيَّة ومسارات فرقنا، إذ تخلق المحادثات ثنائيَّة الاتّجاه والتي تتمحور حول طرح أسئلةٍ قويَّةٍ، اتّصالاتٍ أعمق وثقةً متبادلةً بين الزُّملاء، كما وتمهِّد الطَّريق لثقافاتٍ أكثر تعاوناً وتفاعلاً.