Apple تتراجع عن وعودها: هل فقدت Siri فرصتها للتطور؟
يثير تأجيل تطوير Siri إلى العام المقبل استياء المستخدمين والمستثمرين، ويطرح تساؤلاتٍ حول قدرة آبل على مواكبة تطوّرات الذكاء الاصطناعي المُتسارعة

واجهت شركة "آبل" (Apple) تحدّياً كبيراً في محاولتها دمج قدرات نماذج اللّغة الكبيرة في مساعدها الصّوتيّ "سيري" (Siri)، الّذي لطالما عانى من بعض القصور. وخلال مؤتمر "ويدي سي" (WWDC) لمطوّري آبل، كشفت الشّركة عن مجموعةٍ من الميّزات الجديدة، شملت قدرة سيري على فهم السّياق المرتبط بمعلومات المستخدم الشّخصيّة وبما يظهر على الشّاشة، وكان من المتوقّع أن تحدث هذه التّحسينات تحوّلاً جذريّاً.
ولكن، في تطوّرٍ غير متوقّعٍ، أفادت آبل بأنّ تقديم تلك الميّزات سيستغرق أطول ممّا كنّا نظنّ. ففي بيانٍ صدر يوم الجمعة لبعض وسائل الإعلام، أعلنت الشّركة عن تأجيل معظم ميّزات سيري الّتي تمّ التّرويج لها في مؤتمر ويدي سي السّابق إلى أجلٍ غير مسمّى، وجاء البيان على النّحو التّالي:
"يساعد سيري مستخدمينا في العثور على ما يحتاجون إليه وإنجاز الأمور بسرعةٍ. وخلال الأشهر السّتّة الماضيّة فقط، جعلنا سيري أكثر حواريّةً، وقدّمنا ميزاتٍ جديدةً مثل الكتابة لسيري ومعرفة المنتجات، وأضفنا تكاملاً مع "شات جي بي تي" (ChatGPT). كما أنّنا نعمل على جعل سيري أكثر تخصّصاً، بحيث يكون لديه وعيٌ أكبر بسياقك الشّخصيّ، والقدرة على اتّخاذ إجراءاتٍ نيابةً عنك داخل تطبيقاتك وعبرها. وسيستغرق ذلك منّا وقتاً أطول ممّا كنّا نظنّ لتقديم هذه الميزات، ونتوقّع طرحها في العام القادم".
وفي سياقٍ متّصلٍ، نشر جون جروبر أحد الأشخاص الّذين تلقّوا البيان، مقالةً نقديّةً يوم الأربعاء تنقد الأسباب الّتي أدّت إلى هذه الوضعيّة، مشيراً إلى نقطةٍ مهمّةٍ. في رأيه، رغم أنّ الإنجاز الأكثر أهمّيّةً من آبل على مدى العقود الثّلاثة الماضية هو جمعها لاحتياطٍ وافرٍ من المصداقيّة، إذ يمكن للمستخدمين الاعتماد على أنّ الميّزات المُعلن عنها حقيقيّةٌ، وأنّ الوعود الّتي تُطرح سيتمّ الوفاء بها –حتّى ولو كان التّأخير طويلاً أحياناً (قد يمتدّ الأمر إلى 13 أو 14 شهراً). ومع ذلك، فقد اتّضح أنّ وعود سيري الأكثر تخصّصاً لم تكن إلّا وعوداً جافةً.
المشكلة ليست أنّ آبل متأخّرةٌ جدّاً في مجال الذكاء الاصطناعي، ولا أنّ الشّركة تحدّثت عن منتجاتٍ أو ميزاتٍ لم تكن جاهزةً للإطلاق، إذ تكمن المشكلة في أنّ الشّركة قد قدّمت تلك الوعود على أنّها أكثر واقعيّةً، ممّا كانت عليه فعلاً، سواءً في الحاضر أو المستقبل، فقد عرضت آبل على الشّاشة أحد أكثر التّنفيذيّين احتراماً وثقةً، كريغ فيديريجي، ليعلن عن وعودٍ لا تستطيع الشّركة الوفاء بها.
في عرضها للذكاء الاصطناعي، قدّمت آبل أمثلةً عن كيفيّة استفادة سيري من السّياق الشّخصيّ، مثل إمكانيّة تحديث عنوان جهة اتّصالٍ استناداً إلى ما يظهر في رسالة "آي مسج" (iMessage)، أو إضافة صورةٍ مرئيةٍ إلى الملاحظات عند الحاجة. كما تمّ التّرويج لميزاتٍ غير موجودةٍ فعلاً، مثل إعلانٍ على "يوتيوب" (YouTube) تظهر فيه بيلا رامزي تطلب من سيري مساعدتها في تذكّر اسم شخصٍ قابلته في مقهى، ويُظهر الإعلان سيري وهو يستخلص المعلومات من التّقويم. لم تكن هذه الميّزات ممكنةً آنذاك، وما زالت غير قابلةٍ للتّطبيق حتّى اليوم. ومع ذلك، أخذ المطوّرون ووسائل الإعلام تصريحات آبل على محمل الجدّ، مع أنّهم لم يعرضوا أيّاً من تلك الميزات.
