في اليوم الدولي للمهاجرين.. إليك 4 قصص نجاح مميزة
إنجازاتٌ عربيةٌ خُطّت في بلادٍ غربيةٍ بظروفٍ مختلفٍة، فأثبت أن كلّ حلمٍ يمكن أن يتحقق
دغدغت فكرةُ الهجرةُ عقولَ الكثيرِ من الشّبابِ والشّاباتِ العرب، عزموا عليها، حزموا حقائبهم، وانطلقوا في مغامرةٍ نحو المجهولِ، تحدّوا العقباتِ، ونجحوا بالاندماجِ، حاربوا بشجاعةٍ لإثباتِ أنفسهم في المجتمعاتِ الغربيّةِ، حتّى دقّت ساعةُ النّجاحِ، تلكَ الّتي لكلّ مجتهدٍ فيها نصيبٌ، في اليوم الدولي للمهاجرين ما رأيكم لو نتعرّف على بعضِ قصصِ نجاحِ العربِ في العالم الغربيّ؟.
المغربية نجاة بلقاسم
عندَ الحديثِ عن تجاربِ نجاح المهاجرين، لا يُمكن ولا بأيّ شكلٍ من الأشكالِ إغفالُ قصة نجاح المغربيّة "نجاة بلقاسم"، أوّل وزيرةٍ عربيّةٍ في فرنسا، والّتي توّلت منصبين وزاريين، الأوّل وزارة حقوقِ المرأةِ ثمّ وزارة التّعليم، لتكونَ المرأة الأولى الّتي تتولّى هذا المنصب.
ناضلت بلقاسم بشراسةٍ دفاعاً عن حقوقٍ النّساءِ ضدّ العنصريّةِ والتّمييز القائمِ على النّوع الاجتماعيّ، رغم أنّها ذاتها تعرّضت للعنصريّة حين تولّيها وزارةَ التّعليمِ الفرنسيّةِ، انطلاقاً من كونها ذات جذورٍ عربيّةٍ. إذ ولدت نجاة بلقاسم شهر أكتوبر عام 1977، لأبٍ مغربيٍّ ووالدةٍ جزائريّةٍ، وحين بلغت الخامسةَ من العمرِ كان بانتظارها رحلةٌ مضنيةٌ مع عائلتها للهجرةِ إلى فرنسا، حيث كان والدها يعملُ في قطّاع البناءِ.
حصلت بلقاسم، على بكالوريوس في القانونِ العامِ، كما نالت شهادةَ دبلومٍ من معهدِ الدّراساتِ السّياسيّةِ في العاصمةِ باريس، وبدأت حياتها المهنيّةَ كمستشارةٍ قانونيّةٍ في مكتبِ محاماةٍ في مجلسِ الدّولةِ ومحكمةِ النّقضِ بين عامي 2000 وحتّى 2002، كما عملت كأستاذةٍ في معهدِ العلومِ السّياسيّةِ بين 2010 وحتّى 2012.
حان وقت التغيير
حملَ شهر مايو عام 2012، تغييراً جذريّاً في حياةِ المرأةِ العربيّة المهاجرةِ، حيث عيّنها الرّئيسُ الفرنسيُّ "فرانسوا هولاند" في منصبيّ وزيرةِ حقوقِ المرأة، إضافةً إلى المتحدّثةِ الرّسميّةِ باسمِ الحكومةِ، وفي آب 2014، تم تعيّينها كوزيرةٍ للتّعليمِ العالي، وبهذا تصبحُ أوّل امرأةٍ تتولّى هذه الوزارة في فرنسا.
قبَل أن تصبحَ وزيرةً، شغلت بلقاسم منصبَ مساعدةِ عمدة مدينة ليون، وعضو مجلسِ الشّيوخِ جيرار كولومب، كما كانت مستشارةً في ديوانهِ، كما تمّ تكليفها للدّفاعِ عن حقوقِ الإنسانِ. إذ امتازت بلقاسم بقوّةِ الإقناعِ في خطاباتها، وهو ما دفعَ هولاند لتعيينها وزيرةً لحقوقِ المرأةِ والمتّحدثةِ الرّسميّةِ باسمِ الحكومةِ، وكانت أصغر الوزراءِ سنّاً في حكومتهِ.
