4 ركائز أساسيّة لبناء شراكةٍ تجاريّةٍ ناجحةٍ ومستدامةٍ

تعتبر الشّراكات التّجاريّة من أقوى الأدوات الّتي يمكن أن تفتح آفاقاً جديدةً أمام الشّركات، ممّا يُسهم في تحقيق النّجاح على مستوياتٍ متعدّدةٍ. غير أنّ هذه الشّراكات ليست بدون مخاطر، فهي تتطلّب دراسةً دقيقةً لتفادي الفشل. ومن خلال تجربتي الطّويلة في تأسيس العديد من الشّراكات، أرى أنّ هناك 4 عواملٍ رئيسيّةٍ لا بدّ من أخذها في الاعتبار عند اختيار الشّريك: التّوافق بين القيم والرّؤية، وضوح الأهداف والتّوقعات، تحديد الأدوار بوضوحٍ، والتّعامل مع النّزاعات بحكمةٍ؛ فهذه العوامل هي الرّكائز الّتي يمكن أن تبني شراكةً ناجحةً ومستمرّةً.

العامل الأوّل: التّوافق

عندما يتعلّق الأمر بالشّراكات، فإنّ النّجاح يعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على مدى توافق الشّريكين في القيم والرّؤية. ليس الأمر مجرّد قدراتٍ أو مهاراتٍ، بل هو التّوجه المشترك نحو كيفيّة إدارة العمل ومواجهة التّحديّات، فإذا كان هناك اختلافٌ كبيرٌ في الفلسفات، فقد تنشأ خلافاتٌ تؤدّي إلى تعثّر الشّراكة، ولكن إذا كان هناك تناغمٌ في الرّؤية والطّموحات، فإنّ هذا يساعد على تحقيق نموٍّ مستدامٍ.

على سبيل المثال، باع إيرلي ووكر، مالك شركة "دبليو آند دبليو تووينغ" (W&W Towing) في شيكاغو، شركته إلى ڤيكل مانجمنت سولوشنز  (Vehicle Management Solutions). وكان التّوافق بين الطّرفين في القيم أمراً حاسماً لنجاح هذه الشراكة، خاصّةً في التزامهما بالابتكار وخدمة المجتمع، وبرز هذا الالتزام بوضوحٍ في جهودهما المشتركة لمساعدة المجتمعات الّتي تأثّرت بالأعاصير في تامبا.

يقول ووكر: "إنّ العثور على شريكٍ يعزّز قيمك الأخلاقيّة، ويُساهم في ربطك بالمجتمع هو أمرٌ لا يُقدّر بثمن. بالنّسبة لي، الشّراكة ليست مجرّد مسألة تحقيق مكاسب ماليّةٍ، بل هي الظّهور لدعم من يحتاجون للمساعدة".

العامل الثّاني: الأهداف والتّوقّعات

إنّ أيّ شراكةٍ ناجحةٍ تبدأ بوضع أهدافٍ وتوقّعاتٍ واضحةٍ ومتفّقٍ عليها من قبل الطّرفين، إذ لا يمكن تحقيق النّجاح إذا كان الشّريكان مختلفين في توقّعاتهم لما يسعيان إلى تحقيقه. لذا، من الضّروري تخصيص الوقت لرسم معالم النّجاح لكلّ طرفٍ وضمان أنّ هذه الرّؤى منسجمةً، فالشّفافيّة والصّراحة في هذه المرحلة تبني الثّقة بين الشّركاء.

فالشّراكات الّتي تبدأ بفهمٍ متبادلٍ للأهداف وتوقعات الطّرفين تكون أقلّ عرضةً للخلافات، وعدم الوضوح في هذه المرحلة يمكن أن يؤدّي إلى خيبة الأمل؛ لذلك من المهمّ أن يتفق الطّرفان منذ البداية على ما يُعتبر نجاحاً بالنّسبة لكلٍ منهما.

العامل الثّالث: تحديد الأدوار الوظيفيّة

إحدى النّقاط الحسّاسة في أيّ شراكةٍ هي تحديد الأدوار بشكلٍ واضحٍ، فلا أحد يريد أن يتدخّل في مهامّ الآخرين؛ لذا يجب على كلّ طرفٍ أن يعرف دوره المحدّد بوضوحٍ، إذ يسهم هذا الوضوح في تنظيم العمليّات بشكلٍ فعّالٍ، حيث يُمكن لكل شريكٍ أن يُركّز على نقاط قوته، ومن الأفضل أن يتم تدوين الأدوار والمهامّ على الورق لضمان عدم حدوث التباسٍ أو تضاربٍ في المسؤوليّات.

إذ تمنع الأدوار الواضحة سوء الفهم، وتُساعد على استثمار كلّ شريكٍ في المجال الّذي يتقنه، ممّا يقلّل من التّكرار ويُعزّز الإنتاجيّة، فعندما يعرف كلّ طرفٍ مسؤوليّاته بدقّةٍ، يكون الشّركاء قادرين على تحقيق أقصى استفادةٍ من مهاراتهم، ما يؤدّي إلى أداءٍ أفضل للفريق ككلٍّ.

العامل الرّابع: حلّ النّزاعات

حتّى في أقوى الشّراكات، لا يمكن تجنّب النزاعات بشكلٍ كاملٍ. لكن، ما يميّز الشّراكات النّاجحة هو كيفيّة تعامل الأطراف مع هذه النّزاعات، فغياب خطةٍ واضحةٍ لحلّ النّزاعات قد يؤدّي إلى تصعيد الأمور بشكلٍ يعرّض الشّراكة للخطر. لذلك، من الضّروري وجود آليّةٍ لحلّ النّزاعات، سواءً كان ذلك عبر اجتماعاتٍ دوريّةٍ لمناقشة المشاكل قبل تفاقمها، أو عبر الاستعانة بطرفٍ ثالثٍ كوسيطٍ عند الضّرورة.

بحسب رأيي الشّخصيّ، أغلب النّزاعات يمكن حلّها بالتّواصل الجيّد وبعقليّةٍ متسامحةٍ. لكن، وجود خطّةٍ مسبقةٍ يُخفّف من التّوتر، ويجعل الشّركاء يشعرون بالرّاحة والاطمئنان، إذ إنَّ معالجة النّزاعات بسرعةٍ وفعاليّةٍ تساهم في إطالة عمر الشّراكة وتحقيق استمراريّتها.

إنَّ إقامة شراكةٍ تجاريّةٍ ناجحةٍ تتطلّب الانتباه إلى هذه العوامل الأربعة: التّوافق في القيم، ووضوح الأهداف، وتحديد الأدوار بدقّةٍ، والتّعامل الفعّال مع النّزاعات، فإذا تمّ التّركيز على هذه الرّكائز، فإنّ احتماليّة نجاح الشّراكة تزداد بشكلٍ كبيرٍ. وبالطّبع، مثل أيّ علاقةٍ، تتطلّب الشّراكات التزاماً وعملاً جادّاً من جميع الأطراف لتحقيق النّجاح المشترك.