حتّى الآن، التّحديث الوحيد الّذي شهدته سيري هو أنّه عندما يواجه سؤالاً لا يعرف إجابته، يقوم ببساطةٍ بإحالته إلى شات جي بي تي. وفي ديسمبر الماضي، كتبت مقالةً تؤكّد أنّ أهمّ ما تحتاجه آبل لتحقيقه هذا العام هو الوفاء بوعودها الكبيرة بشأن تطوير سيري مع الذكاء الاصطناعي. إذ أوضحت المقالة: "يجب على آبل أن تنجح في هذا الأمر في العام القادم؛ لأنّها متأخّرةٌ جدّاً، والأهمّ من ذلك، لأنّها قد قدّمت وعداً، وكشركةٍ، يجب عليك الوفاء بوعودك".
تخضع آبل لمقاييس أكثر دقةً، إذ يُنظر إليها بمعايير مختلفةٍ. فعلى سبيل المثال، عندما عقدت "أمازون" (Amazon) حدث "أليكسا بلس" (Alexa Plus) قبل بعض الأسابيع، تمّ عرض العديد من الأفكار والمنتجات الّتي لم يكن من الضّروريّ أن تكون حقيقيّةً في أيّ وقتٍ قريبٍ؛ لأنّ هذا هو أسلوب أمازون. وفي عام 2020، عرضت أمازون طائرةً بلا طيرانٍ للمراقبة داخل المنزل، وهي فكرةٌ لم تتحوّل إلى منتجٍ متاحٍ للجميع. أمّا آبل، الّتي لطالما كانت حذرةً في التّحدّث عن المنتجات غير الجاهزة، فقد خالفت هذا النّهج عندما يتعلّق الأمر بسيري، ربّما نتيجة الضّغط النّاتج عن التّأخّر أو سبب ثقةٍ مفرطةٍ أنّها ستتمكّن من الوفاء بوعودها.
المشكلة الأساسيّة تكمن في أنّ آبل لم تفِ بوعدها، وما زالت تتأخّر في تنفيذه؛ فالثّقة تعتبر من أثمن الأصول الّتي تملكها الشّركة، فإنّك تحصل على فرصةٍ واحدةٍ قبل أن تتآكل ثقة العملاء بك. وفي يناير الماضي، كتبت مقالةٌ تشير إلى أنّه إذا لم تطلق آبل سيري الأذكى كما وعدت في مؤتمر ويدي سي، فإنّ ذلك سيكون له تأثيرٌ سلبيٌّ أكبر على الشّركة من إطلاق هاتف آيفون في ذلك العام. ومن منظورٍ ماليٍّ بحتٍ، قد لا يبدو ذلك مؤثّراً؛ نظراً لشعبيّة آيفون الّتي جعلت آبل أكبر شركةٍ في العالم.
ومع ذلك، أدّت تصريحات آبل الأخيرة إلى انخفاض سعر سهمها بنسبة 11% وخسارة قيمتها السّوقيّة بمقدار 400 مليار دولارٍ، جزئيّاً لأنّ الشّركة اعترفت أنّها ستستغرق وقتاً أطول، ممّا كان متوقّعاً لتنفيذ أهمّ مبادراتها في هذه المرحلة. ويعود هذا الاضطراب أيضاً إلى أنّ الثّقة الّتي منحها الجميع لآبل عندما وعدت بإنجاز سلسلةٍ من ميزات الذكاء الاصطناعي الجذّابة، تبيّن فيما بعد أنّها كانت مضلّةً.
في النّهاية، تعدّ الثّقة من أهمّ الأصول الّتي يجب الحفاظ عليها في عالم الأعمال؛ فإذا لم يستطع قادة الشّركة الوفاء بوعودهم، فإنّ ذلك لا يؤثّر فقط على سمعة الشّركة، بل يعدّ درساً تحذيريّاً لكلّ قائدٍ؛ فالوفاء بالوعود ليس مجرّد كلمةٍ، بل هو الأساس الّذي تُبنى عليه الثّقة والعلاقات المستدامة مع العملاء والمستثمرين.
شاهد أيضاً: هل تحقق Siri قفزة نوعية في 2025؟