كرّست بلقاسم الكثيرَ من حياتها في الدّفاعِ عن حقوقِ المرأةِ ومحاربةِ البغاءِ، واهتمّت الصّحافةُ الفرنسيّةُ بها كثيراً، كما ألّفت الصّحفيان فيرونيك بيرنهايم وفالنتين سبيتز كتاباً عنها -بعنوان "نجاة فالو بلقاسم: غزالة في بلد الفيلة"- تحدّثا فيه عن قصّةِ نجاحها سياسيّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً.
العراقي منجد المدرس
لم يكن الفقرُ الدّافعَ وراءَ هجرةِ جرّاحِ العظامِ الشّهيرِ مُنجد المُدّرس من بلدهِ العراق عام 1999، فهو ينحدرُ من أسرةٍ أرستقراطيّةٍ، والده كان قاضيّاً في المحكمةِ العليا وأمّه مديرةُ مدرسةٍ. ولد عام 1972 في العاصمةِ العراقيّةِ بغداد، وتخرّجَ من كليّة بغداد الّتي تعتبرُ من أعرقِ الثّانويّات في العراق عام 1991، ليلتحقَ بعدها بكليّةِ الطّبِ في جامعة بغداد، فتخرّجَ منها عام 1997.
تعرّضَ لموقفٍ صعبٍ عام 1999، وكان لزاماً عليه الاختيارُ بين إنسانيّتهِ وأخلاقِ مهنتهِ، وبين السّفرِ؛ فيختارُ الهجرةَ ليجدَ الطّبيبُ النّاجحُ نفسهُ فارّاً إلى الأردن ثم ماليزيا فأندونيسيا، وبين ليلةٍ وضحاها تحوّلت حياتهُ من طبيبٍ ناجحٍ إلى لاجئٍ يشقُّ طريقهُ على متنِ مركبٍ متهالكٍ يتشاركُ فيه مع 150 آخرين، منطلقين معاً بأحلامهمِ إلى جزيرةِ كريسماس.
بمجرّدِ وصولهِ إلى أستراليا تمّ إلقاءُ القبضِ على الطّبيبِ العراقيّ وكلِّ من كان معه على متنِ القاربِ -بوصفهم مهاجرين غير شرعيّين- وتمّ وضعهُ في مخيّمٍ صُنّفَ بأنّه من أكثرِ المخيّماتِ انتهاكاً لحقوقِ الإنسانِ في العالمِ.
تنظيف الحمامات
بحثَ المدرس عن فرصةِ عملٍ، ولم يجد سوى مهنةِ تنظيفِ الحمّامات، لكنّه لم ييأس، على العكسِ بدأَ رحلتهُ في الحصولِ على ترخيصِ مزاولةِ الطّبِ في أستراليا، ليعملَ كمقيمٍ في جراحةِ العظامِ في قاعدةِ ميلدورا، ثم انتقلِ إلى مستشفى ولونجونج، وبعدها مشفى كانبيرا. لتبدأ الدّنيا بالضّحكِ للطّبيبِ العراقيّ، إذ التحقِ ببرنامجٍ تدريبيٍّ لزمالةِ جراحةِ العظاِم في ميو ساوث ويلز عام 2004، وحصلَ على لقبِ (FRACS (Orth عام 2008.
في تلكَ المرحلةِ وضعَ المدرس ثلاثةَ أهدافٍ نُصب عينيه، الأوّل: أن يصبحَ أستاذاً في جراحةِ العظامِ والأطرافِ الصناعيّةِ، والثاني: أن يكونَ رياديّاً مبتكراً في مجالِ عملهِ، والثالث: تخصيصُ جزءٍ من وقتهِ وجهدهِ للدّفاعِ عن اللّاجئين وقضاياهم، وكان لهُ ما أرادَ بعدَ الكثيرِ من الجهدِ والمعاناةِ.
الطّبيبُ العراقيُّ منجد المدرس، هو اليوم واحدٌ من أصلِ ثلاثةِ جرّاحين في العالمِ، رائدين في تكنولوجيا Osseointegration، والّتي تشملُ تركيبَ طرفٍ صناعيٍّ يشبهُ إلى حدٍّ كبيرٍ الشّكلَ التّشريحيّ للطّرفِ الطّبيعيّ، حيثُ يتم غرسهُ داخلَ العظامِ بحيث ينمو العظمُ والعضلاتُ حولَ التيتانيوم، ما يحقّقُ اندماجاً سريعاً وآمناً. مع العلم أنّ السّببَ الّذي دفعَ المنجد لتطويرِ مهاراتهِ في تلك التّكنولوجيا، هو: رغبتهُ بمساعدةِ أهالي بلدهِ الّذين عانوا من فقدانِ الأطرافِ والإصاباتِ نتيجةَ الحربِ، حيثُ زارَ العراقَ عدّةَ مرّاتٍ لإجراءِ العمليّاتِ لفاقدي الأطرافِ.
يعودُ الفضلُ للطّبيبِ العراقيّ في أنّ أستراليا -بسببهِ اليوم- تعتبُر رائدةَ العالمِ في مجالِ تطويرِ الأطرافِ الرّوبوتيّةِ، حيث يقصدها الأطباءُ من كلِّ العالمِ للتّدريبِ على تلكَ الجراحةِ المتطوّرةِ.
ومنِ أشهرِ أقوالِ الطّبيبِ العراقيّ: "أنا أؤمن بأنّ كلّ إنسانٍ له مهمّةٌ في هذه الحياة، ومهمّتي أن أساعدَ الآخرين، وأجعلَ الأمور تسيرُ بشكلٍ أفضل"، وبالفعلِ حقّقَ مهمّتهُ على أتمّ وجهٍ.
السورية شوشي باكاريان
ذاعَ صيتُ الشّابةِ السّوريةِ "شوشي باكاريان" عام 2019، حين سجلّت أوّل براءة اختراعٍ لها في موطنها الجديدِ كندا، وكانت عبارةً عن شاحنٍ مُلحقٍ لطائراتِ "سيسنا"، يعملُ عبرَ الطاّقةِ المتجدّدةِ. ولكن خلفَ هذا الإنجازِ العلميّ الهامِّ، توجدُ قصّةُ كفاحٍ حقيقيّةٌ اضطرت الشّابةُ لخوضها في عمرٍ صغيرٍ.
ولدت الشّابةُ في مدينةِ حلب السّورية عام 1997، وبعدَ حصولها على الشّهادةِ الثّانويّةِ عام 2015، قرّرت العائلةُ مغادرةَ سوريا إلى لبنان هرباً من الحربِ، ولم يكن الوضع هناك أفضل حالاً، لكن سرعان ما ابتسمَ الحظُّ للعائلةِ، وهاجرت بشكلٍ نهائيٍّ إلى كندا في نهايةِ العام ذاته 2015.
وصلت العائلةُ إلى مونتريال الكنديّة، وبدأتَ رحلةَ تعلّمِ اللّغة الفرنسيّةَ السّائدةِ هناك، ووجدت الشّابةُ فرصةَ عملٍ لها في سلسلةِ مطاعمِ ماكدونالدز العالميّة، لتعينَ الأسرةَ على المصروفِ. وسط عملها المضني -الّذي يمتدُّ إلى نحو 30 ساعةً أسبوعيّاً في المطعمِ- لم تتخلّ عن حلمها الدّراسيّ، فالتحقت بجامعة كونكورديا لتدرسَ هندسةَ الطّيران، ونجحت في الموازنةِ بين العملِ والدّراسةِ، إذ لم تمتلك ترفَ التّخلي عن العملِ والتّفرغِ للدّراسةِ، كذلك لم تمتلك القدرةَ على رمي أحلامها أدراجَ الرّياحِ.
الأحلام يمكن أن تتحقق
رغمَ التّعبِ والجهدِ، كان الحافزُ داخلَ شوشي المفعمة بالأحلامِ، كافياً للمتابعةِ والاستمرارِ، ومع تميزّها بدراستها لفتت أنظارَ إحدى مدرّساتها في الجامعةِ، والتي أبدّت رغبةً في دعمها بعد ما لمستهُ داخل الشّابة من إبداعٍ ورغبةٍ في التّعلمِ.
لقد حانَ الوقتُ في تلكَ اللّحظةِ، إذ حظيت شوشي بفرصتها المهمّة بينما كانت تشاركُ في برنامج توعيّةٍ نسائيّةٍ في مجالِ الطّيرانِ، إذ تعرّفت خلاله على مالكةِ شركة طيران محليّةٍ، والّتي انتبهت لإبداعِ شوشي، فدعتها للعملِ كمدرّبةٍ على أجهزةِ محاكاةِ الطّيران التّابعةِ للشّركة.
بضعةُ أشهرٍ قليلةٍ كانت كافيةً بالنّسبةِ للشّابةِ السّوريةِ، لتفصحَ عن إنجازها -الّذي وُصفَ بأنّهُ أحد أهمّ اختراعاتِ الملاحةِ الجويّةِ- شاحن ملحق بقوّةِ 5 فولت لطائراتِ سيسنا، يساعدُ على تبريد ِالهواءِ عبر الضّغطِ ويعملُ بالطّاقةِ المتجدّدةِ، فحصلت من خلالهِ على براءةِ اختراعٍ، وأُطلق عليهِ اسمَ "Ventus".
الفلسطيني راجي كوك
في كلِّ مرّة نستخدمُ فيها أحدَ الرّموزِ المتداولةِ بكثرةٍ، مثل: رمز أماكنِ منعِ التّدخينِ وغيرها، نكونُ مدينيين للمهاجرِ الفلسطينيّ "راجي كوك"، مصمّم الجرافيك الشّهيرِ، وأحد أهمّ دُعاة السّلامِ في الشّرقِ الأوسطِ.
وُلد كوك عام 1930، وهو ابنُ عائلةٍ فلسطينيّةٍ هاجرت من رام الله الفلسطينيّةِ إلى الولاياتِ المتّحدة الأميركيّة، بحثاً عن حياةٍ أفضل. راجي كوك، الّذي باتَ يُعرفُ -فيما بعد- باسمِ روجر كوك، لأنّ نطقَ هذا الاسم هناك كان أسهلَ، سرعان ما أثبتَ تميّزه وحقّق نجاحاتٍ كبيرةٍ في ميدان عملهِ كفنّانٍ ومصمّمِ جرافيك، إذ حصلَ على جائزةِ الرّئيسِ عام 1984، لأفضلِ تصميمٍ وكرّمهُ الرّئيس رونالد ريغان وقتها، وفي عام 2003، قُبل مشروعهُ "العلاماتِ الرّمزية"، من قبل مؤسّسةِ سيمثونيان "كوبر هويت". وفي دراستهِ كان متميزاً كذلكَ، فالنّجاحُ المهنيّ ما هو إلّا امتدادٌ للنّجاحِ الدّراسيّ غالباً، فخرّيج مؤسّسةِ برات، اختير عام 1997 كخرّيجِ السّنة.
الاسمُ الحقيقيُّ للفنّانِ الفلسطينيّ هو راجي سليمان، لكنّ معلّمهُ في الصّفِ الرّابعِ أخبره بأنّ نطقَ اسم روجر أسهل، حتّى اسمهُ الثّاني كان من اختيارِ شخصٍ آخر، إذ أنّ قامته الصّغيرةَ دفعت البعضَ لتلقيبهِ باسم كوجوك، وهي كلمةٌ تركيّةٌ تعني الصّغير، لكن لاحقاً بات كوك.
كان الفنّانُ الفلسطينيُّ الرّاحلُ الّذي توفيّ عام 2021 عن عمر 91 عاماً، خفيفَ الظّلِ جداً، وكان يمازحُ من حولهِ بقولهِ إنّ الرّموزَ الّتي ابتكرها أهمّ من أعمالِ فان جوخ، انطلاقاً من أنّ الجميعَ سيرونها كلّما صعدوا المصعدَ أو توقّفوا قليلاً في الحمّامِ.
لا تختصرُ تلكَ القصص الأربع، الّتي ينتمي أصحابها لبيئاتٍ ثقافيّةٍ مختلفةٍ، قصصَ نجاحِ المهاجرين العرب المُلهمةِ والكثيرةِ، إنّما هي فقط مجرّد نموذجٍ من المهمّ الاطّلاع عليه، فمن خلالهِ تخبرنا الحياةُ أنّ الإرادةَ تصنعُ المستحيلَ، ربّما يبدو الأمرُ صعباً في البدايةِ، لكن مع الإصرارِ والاجتهادِ والحافزِ، يُمكن لأيّ حلمٍ أن يتحقّقَ.